المنشورات
مرحلة ما بين الحربين (1997 - 1973):
أفرزت حرب الخامس من حزيران 1997 عاملا مهما على الصعيد العربي يتمثل بالالتفاف الشعبي الهائل حول المقاومة الفلسطينية، خاصة في الوقت الذي أصبحت فيه هذه الظاهرة نقطة بارزة في عملية الصراع العربي - الصهيوني، بالإضافة إلى ما أحرزته المقاومة من ضربات ناجحة ضد العدو في اكثر من موقع، وفي مختلف المجالات. وقد طالت هذه الضربات أيضا بعض المصالح الأميركية نتيجة الترابط العضوي الذي انكشف جلية بين هاتين القوتين في حرب حزيران.
بعد ذلك، عمدت الاستخبارات الإسرائيلية - بالتنسيق مع مثيلاتها الأميركية - إلى ملاحقة المقاومة الفلسطينية، عبر زرع العملاء والجواسيس في مختلف الأنطار العربية التي تتواجد فيها قواعد المقاومة بهدف الحصول على المعلومات الضرورية حول تحركاتها ومراكزها وتستحها وتنقلات قادتها، كما لجات في الوقت ذاته إلى إيجاد شبكات تجسسية في كل من العراق ومصر ولبنان تهدف إلى تهريب اليهود وتهجيرهم إلى إسرائيل بالإضافة إلى إحداث عمليات تخريبية، سياسية وطائفية، لبلبلة الأوضاع الداخلية في كل من هذه البلدان، توجه بعدها أصابع الاتهام إلى المقاومة، فتولد ضدها موجة من العداء والكراهية تستهدف عرقلة مسيرتها وتقدمها.
ركزت الاستخبارات الإسرائيلية جهودها في باديء الأمر على القرى اللبنانية الحدودية، والتي ينسئل الفدائيون الفلسطينيون عبرها لتنفيذ عملياتهم ضد مؤسسات العدو ومنشأته وأفراده، وقد نجحت هذه الاستخبارات في تجنيد بعض العملاء من سكان هذه القرى الحدودية التي تمثل نقطة عبور إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكان من بين هؤلاء العملاء مثلا ونايف المصطفى، وهو لبناني الأصل من بلدة والبستان، على الحدود اللبنانية - الفلسطينية. تزعم شبكة جاسوسية لصالح مخابرات العدو الصهيوني مقابل (400 ليرة) أربعمائة ليرة لبنانية شهرية. إلا أن اجهزة الأمن اللبنانية اعتقلته في بداية السبعينات حيث اعترف بتعامله مع «إسرائيل»، وجمع معلومات سرية تم إرسالها عبر جهاز لاسلكي قامت الاستخبارات العدوة بتدريبه على استخدامه لإبلاغها عبر مشاهداته ومراقبته للحدود عن توقيت تحرك المجموعات الفدائية ومكان عبورها إلى الأراضي المحتلة (39).
