المنشورات
المبدأ والخروج والنهاية
قيل لبعض الحذاق بصناعة الشعر: لقد طار اسمك واشتهر، فقال: لأنني أقللت الحز، وطبقت المفصل، وأصبت مقاتل الكلام، وقرطست نكت الأغراض بحسن الفواتح والخواتم ولطف الخروج إلى المدح والهجاء، وقد صدق، لأن حسن الافتتاح داعية الانشراح، ومطية النجاح، ولطافة الخروج إلى المديح، سبب ارتياح الممدوح، وخاتمة الكلام أبقى في السمع، وألصق بالنفس؛ لقرب العهد بها؛ فإن حسنت حسن، وإن قبحت قبح، والأعمال بخواتيمها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد، فإن الشعر قفل أوله مفتاحه، وينبغي للشاعر أن يجود ابتداء شعره؛ فإنه أول ما يقرع السمع، وبه يستدل على ما عنده من أول وهلة، وليجتنب " ألا " و " خليلي " و " قد " فلا يستكثر منها في ابتدائه؛ فإنها من علامات الضعف والتكلان، إلا للقدماء الذين جروا على عرق، وعملوا على شاكلة، وليجعله حلواً سهلاً، وفخماً جزلاً، فقد اختار الناس كثيراً من الابتداءات أذكر منها ههنا ما أمكن ليستدل به، نحو قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل.
وهو عندهم أفضل ابتداء صنعه شاعر؛ لأنه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل في مصراع واحد، وقوله:
ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي.
ومثله قول القطامي واسمه عمير بن شييم التغلبي:
إنا محيوك فاسلم أيها الطلل.
وكقول النابغة:
كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
وقوله:
كتمتك ليلاً بالجمومين ساهراً ... وهمين هماً مستكناً وظاهراً
وهذا بعض ما اختير للقدماء.. ومما اختير لهم في الرثاء قول أوس بن حجر:
أيتها النفس أجملي جزعا ... إن الذي تحذرين قد وقعا
ومما اختير للمحدثين قول بشار بن برد:
أبي طلل بالجزع أن يتكلما.
وهو عندهم أفضل ابتداء صنعه محدث، وقول أبي نواس:
لمن دمن تزداد طيب نسيم ... على طول ما أقوت وحسن رسوم
وقوله:
رسم الكرى بين الجفون محيل ... عفى عليه بكى عليك طويل
وقوله:
أعطتك ريحانها العقار ... وحان من ليلنا انسفار
وقوله:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراءٌ ... وداوني بالتي كانت هي الداء
وما أشبه ذلك مما لو تقصيته لطال وكثر..
وليرغب عن التعقيد في الابتداء؛ فإنه أول العي، ودليل الفهة، فقد حكى أن دعبل بن علي الخزاعي ورد حمص فقصد دار عبد السلام بن رغبان ديك الجن، فكتم نفسه عنه خوفاً من قوارصه ومشارته، فقال: ما له يستتر وهو أشعر الجن والإنس؟ أليس هو الذي يقول؟:
بها غير معذول فداو خمارها ... وصل بعشيات الغبوق ابتكارها
ونل من عظيم الردف كل عظيمة ... إذا ذكرت خاف الحفيظان نارها
فظهر إليه، واعتذر له، وأحسن نزله، ثم تناشدا فأنشد ديك الجن ابتداء قصيدة:
كأنها ما كأنه خلل ال ... خلة وقف الهلوك إذ بغما
