المنشورات
داغان، الجنرال مائير:
هو رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد الذي عين خلفا للجنرال افرايم هاليفي الذي عين رئيسا لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي بدءا من أيلول 2002. ومن الطبيعي أن تثير عملية تعيين رئيس " الموساد "عاصفة من الاحتجاجات والاجتماعات غير العادية. وفي هذا الصدد، كتب أحد المتخصصين في الشؤون الإسرائيلية، حلمي موسى في جريدة " السفير" حول هذا الموضوع ما يلي: بعد طول مماطلة، حسم رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون أمره وقرر تعيين الجنرال الاحتياط مائير داغان رئيسا للموساد. ومن الوجهة الشكلية كان من المفترض أن يمضي هذا التعيين من دون إشكالات. فمائير داغان جنرال صاحب خبرة طويلة في المعارك، خاصة في محاربة الإرهاب"، ومنصب رئاسة الموساد " ائتماني"، الأمر الذي يفرض جودة العلاقة بين صاحب المنصب ورئيس الحكومة المسؤول مباشرة عنه. ولكن الاشكالات بدأت منذ اللحظة الأولى: إذ من المقرر أن يقدم نائب رئيس الموساد استقالته احتجاجا على عدم تعيين أحد قادة الموساد لهذا المنصب. وسوف يتبعه آخرون، في ظل الاحتجاجات المتصاعدة. غير أن ذلك لا يكفي، فهذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها رئيس حكومة في إسرائيل بتعيين " طفله المدلل " ورئيس طاقمه للانتخابات في مثل هذا المنصب الرفيع. ولأن مائير داغان انضم إلى الليكود في نهاية عام 2000، رأت کشرة من السياسيين الإسرائيليين أن تعيينه رئيسا للموساد ينطوي على محاباة ومخالفة لقواعد العمل السليم في نظام ديموقراطي. وأيا يكن الحال فإن الحلبة السياسية الإسرائيلية ستشهد نقاشا عاصفا حول هذا التعيين الذي جرى الحديث فيه منذ انضمام داغان إلى طاقم شارون الانتخابي. ومن المقرر أن تقوم لجنة قضائية إسرائيلية بدراسة هذا التعيين وإقراراه. ومع ذلك من غير المستبعد أن تلجأ بعض الجهات السياسية إلى المحكمة العليا لمطالبتها بتحديد موقف من تعيين داغان. والواقع أن تعيين داغان ينطوي على أبعاد مهمة تتجاوز كثيرا الجوانب الحزبية أو الإجرائية داخل إسرائيل أو المؤسسة الاستخباراتية. إذ تزامن إعلان هذا التعيين مع إعلان تعيين افرايم هاليفي. الرئيس الحالي للموساد، رئيسا لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي. ويرى معلقون إسرائيليون أن شارون أراد هذا التعيين التأكيد على إعادة الاعتبار للموساد بوصفه رأس حربة العمليات الإسرائيلية في الخارج. إذ انه بعد الاخفاقات الإسرائيلية العديدة في السنوات الأخيرة، خاصة محاولة اغتيال خالد مشعل ومحاولة زرع أجهزة تنصت في بيت لبناني في سويسرا، اتجه الموساد إلى العمل الدبلوماسي أساسا وتردد في تنفيذ عمليات.
وفي نظر شارون، ليس هناك من هو أصلح من مائير داغان لإعادة الاعتبار لا " الذراع الطويلة " لإسرائيل التي تضررت في السنوات الأخيرة بسبب الاخفاقات. وهو يرى أن وجود الجنرال عميرام ليفين الذي شارك مع هاليفي في إعادة تنظيم الموساد بعد اخفاقاته، لم يكن مجديا بسبب انعدام روح المبادرة الهجومية. وفيما ينصب اهتمام العالم على " محاربة الإرهاب "، فإن مائير داغان هو الاسم الأنسب، حتى في التعاطي مع الأميركيين. فالمهمة " المشتركة " الآن لإسرائيل والولايات المتحدة، هي " شن الحرب على الإرهاب " ومائير داغان افضل من يدير مثل هذه الحرب التي تتطلب الكثير من الأعمال القذرة" وهو مستعد لذلك.