وتمكنت الاستخبارات الإسرائيلية من تجنيد شبكة أخرى، على القرى الحدودية أيضا، حيث تولى اللبناني أحمد ضاهر مهمة إدارة هذه الشبكة بالتعاون مع المدعو نايف البدري»، الأول من بلدة عيترون، والثاني من ديارين». وبعد أن اعتقلا من قبل أجهزة الأمن اللبنانية بتاريخ 16 شباط 1971، اعترفا بتعاملهما مع الاستخبارات الإسرائيلية حيث أمدا ضابط الاستخبارات بمعلومات تفصلية عن النشاط الفدائي على الحدود اللبنانية - الفلسطينية (40). إلا أن هذه المخابرات لم نحصر نشاطها بمراقبة تحركات الفدائيين فقط، بل لجات أيضا إلى تشكيل شبكة جاسوسية هامة أوكلت قيادتها إلى أحد عملائها وهو اخميس أحمد بيومي،، وحددت مهمتها بالتجسس والتخريب. وقد استطاع «بيومي، تجنيد عميل رئيسي في شبكته هذه هو اجميل القرح، الذي تولى شراء عدد من ضعفاء النفوس، واستخدمهم في عمليات خطط لها ضابط الاستخبارات الإسرائيلية في حيفا. وعلى الأثر توالت التفجيرات في جميع أنحاء لبنان وكان بعضها ذا طابع سياسي کتفجير قنبلة في السفارة العراقية ببيروت بغية تأجيج الخلاف بين العراق وسوريا، وتفجير قنبلة أخرى في مكاتب المنظمات الفلسطينية للوقيعة بين اللبنانيين والفلسطينيين، وعمليات أخرى ذات طابع طائفي كإلقاء القنابل على الكنائس والمساجد بغرض إثارة النعرات الطائفية. وقد تمكنت أجهزة الأمن اللبنانية من اعتقال الشبكة، واعترف أفرادها بتعاملهم مع المخابرات الإسرائيلية (11). أما المواطن المصري محمد عمر حمودة»، فقد قام بنفسه عارضة خدماته على المخابرات الصهيونية بعد أن اتصل بقنصليتها في استانبول، واستقبله معاون الملحق العسكري الإسرائيلي والمسؤول عن التجسس والمخابرات فيها وهو النقيب سامي، كلف بكتابة تقرير عن كل ما يعرفه عن وطنه والمقاومة، فقد ذلك في ست صفحات أعجبت أسياده لما فيها من دقائق الأسرار. فنقل من فندقه إلى فندق درجة أولى وخضع لدورة تجسس ثم أرسل إلى لبنان لجمع المعلومات عن الفدائيين الفلسطينيين ومنظماتهم.
في بيروت قدم نفسه لمندوب إحدى المنظمات، وهذا بدوره قدمه إلى قائد المنظمة عارضة خدماته فقبل وخضع لدورة تدريب في أحد معسكراتها دامت شهرة.
ثم بدأ تنفيذ مهمته مسجلا كل صغيرة وكبيرة فيما يتعلق بالمقاومة ومسؤوليها ومواقعها وعناصرها وأسلحتها، ثم استأذن منظمته بالسفر إلى القاهرة من اجل تصديق الثانوية العامة التي يحملها ليتسنى له الالتحاق بجامعة بيروت العربية، لزيادة ثقافته خدمة للمقاومة على حد تعبيره، فوافقوا له. عندها سافر إلى استانبول حيث قدم معلوماته إلى المخابرات الإسرائيلية، فأعطاه النقيب سامي (500) خمسمائة دولار ثمن هذه المعلومات القيمة، ثم كلف بعدها للعمل في القاهرة بعد أن حددت مهمته على ورقة سجل عليها الطلبات المفروضة عليه تقديمها وتتضمن 12 طلبة.
إلا أن المخابرات المصرية اعتقلته بعد أن حاول تجنيد طلاب من رفاق أخيه في الجامعة، للعمل معه لصالح المخابرات الإسرائيلية، بعد أن استضافوه وأكرموه بسبب غياب أخيه، فحكم عليه بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة مدة 20 سنة (12).
ونظرا للأهمية البالغة التي توليها إسرائيل، للعنصر البشري، خاصة بعد حرب حزيران وسيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي، فقد جندت بعض شبكاتها التهريب اليهود من لبنان ومصر والعراق وغيرها.
ففي لبنان، كلفت بإدارة شبكتها هذه، إحدى عميلاتها اليهوديات وتدعى شولا کوهين». وقد عملت شولا، على نهريب مجموعات من اليهود عبر الأراضي اللبنانية بالتسلل إلى فلسطين، كما عملت على تهريب أموال اليهود من لبنان إلى «إسرائيل» إلى أن اكتشفت أجهزة الأمن اللبنانية أمرها وألقي القبض عليها، فتسلمت عنها هذه المهمة بأمر من الموساد»، إحدى زميلاتها اليهوديات التي تقيم في لبنان وندعي راشيل رأفول،.