فقال له دعبل: أمسك، فوالله ما ظننتك تتم البيت إلا وقد غشي عليك، أو تشكيت فكيك، ولكأنك في جهنم تخاطب الزبانية، أو قد تخبطك الشيطان من المس، وإنما أراد الديك أن يهول عليه، ويقرع سمعه، عسى أن يروعه ويردعه، فسمع منه ما كره أن يسمعه، ولعمري ما ظلمه دعبل، ولقد أبعد مسافة الكلام، وخالف العادة، وهذا بيت قبيح من جهات: منها إضمار ما لم يذكر قبل، ولا جرت العادة بمثله فيعذر، ولا كثر استعماله فيشتهر، مع إحالة تشبيه على تشبيه، وثقل تجانسه الذي هو حشو فارغ، ولو طرح من البيت لكان أحزم، واستدعى قافيته لا لشيء إلا لفساد المعنى واستحالة التشبيه، ما الذي يريد ب " بغامه " في تشبيهه الوقف وهو السوار ولم كان وقف الهلوك خاصة؟ ومعنى البيت أن عشيقته كأنها في جيدها وعينها الغزال الذي كأنه بين نبات الخلة سوار الجارية الحسنة المشي المتهالكة فيه وقيل: الهلوك البغي الفاجرة فما هذا كله؟ وأي شيء تحته؟ ومثله قول محمد بن عبد الملك الزيات يصف ناقته أول قصيدة مدح بها الحسن بن سهل:
كأنها حين تناءى خطوها ... أخنس مطوى الشوى يرعى القلل
فالعيب الأول في مخالفة العادة لازم له، ومع ذلك قوله " حين تناءى خطوها " مقصر بها، وهو يقدر أن يقول " حين تدانى خطوها " وخالف جميع الشعراء بذلك؛ لأنهم إنما يصفون الناقة بالظليم والحمار والثور بعد الكلال غلواً في الوصف ومبالغة، هذا هو الجيد، فإن لم يفعلوا لم يذكروا أنها بذلت جهدها، واستفرغت جميع ما عندها، بل يدعون التأويل محتملاً للزيادة، ثم قال " يرعى القلل " والثور لا يرعى قلل الجبال، وإنما ذلك الوعل؛ فإنه لا يسهل، والثور في السهول والدماث ومواضع الرمال، إلا أن يريد قلل النبات أي أعاليه، فربما أن تكون القلل نبتاً بعينه أو مكاناً فقد يمكن، وما سمعت بهما.
ومن الشعراء من يقطع المصراع الثاني من الأول إذا ابتدأ شعراً، وأكثر ما يقع ذلك في النسيب، كأنه يدل بذلك على وله وشدة حال، كقول أبي الطيب:
جللاً كما بي فليك التبريح ... أغذاء ذا الرشا الأغن الشيح؟
فهذا اعتذار من اعتذر له، ولو وقع مثل هذا في الرثاء والتفجع لكان موضعه أيضاً، وكذلك عند العظائم من الأمور والنوازل الشديدة.
وليحترس مما تناله فيه بادرة، أو يقع عليه مطعن؛ فإن أبا تمام امتدح أبا دلف بحضرة من كان يكرهه، فافتتح ينشد قصيدته المشهورة: على مثلها من أربع وملاعب وكانت فيه حبسة شديدة فقال الرجل: " لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " فدهش أبو تمام حتى تبين ذلك عليه، على أنه غير مأخوذ بما قيل، ولا هو مما يدخل عليه عيباً، ولا يلزمه ذنباً على الحقيقة، إلا أن الحوطة والتحفظ من خجلة البادرة أفضل وأهيب، والتفريط أرذل وأخذل.
ودخل جرير على عبد الملك بن مروان فابتدأ ينشده: أتصحو أم فؤادك غير صاحٍ فقال له عبد الملك: " بل فؤادك يا بن الفاعلة " كأنه استثقل هذه المواجهة وإلا فقد علم أن الشاعر إنما خاطب نفسه.
ومن هذه الجهة بعينها عابوا على أبي الطيب قوله لكافور أول لقائه مبتدئاً، وإن كان إنما يخاطب نفسه لا كافوراً:
كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً ... وحسب المنايا أن يكن أمانيا
فالعيب من باب التأدب للملوك، وحسن السياسة لازم لأبي الطيب في هذا الابتداء، لا سيما وهذا النوع أعني جودة الابتداء من أجل محاسن أبي الطيب، وأشرف مآثر شعره إذا ذكر الشعر.
ودخل ذو الرمة على عبد الملك بن مروان، فاستنشده شيئاً من شعره، فأنشده قصيدته: ما بال عينك منها الماء ينسكب وكانت بعين عبد الملك ريشة وهي تدمع أبداً، فتوهم أنه خاطبه أو عرض به، فقال: وما سؤالك عن هذا يا جاهل؟!! فمقته وأمر بإخراجه.