وثمة معنى كبير لاختيار ذكرى الحادي عشر من أيلول الإعلان هذا التعيين. أن شارون أراد من خلال اختيار هذا التوقيت
ب لاغ معارضيه في الساحة الداخلية أن "الغاية تبرر الوسيلة" والتوضيح لأعداء إسرائيل أن " الحرب على الإرهاب" من وجهة نظر إسرائيل سوف تغدو من الآن وصاعدا " عملياتية " وفي الخارج.
وثمة سؤال يتردد بعد ذلك كله. من هو مائير داغان؟
في إسرائيل لا يختلف اثنان علي کون مائير داغان ثمرة طبيعية لأفكار أرييل شارون. وقد برز داغان، أولا وقبل كل شيء في قطاع غزة، عندما كان ارييل شارون قائدا للجبهة الجنوبية من مطلع السبعينيات. وقد أو كل شارون للرائد مائير داغان آنذاك مهمة تشكيل وحدة " مستعربين " وكانت الغاية الأولى لهذه الوحدة هي الوصول إلى الفدائيين الفلسطينيين آنذاك وتصفيتهم. وفي تلك الأثناء، تحدثت القصص الفلسطينية عن الوسائل الإجرامية التي انتهجها شارون وداغان. فالأول تولى مهمة هدم البيوت وتوسيع الشوارع على حساب المناطق السكنية من جهة، وإبعاد أهالي المطلوبين إلى " نخل " في سيناء من جهة ثانية، والثاني تولى ملاحقة الفدائيين وإعدامهم بعد التحقيق معهم ونال داغان على ذلك أوسمة الشجاعة في الجيش الإسرائيلي، وباتت قصصه تدرس ضمن " التراث القتالي " للوحدات العسكرية الخاصة. وتتحدث هذه القصص عن أن داغان القادم من روسيا كان يتستر بزي العرب ويذهب إلى البساتين والبيارات بصفة عامل بحثا عن الفدائيين الفلسطينيين. وكيف أنه قتل العديد منهم بعد أن كان ينزل من قارب على الشاطئ وكأنه قادم من معسكرات المقاومة الفلسطينية في لبنان أو سوريا. غير أن أفعال داغان في قطاع غزة كانت المرحلة الابتدائية في عمله الدموي. إذ انتقل مع مطلع الثمانينيات للعمل في الأراضي اللبنانية. أولا في نطاق الوحدة الاستخبارية 4
5 التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية، وبعدها في نطاق وحدة الارتباط المشرفة على قوات العملاء في الجنوب اللبناني. وفي تلك الآونة أشرف، بشكل واسع، على عمليات جمع المعلومات والتعاون مع أجهزة الأمن من الميليشيات العميلة. واشتهر بعدم تردده في ابتداع فكرة السيارات الملغومة في المناطق المأهولة. وتحت إمرته جرت الكثير من عمليات التصفية عبر أسلوب السيارات الملغومة. وحقق داغان في عمله هذا " نجاحات باهرة " دفعت الجيش الإسرائيلي إلى اعتباره واحدة من أهم الخبراء لديه في " محاربة الإرهاب". وتحت هذا العنوان جرى تعيينه لاحقا قائدا للقوات الإسرائيلية في الجنوب اللبناني المحتل. وقدم خلال عمله قائدا للقوات الإسرائيلية نماذج مختلفة من العمل ضد المقاومة اللبنانية. ولكنه اضطر في نهاية المطاف إلى إنهاء حياته العسكرية من دون تحقيق النجاح الذي كان يأمله لنظرياته العسكرية في " محاربة الإرهاب".
ولكن داغان لم ييأس. كما أن الحلبة الإسرائيلية التي أنتجت أسطورته لم تتردد في محاولات إنعاشها كلما رأت الفرصة مناسبة، وهكذا بعد اغتيال اسحق رابين عام 1995 أعلن خليفته شمعون بيريز عن تعيين داغان رئيسا للجنة مكافحة الإرهاب في ديوان رئاسة الحكومة.
وبقي في هذا المنصب تحت حكم بنيامين نتنياهو. وخلال تلك الفترة إعاد تكوين أفكاره السياسية وفق مناهج نظريته لمحاربة الإرهاب.