استطاعت دراشيل، بالتعاون مع أدوار هيسيا، مندوب الوكالة اليهودية في بيروت، العمل تحت ستار ملهى ليلي. وتمکنت درافول»، أثناء تنفيذها لمهامها في لبنان، تحقيق عدة عمليات التهريب أموال اليهود المهاجرين. منها تهريب اموال و إميل بنشوتو، الذي أعلن إفلاسه التجاري وتبين أنه مدين إلى عدد من المصارف والتجار بمبلغ ثلاثة ملايين ليرة لبنانية؛ كما أشرفت على نهريب «إبراهيم مزراحي، الناجر اليهودي في طرابلس، واستطاعت تجنيد زوجته اليلي مزراحي، للعمل معها في الشبكة ودفعتها للاستدانة مبلغ مليوني ليرة لبنانية من مصارف وتجار طرابلس، والهروب بها إلى اليونان، ومنها إلى إسرائيل. وقد كشفت السلطات اللبنانية هذه الشبكة بعد فترة، وألقي القبض على فراشيل رافول، في حالة تلبس بنقل معلومات عسكرية لصالح العدو (1).
أما في العراق فقد اتخذت الاستخبارات الإسرائيلية منها مركزا للحصول على المعلومات المتعلقة بدول الخليج وعلاقتها بالعراق، وكذلك عن الثورة العمانية والمعدات السوفياتية التي تم تجهيز الجيش العراقي بها كالرادار والدبابات السوفياتية من طراز ان - 54، و ت - 55،، ومعلومات تفصيلية عن تمد الأكراد في الشمال. وقد كانت هذه الشبكة بإدارة المدعو «يعقوب يوسف، أعترف أعضاؤها بعد اكتشافها من قبل أجهزة الأمن العراقية، أن ميناء «عبد أنه هو مركز الاتصال وجمع المعلومات.
إلى جانب هذه الشبكة، كانت هناك شبكة أخرى بقيادة ملازم أول في الجيش العراقي، ولكنه طرد منه، وهو «جواد الحداد جندته المخابرات الإسرائيلية للحصول على معلومات عسكرية عن الجيش العراقي. اكتشفتها السلطات العراقية بتاريخ 13 ايار 1999، حيث اعترف أعضاؤها بأن الأرض الإيرانية كانت المنطلق لكل تحركاتهم. كما أن الرؤوس التي تدير تلك الشبكات تتخذ من إيران أيضأ مراکز انطلاق واتصال بها. كما جاء في اعترافاتهم أن إسرائيل أرسلت سنة عشر ضابطا للاستخبارات إلى إيران بمهمة إدارة عمليات التجسس في منطقة الخليج العربي والعراق (14)
أما في مصر، فقد كتفت فيها الاستخبارات الإسرائيلية عملاءها وشبكاتها التجسسية باعتبارها مركز الثقل الأساسي في الوطن العربي. كما أوعزت لهم بالحصول على المعلومات المتعلقة باسرار الدفاع الجوي المصري، والبحرية التجارية المصرية، وتصوير ميناء الإسكندرية، ومعرفة عمق الماء، بالإضافة للمعلومات عن السفن الحربية في المنطقة، وخطر الشيوعية، والأوضاع السياسية والاقتصادية. وكان من أهم هؤلاء العملاء المهندس البحري المصري محسن الراهب»، وقبطان السفينة السويدية «جلبرت أرسونه، والسويدية ماريا لبك، ومحمد إبراهيم فهمي کامل،، و اسمير وليم باسيلي، ووالده، والمقدم مايوغا والذي كان يشغل منصب الملحق العسكري لسفارة الفيليبين في القاهرة، وقد أبعدته أجهزة الأمن المصرية في 17 شباط 1970 بعد أن كشفت نشاطه التجسسي لصالح الاستخبارات الإسرائيلية. وتلى ذلك إبعاد «هربرت فرجسون، الملحق الزراعي الأميركي بعد أن وجهت له تهمة التعامل مع د إسرائيل، والتهريب لصالحها (49). كما كان هناك أيضا قبطان السفينة الإسبانية أنطونيو كاناليس»، ومحمد القدسي، ومنير عبد الغني، وسليمان سليمان، وفوزات شفيق، وشاكر فاخوري، ونبيل النحاس، وعبد الله أبو ندا، وجمال حسنين الخ ...