وكذلك فعل ابنه هشام بأبي النجم وقد أنشده في أرجوزة:
والشمس قد كادت ولما تفعل ... كأنها في الأفق عين الأحول
وكان هشام أحول، فأمر به فحجب عنه مدة، وقد كان قبل ذلك من خاصته: يسمر عنده، ويمازحه.
وإنما يؤتى الشاعر في هذه الأشياء؛ إما من غفلة في الطبع وغلظ، أو من استغراق في الصنعة وشغل هاجس بالعمل يذهب مع حسن القول أين ذهب.
والفطن الحاذق يختار للأوقات ما يشاكلها، وينظر في أحوال المخاطبين؛ فيقصد محابهم، ويميل إلى شهواتهم وإن خالفت شهوته، ويتفقد ما يكرهون سماعه فيجتنب ذكره.. ألا ترى أن بعض الملوك قال لأحد الشعراء وقد أورد بيتاً ذكر فيه: " لو خلد أحد بكرم لكنت مخلداً بكرمك " وقال كلاما نحو هذا، فقال الملك: إن الموت حق، وإن لنا منه نصيباً، غير أن الملوك تكره ذكر ما ينكد عيشها، وينغص لذتها، فلا تأتنا بشيء مما نكره ذكره..
ومن المشهور أن النعمان بن المنذر رأى شجرة ظليلة ملتفة الأغصان، في مرج حسن كثير الشقائق، وكان معجباً بها، وإليه أضيفت " شقائق النعمان " فنزل وأمر بالطعام والشراب فأحضر، وجلس للذته، فقال له عدي بن زيد العبادي وكان كاتبه: أتعرف أبيت اللعن ما تقول هذه الشجرة؟ فقال: وما تقول؟ قال: تقول:
رب ركب قد أناخوا حولنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال
عطف الدهر عليهم فتووا ... وكذاك الدهر حال بعد حال
من رآنا فليوطن نفسه ... إنما الدنيا على قرب زوال
كأنه قصد موعظته، فتنغص عليه ما كان فيه، وأمر بالطعام والشراب فرفعا من بين يديه، وارتحل من فوره، ولم ينتفع بنفسه بقية يومه وليلته، وكانا جميعاً نصرانيين؛ فهذا شأن الملوك قديماً وحديثاً.
ومن هذه الجهة أكثر الناس من الدعاء لهم بطول العمر، حتى بلغوا بهم ما لا يمكن، فقالوا: عش أبداً، واسلم مدى الدهر، وابق بقاء الزمان، ودم مدة الأيام.
واعترض النقاد في ذلك واختلفوا بحسب ما ينتحل كل واحد منهم في قول أبي نواس للأمين:
يا أمين الله عش أبدأ ... دم على الأيام والزمن
أنت تبقى والفناء لنا ... فإذا أفنيتنا فكن
وفي كثير من مثله. وإذا خرج الكلام عن حد الإمكان فإنما يراد به بلوغ الغاية لا غير ذلك. ومن قبيح ما وقع لأبي نواس الذي أساء فيه أدبه، وخالف فيه مذهبه؛ أن بعض بني برمك بنى داراً استفرغ فيها مجهوده، وانتقل اليها، فصنع أبو نواس في ذلك الحين أو قريباً منه قصيدة يمدحه بها يقول أولها:
أربع البلى، إن الخشوع لباد ... عليك، وإني لم أخنك ودادي
وختمها أو كاد بقوله:
سلام على الدنيا إذا ما فقدتم ... بني برمك من رائحين وغادي
فتطير منها البرمكي، واشمأز حتى كلح وظهرت الوجمة عليه، ثم قال: نعيت إلينا أنفسنا يا أبا نواس، فما كانت إلا مديدة حتى أوقع بهم الرشيد وصحت الطيرة.. وزعم قوم أن أبا نواس قصد التشاؤم لهم لشيء كان في نفسه من جعفر، ولا أظن ذلك صحيحاً؛ لأن القصيدة من جيد شعره الذي لا أشك أنه يحتفل له، اللهم إلا أن يصنع ذلك حيلة منه، وستراً على ما قصد إليه بذلك.