وهكذا نصب نفسه عدو لدودا لاتفاقيات أوسلو والسلطة الفلسطينية. وكان أول من دعا إلى استخدام أسلوب التصفيات الجسدية ضد نشطاء الانتفاضة وقياداتها. وكثيرا ما أعلن " أنني آخر من يرى أن التصفيات غير مجدية". وأعد خطة عبرت عن جميع أفكار وطموحات شارون، وتتلخص هذه الخطة بضرب السلطة الفلسطينية اقتصاديا واعتقال النشطاء. وهو الذي قدم النظريات حول " عدم قداسة المنطقة أ" وطالب باعتقال رئيس السلطة الفلسطينية، ولكن خطة دغان أشارت أيضا إلى طريقة التعامل مع الدول العربية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه عند تعيين داغان رئيسا للجنة مكافحة الإرهاب، اندفع معلق إسرائيلي للشؤون الأمنية في صحيفة "هارتس " إلى حد مطالبة الإسرائيليين بانتظار سماع دوي الانفجارات في المدن اللبنانية. وفعلا بعد وقت قصير من ذلك ألقيت قنابل باتجاه مواقع عسكرية وضد عمال سوريين في لبنان ..
ولكن اسم داغان لم يكف عن التردد في كل ما يتصل بلبنان. ففي الظروف التي يعيشها العملاء اللحديون في إسرائيل. وجدوا في دغان نصيرا لهم. وترأس مع ضباط آخرين لجنة للدفاع عن العملاء حيث قال: " إنني لا أفهم لماذا لا يحظى أناس عملوا من اجل إسرائيل ولقي المئات منهم مصرعهم وأصيب مئات آخرون بمعاملة مناسبة من جانبنا؟ ". ولكنه أيضا، وحسب مجلة "فورين ريبورت " الأمنية البريطانية، كان له دور في اغتيال الوزير اللبناني السابق ايلي حبيقة. وكتبت المجلة في عددها الصادر في أواخر كانون الثاني هذا العام أن المراقبين "لاحظوا بالتأكيد اختفاء الجنرال (احتياط) مائير داغان عن الأنظار في الشهور الثلاثة الأخيرة، حيث عاد فقط بعد يوم واحد من اغتيال حبيقة الغامض ". يبلغ مائير داغان الخامسة والخمسين من عمره. وقد أصيب في إحدى المعارك بشظية في ظهره. ودفعته هذه الإصابة إلى الاستقالة من الجيش عام 1990. وغالبا ما يمشي وهو يستند إلى عكازه. وفي ذروة حياته، کرئيس للموساد. من المؤكد أنه سيعمل على تحويل الموساد، أو الأدق. إعادته، ليغدو " سييرت ريمون " السبعينيات، والتي عرفها الإسرائيليون بأنها " كتيبة الإعدام" التابعة لشارون. هذا، وذكرت صحيفة "هارتس " في 2002
/ 9/ 12، انه إذا كانت مؤهلات ومكمن قوة افرايم هاليفي في رئاسته للموساد قد تمثلت في شبكة اتصالاته السرية مع رؤساء أجهزة الاستخبارات ورجال الدولة في مختلف أنحاء العالم، فمن المتوقع أن يركز خليفته الميجور جنرال مائير داغان، الذي قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي أربيل شارون تعيينه الثلاثاء (2002
/ 9/ 10) في أولوياته على أنشطة الموساد مثل العمليات الخاصة لجمع المعلومات وإحباط التهديدات الناجمة عن أسلحة الدمار الشامل والعنف العشوائي المستخدم من جانب الدول والحركات المعادية لإسرائيل ".
وأشارت الصحيفة (هآرتس) إلى أن علامتي استفهام تخيمان علي داغان وهو في طريقه لاعتلاء قمة الموساد أولاهما ارتباطاته الحزبية حيث أنه يصنف صراحة على أنه ليكودي وقد ساهم في الانتخابات الأخيرة في فوز شارون على منافسه رئيس الوزراء السابق إيهود باراك.
أما علامة الاستفهام الثانية التي يثيرها تعيين مائير داغان هي الغموض الذي أحاط بنشاطه في غزة ولبنان حيث شارك داغان في بعض العمليات المثيرة للجدل، لكنه تصرف بالطبع بموافقة قادته ...
ورأت الصحيفة أن داغان قد لا يكون أفضل رؤساء الموساد في هذه الفترة الراهنة من تاريخ إسرائيل. لكن شارون لم يجد من هو أفضل منه، ومن هنا يجب تقييمه من منطلق قدرته على تكييف الموساد للتحديات التي يفرضها القرن الحادي والعشرون. " ... ويبقى داغان في النهاية صديق شارون ورجل سره ويده اليمنى منذ سنوات طويلة.
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
3 أبريل 2024
تعليقات (0)