إلى جانب ذلك، كان الإسرائيليون (المخابرات والساسة) يعززون تحالفاتهم الخارجية وبشكل وثيق مع الولايات المتحدة الأميركية، من أجل عسكرة الدولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. حيث إن الدعم العسكري بشكل مجالا ماما للتعاون ما بين إسرائيل، والولايات المتحدة، ففي الأعوام التي سبقت حرب 1967، كانت إسرائيل، العدوانية تحصل على مساعدات عسكرية ضخمة من قبل الولايات المتحدة الأميركية مباشرة أو بمعرفتها من قبل شركائها الامبرياليين الذين يدورون في فلكها، وذلك بغية أن تصبح إسرائيل، الممثل الحقيقي لاستراتيجيتها العسكرية العالمية، وقد استمر هذا الجانب من المؤامرة بعد 5 حزيران وذلك بغية المحافظة على أن تبقى إسرائيل، مركز الثقل الحربي في الشرق الأوسط.
وعلى هذا الأساس عقدت، محادثات في شهر كانون الثاني من عام 1928 ما بين ليفي اشكول وجونسون بحثت فيها مواضيع توريد الأسلحة ولا سيما الطائرات. وفي شهر تشرين الثاني من العام نفسه أعطى رئيس الولايات المتحدة جونسون موافقته للبدء في مباحثات حول تصدير خمسين قاذفة قنابل من طراز (فانتوم ف 4) الإسرائيل».
وفي أيلول 1999 تشاورت غولدا مائير مع نيکسون حول تسليم اسرائيل، 20 طائرة «فانتوم، و 80 طائرة «سكاي هوك».
وفي ايلول من عام 1970 حصلت غولدا مائير أثناء إقامتها في الولايات المتحدة الأميركية على موافقة يتم بموجبها الحصول على كميات مختلفة من الأسلحة. كما وافقت الحكومة الأميركية على إعطاء إسرائيل، فرضا بمبلغ خمسمائة مليون دولار. وقد حصلت وإسرائيل، من هذه الأسلحة على:. 180 دبابة (م 60) و (م 48).
مدفعية بعيدة المدى من عيار 170 مم، مداها المجدي 32 کلم. . سيارات مدرعة (مصفحة). - قنابل وقطع غيار للطائرات. . صواريخ دفاعية جوية من نوع شرابك (Shrike).
وكذلك ابتدات المباحثات حول إرسال 18 قاذفة فانتوم في الأسابيع التي تبعت هذه الإرسالية (46).
ونظرا لأهمية القصوى التي توليها الولايات المتحدة الأميركية لحليفتها إسرائيل،، باعتبارها إحدى ولاياتها خارج الحدود، فإن أشكال الدعم، لا تقتصر فقط على المعدات الحربية التي تقدمها للدولة الصهيونية بل الأهم من ذلك، إن الولايات المتحدة تأخذ على عاتقها ايضا مهمة تدريب الأيدي العاملة المتخصصة وإرسالها التقوية الصناعة الحربية الإسرائيلية، كما تساهم بعلمائها ومهندسيها وخبرائها وفنييها في العمل لتطوير هذه الصناعة والإشراف عليها. وقد جاء في تعليق الصحيفة (Daily Wold بتاريخ 1970
/ 4/ 4، ما مفاده أن الولايات المتحدة الأميركية تقوم بمساعدة «إسرائيل، في تعبئة الأيدي العاملة المدربة فيها ... فقد عاد إلى إسرائيل، عام 1999 (800) ثمانمائة إسرائيلي بما فيهم المهندسون والعلماء والفنيون و 300 فردا ممن يعملون خاصة بصناعة الطيران الذين لم يجدوا قبل ذلك الوقت مجالا عملية لممارسة اختصاصاتهم أو دراساتهم في
إسرائيل»، وكذلك لا بد أن يكون قسم من آلاف المهندسين والفنيين الأميركيين الذين سرحوا من عملهم في قسم اغزو الفضاء من قبل السلطات المختصة ... فد ذهب إلى إسرائيل» (97)
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
2 أبريل 2024
تعليقات (0)