وللشعراء مذاهب في افتتاح القصائد بالنسيب؛ لما فيه من عطف القلوب، واستدعاء القبول بحسب ما في الطباع من حب الغزل، والميل إلى اللهو والنساء، وإن ذلك استدراج إلى ما بعده.
ومقاصد الناس تختلف: فطريق أهل البادية ذكر الرحيل والانتقال، وتوقع البين، والإشفاق منه، وصفة الطلول والحمول، والتشوق بحنين الإبل ولمع البروق ومر النسيم، وذكر المياه التي يلتقون عليها والرياض التي يحلون بها من خزامى، وأقحوان، وبهار، وحنوة، وظيان، وعرار، وما أشبهها من زهر البرية الذي تعرفه العرب. وتنبته الصحاري والجبال وما يلوح لهم من النيران في الناحية التي بها أحبابهم، ولا يعدون النساء إذا تغزلوا ونسبوا، فإذا وقع مثل قول طرفة:
وفي الحي أحوى ينفض المردشادن ... مظاهر سمطى لؤلؤ وزبرجد
فإنما هو كناية بالغزل عن المرأة.
وأهل الحاضرة يأتي أكثر تغزلهم في ذكر الصدود، والهجران، والواشين، والرقباء، ومنعة الحرس والأبواب، وفي ذكر الشراب والندامى، والورد والنسرين والنيلوفر، وما شاكل ذلك من النواوير البلدية، والرياحين البستانية، وفي تشبيه التفاح والتحية به، ودس الكتب، وما شاكل ذلك مما هم به منفردون.. وقد ذكروا الغلمان تصريحاً، ويذكرون النساء أيضاً: منهم من سلك في ذلك مسلك الشعراء اقتداء بهم، واتباعاً لما ألفته طباع الناس معهم، كما يذكر أحدهم الإبل، ويصف المفاوز على العادة المعتادة، ولعله لم يركب جملاً قط، ولا رأى ما وراء الجبانة، ومنهم من يكون قوله في النساء اعتقاداً منه، وإن ذكر فجرياً على عادة المحدثين وسلوكاً لطريقتهم؛ لئلا يخرج عن سلك أصحابه، ويدخل في غير سلكه وبابه، أو كناية بالشخص عن الشخص لرقته، أو حب رشاقته.. وهذا مما لا يطلب عليه شاهد لكثرته، إلا أني أتلمح في هذا المكان بقول أبي نواس:
علي عين وأذن من مذكرة ... موصولة بهوى اللوطي والغزل
كلاهما نحوها سام بهمته ... على اختلافهما في موضع العمل
والعادة أن يذكر الشاعر ما قطع من المفاوز، وما أنضى من الركاب، وما تجشم من هول الليل وسهره، وطول النهار وهجيره، وقلة الماء وغؤوره، ثم يخرج إلى مدح المقصود؛ ليوجب عليه حق القصد، وذمام القاصد، ويستحق منه المكافأة.
وكانوا قديماً أصحاب خيام: ينتقلون من موضع إلى آخر؛ فلذلك أول ما تبدأ أشعارهم بذكر الديار، فتلك ديارهم، وليست كأبنية الحاضرة؛ فلا معنى لذكر الحضري الديار إلا مجازاً؛ لأن الحاضرة لا تنسفها الرياح، ولا يمحوها المطر، إلا أن يكون ذلك بعد زمان طويل لا يمكن أن يعيشه أحد من أهل الجيل، وأحسب ما استعمله المولدون المحدثون ما ناسب قول علي بن العباس الرومي:
سقى الله قصراً بالرصافة شاقني ... بأعلاه قصري الدلال رصافي
أشار بقنيان من الدر قمعت ... يواقيت حمراً فاستباح عفافي
وكانت دوابهم الإبل لكثرتها، وعدم غيرها، ولصبرها على التعب وقلة الماء والعلف فلهذا أيضاً حضوها بالذكر دون غيرها ولم يكن أحدهم يرضى بالكذب فيصف ما ليس عنده كما يفعل المحدثون؛ ألا ترى أن امرأ القيس لما كان ملكاً كيف ذكر خيل البريد والفرانق يعني البريد على أنه لم يستغن عن ذكر الإبل للعادة التي جرت على ألسنتهم، فقال يصف رحيله إلى قيصر ملك الروم:
إذا قلت روحنا أرن فرانق ... على جلعد واهي الأباجل أبترا
على كل مقصوص الذنابي معاود ... بريد السري بالليل من خيل بربرا
إذا زعته من جانبيه كليهما ... مشى الهيدبي في دفه ثم فرفرا
أقب كسرحان الغضا متمطر ... ترى الماء من أعطافه قد تحدرا
وكانت الخيل البربرية تهلب أذنابها كالبغال؛ لتدخل مداخلها في خدمة البريد، وليعلم أنها للملك. وقال الفرزدق:
راحت بمسلمة البغال عشية ... فأرعى فزارة لا هناك المرتع
لما كان الذي راحت به البغال أميراً يذكر رحيله وقد عزل.
