المنشورات
في المقاطع والمطالع
اختلف أهل المعرفة في المقاطع والمطالع: فقال بعضهم: هي الفصول والوصول بعينها، فالمقاطع: أواخر الفصول، والمطالع: أوائل الوصول، وهذا القول هو الظاهر من فحوى الكلام، والفصل: آخر جزء من القسيم الأول كما قدمت، وهي العروض أيضاً، والوصل: أول جزء يليه من القسيم الثاني.
وقال غيرهم:
المقاطع: منقطع الأبيات، وهي القوافي، والمطالع: أوائل الأبيات وقال قدامة بن جعفر في بعض تآليفه وقد ذكر الترصيع: هو أن يتوخى تصيير مقاطع الأجزاء في البيت على سجع، أو شبيه به، أو من جنس واحد في التصريف، فأشار بهذه العبارة إلى أن المقاطع أواخر أجزاء البيت كما ترى.. وقد نجد من الشعر المرصع ما يكون سجعه في غير مقاطع الأجزاء، نحو قول أم معدان الأعرابية في مرثية لها:
فعل الجميل وتفريج الجليل وإع ... طاء الجزيل الذي لم يعطه أحد
فالسجع في هذا البيت اللام المطردة في ثلاثة أمكنة منه، وآخر الأجزاء التي هي المقاطع على شريطة الياء التي قبل اللام، اللهم إلا أن يجعل السجع هو الياء الملتزمة فحينئذ، على أنا لا نعلم حرف السجع يكون إلا متأخراً في مثل هذا المكان، ومثل هذا في أنواع الأعاريض كثير.
ومن الناس من يزعم أن المطلع والمقطع أول القصيدة وآخرها، وليس ذلك بشيء؛ لأنا نجد في كلام جهابذة النقاد إذا وصفوا قصيدة قالوا: حسنة المقاطع، جيدة المطالع، ولا يقولون المقطع والمطلع، وفي هذا دليل واضح؛ لأن القصيدة إنما لها أول واحد، وآخر واحد، ولا يكون لها أوائل وأواخر، إلا على ما قدمت من ذكر الأبيات والأقسمة وانتهائها.
وسألت الشيخ أبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن السمين عن هذا، فقال: المقاطع أواخر الأبيات، والمطالع أوائلها، قال: ومعنى قولهم حسن المقاطع جيد المطالع أن يكون مقطع البيت وهو القافية متمكناً غير قلق ولا متعلق بغيره، فهذا هو حسنه، والمطلع وهو أول البيت جودته أن يكون دالاً على ما بعده كالتصدير وما شاكله.
وروى الجاحظ أن شبيب بن شيبة كان يقول: الناس موكلون بتفضيل جودة الابتداء وبمدح صاحبه، وأنا موكل بتفضيل جودة المقطع وبمدح صاحبه، وحظ جودة القافية وإن كانت كلمة واحدة أرفع من حظ سائر البيت أو القصيدة، وحكاية الجاحظ هذه تدل على أن المقطع آخر البيت أو القصيدة، وهو بالبيت أليق؛ لذكر حظ القافية.
وحكى أيضاً عن صديق له أنه قال للعتابي: ما البلاغة؟ فقال: كل كلام أفهمك صاحبه حاجته من غير إعادة ولا حبسة ولا استعانة فهو بليغ، قال: قلت: قد عرفت الإعادة والحبسة، وما الاستعانة؟ قال: أما تراه إذا تحدث قال عند مقاطع كلامه: يا هناه اسمع مني، واستمع إلي، وافهم، وألست تفهم؟ هذا كله عي وفساد.
قال صاحب الكتاب: وهذا القول من العتابي يدل على أن المقاطع أواخر الفصول. ومثله ما حكاه الجاحظ أيضاً عن المأمون أنه قال لسعيد بن سلم: والله إنك لتصغي لحديثي، وتقف عند مقاطع كلامي. وإذا جعل المقطع والمطلع مصدرين بمعنى القطع والطلوع كانت الطاء واللام مفتوحتين، وإذا أريد موضع القطع والطلوع كسرت اللام خاصة، وهو مسموع على غير قياس.
مصادر و المراجع :
١- العمدة في محاسن الشعر
وآدابه
المؤلف: أبو على
الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي (المتوفى: 463 هـ)
المحقق: محمد
محيي الدين عبد الحميد
الناشر: دار
الجيل
الطبعة: الخامسة،
1401 هـ - 1981 م
5 أبريل 2024
تعليقات (0)