وقال ابن ميادة في ابن هبيرة لما كان أميراً أيضاً:
جاءت به معتجراً ببرده ... سفواء تردى بنسيج وحده
تقدح قيس كلها بزنده
إلا أن منهم من خالف هذا كله فوصف أنه قصد الممدوح راجلاً: إما إخباراً بالصدق، وإما تعاطي صعلكة ورجلة..
قال أبو نواس للفضل بن يحيى بن خالد:
إليك أبا العباس من بين من مشى ... عليها امتطينا الحضرمي الملسنا
قلائص لم تعرف حنيناً على طلاً ... ولم تدر ما قرع الفنيق ولا الهنا
فذكر أن قلائصهم التي امتطوها إليه نعالهم، فأخرجه كما ترى مخرج اللغز، وأتبعه أبو الطيب فقال:
لا ناقتي تحمل الرديف، ولا ... بالسوط يوم الرهان أجهدها
شراكها كورها، ومثفرها ... زمامها، والشسوع مقودها
وقال كرة أخرى في مثل ذلك يتشكى:
وحبيت من خوص الركاب بأسود ... من دارش فغدوت أمشي راكبا
وقال أيضاً يتصعلك ويتفقر:
ومهمه جبته على قدمي ... تعجز عنه العرامس الذلل
بصارمي مرتد، بمخبرتي ... مجتزئ؛ بالظلام مشتمل
ولو شاء قائل أن يقول: إن أبا نواس لم يرد ما ذهب إليه أبو الطيب، لكن أراد أنه معه في بلدة واحدة قصده في حاجته محتذياً نعليه؛ لكان ذلك أظهر وجهاً، ما لم يكن الحضرمي من الجلود مخصوصاً به المسافر دون الحاضر، وظاهر الكلام أن مقصد الشاعرين واحد.
وقد ذكر أبو الطيب الخيل أيضاً في كثير من شعره، وكان يؤثرها على الإبل؛ لما يقوم في نفسه من التهيب بذكر الخيل، وتعاطي الشجاعة، فقال يذكر قدومه إلى مصر على خوف من سيف الدولة:
ويوم كليل العاشقين كمنته ... أراقب فيه الشمس أيان تغرب
وعيني إلى أذني أغر كأنه ... من الليل باق بين عينيه كوكب
له فضلة عن جسمه في إهابه ... تجيء على صدر رحيب وتذهب
شققت به الظلماء أدني عنانه ... فيطغى، وأرخيه مراراً فيلعب
وأصرع أي الوحش قفيته به ... وأنزل عنه مثل حين أركب
وما الخيل إلا كالصديق قليلة ... وإن كثرت في عين من لا يجرب
إذا لم تشاهد غير حسن شياتها ... وأعضاءها فالحسن عنك مغيب
وليس في زماننا هذا ولا من شرط بلدنا خاصة شيء من هذا كله، إلا ما لا يعد قلة؛ فالواجب اجتنابه، إلا ما كان حقيقة، لا سيما إذا كان المادح من سكان بلد الممدوح: يراه في أكثر أوقاته، فما أقبح ذكر الناقة والفلاة حينئذ!.
وقد قلت أنا وإن لم أدخل في جملة من تقدم، ولا بلغت خطته من قصيدة اعتذرت بها إلى مولانا خلد الله أيامه من طول غيبة غبتها عن الديوان:
إليك يخاض البحر فعماً كأنه ... بأمواجه جيش إلى البر زاحف
ويبعث خلف النجح كل منيفة ... تريك يداها كيف تطوى التنائف
من الموجفات اللاء يقذفن بالحصى ... ويرمى بهن المهمه المتقاذف
يطير اللغام الجعد عنها كأنه ... من القطن أو ثلج الشتاء ندائف
وقد نازعت فضل الزمام ابن نكبة ... هو السيف لا ما أخلصته المشارف
فكيف تراني لو أعنت على الغنى ... بجد، وإني للغنى لمشارف
وقد قرب الله المسافة بيننا ... وأنجزني الوعد الزمان المساوف
ولولا شقائي لم أغب عنك ساعة ... ولا رام صرفي عن جنابك صارف
ولكنني أخطأت رشدي فلم أصب ... وقد يخطئ الرشد الفتى وهو عارف
فذكرت قرب المسافة بيني وبينه حوطة وإخباراً أن خوض البحر وجوب الفلاة من صفة غيري من القصاد والغرباء والمنتجعين من الأمصار.
ومن قصيدة صنعتها بديهة بالمهدية ساعة وصول إليه أدام الله عزه عن اقتراح بعض شعراء وقتنا هذا:
وذيال له رجل طحون ... لما نزلت به، ويد زجوج
يطير بأربع لا عيب فيها ... لظهران الصفا منها عجيج
خرجت به عن الأوهام سبقا ... وقل له عن الوهم الخروج
إلى الملك المعز أبي تميم ... أمر بمن سواه فلا أعيج
ومن أخرى في معنى التفقر والرحلة:
وماء بعيد الغور كالنجم في الدجى ... وردت طروقاً أو وردت مهجرا
على قدم أخت الجناح وأخمص ... يخال حصى المعزاء جمراً مسعرا
فريداً من الأصحاب صلتاً من الكسا ... كما أسلم الغمد الحسام المذكرا
ومن الشعراء من لا يجعل لكلامه بسطاً من النسيب، بل يهجم على ما يريده مكافحة، ويتناوله مصافحة، وذلك عندهم هو: الوثب، والبتر، والقطع، والكسع، والاقتضاب، كل ذلك يقال.. والقصيدة إذا كانت على تلك الحال بتراء كالخطبة البتراء والقطعاء، وهي التي لا يبتدئ فيها بحمد الله عز وجل على عادتهم في الخطب. قال أبو الطيب:
إذا كان مدح فالنسيب المقدم ... أكل فصيح قال شعراً متيم؟
فأنكر النسيب، وزعموا أن أول من فتح هذا الباب وفتق هذا المعنى أبو نواس بقوله:
لا تبك ليلى، ولا تطرب إلى هند ... واشرب على الورد من حمراء كالورد
وقوله وهو عند الحاتمي فيما روى عن بعض أشياخه أفضل ابتداء صنعه شاعر من القدماء والمحدثين:
صفة الطلول بلاغة القدم ... فاجعل صفاتك لابنة الكرم
ولما سجنه الخليفة على اشتهاره بالخمر، وأخذ عليه أن لا يذكرها في شعره قال:
أعر شعرك الأطلال والمنزل القفرا ... فقد طالما أزرى به نعتك الخمرا
دعاني إلى نعت الطلول مسلط ... تضيق ذراعي أن أرد له أمرا
فسمعاً أمير المؤمنين وطاعة ... وإن كنت قد جشمتني مركباً وعرا
فجاهر بأن وصفه الأطلال والقفر إنما هو من خشية الإمام، وإلا فهو عنده فراغ وجهل، وكان شعوبي اللسان، فما أدري ما وراء ذلك، وإن في اللسان وكثرة ولعه بالشيء لشاهداً عدلاً لا ترد شهادته. وقد قال أبو تمام:
لسان المرء من خدم الفؤاد.
ومن عيوب هذا الباب أن يكون النسيب كثيراً والمدح قليلاً، كما يصنع بعض أهل زماننا هذا، وسنبين وجه الحكم والصواب من هذا في باب المدح إن شاء الله تعالى.
ومن الشعراء من لا يجيد الابتداء، ولا يتكلف له، ثم يجيد باقي القصيدة وأكثرهم فعلاً لذلك البحتري: كان يصنع الابتداء سهلاً، ويأتي به عفواً، وكلما تمادى قوي كلامه، وله من جيد الابتداء كثير؛ لكثرة شعره، والغالب عليه ما قدمت، غير أن القاضي الجرجاني فضله بجودة الاستهلال وهو الابتداء على أبي تمام وأبي الطيب، وفضلهما عليه بالخروج والخاتمة، ولست أرى لذلك وجهاً، إلا كثرة شعره كما قدمت؛ فإنه لو حاسبهما ابتداء جيداً بابتداء مالأربى عليهما وقصرا عن عذره.. فأما الحاتمي فإنه يغض من أبي عبادة غضاً شديداً، ويجور عليه جوراً بيناً لا يقبل منه ولا يسلم إليه.
وكان أبو تمام فخم الابتداء، له روعة، وعليه أبهة، كقوله:
الحق أبلج والسيوف عوار ... فحذار من أسد العرين حذار
وقوله:
السيف أصدق إنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب
وقوله:
أصغى إلى البين مغتراً فلا جرما
وقوله:
يا ربع لو ربعوا على ابن هموم
والغالب عليه نحت اللفظ، وجهارة الابتداء..
وكان أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي يفضل ابتداءات البحتري جداً، وهو الذي وضع كتاب الموازنة والترجيح بين الطائيين، ونوه فيه بالبحتري أعظم تنويه.. ومن جيد ابتداءاته قوله:
عارضننا أصلاً فقلنا الربرب ... حتى أضاء الأقحوان الأشنب
وقوله:
ما على الركب من وقوف الركاب ... في مغاني الصبا ورسم التصابي؟؟
وقوله:
ضمان على عينيك أني لا أسلو
وقوله:
ترى عنده علم بشجوى وأدمعي ... وأني متى أسمع بذكراه أجزع؟
وأما الخروج فهو عندهم شبيه بالاستطراد، وليس به؛ لأن الخروج إنما هو أن تخرج من نسيب إلى مدح أو غيره بلطف تحيل، ثم تتمادى فيما خرجت إليه كقول حبيب في المدح:
صب الفراق علينا، صب من كثب ... عليه إسحاق يوم الروع منتقما
سيف الإمام الذي سمته هيبته ... لما تخرم أهل الأرض مخترما
ثم تمادى في المدح إلى آخر القصيدة.
وكقول أبي عبادة البحتري:
سيقت رباك بكل نوء عاجل ... من وبله حقاً لها معلوما
ولو أنني أعطيت فيهن المنى ... لقيتهن بكف إبراهيما
وأكثر الناس استعمالاً لهذا الفن أبو الطيب؛ فإنه ما يكاد يفلت له، ولا يشذ عنه، حتى ربما قبح سقوطه فيه، نحو قوله:
ها فانظري أو فظني بي تري حرقاً ... من لم يذق طرفاً منها فقد وألا
عل الأمير يرى ذلي فيشفع لي ... إلى التي تركتني في الهوى مثلا
فقد تمنى أن يكون له الأمير قواداً، وليس هذا من قول أبي نواس:
سأشكو إلى الفضل بن يحيى بن خالد ... هوانا؛ لعل الفضل يجمع بيننا
في شيء؛ لأن أبا نواس قال " يجمع بيننا " ثم اتبع ذلك ذكر المال والسخاء به، فقال:
أمير رأيت المال في نعمائه ... مهيناً ذليل النفس بالضيم موقنا
فكأنه أشار إلى أن جمعه بينهما بالمال خاصة: يفضل عليه، ويجزل عطيته، فيتزوجها أو يتسرى بها، وأبو الطيب قال: " يشفع " والشفاعة رغبة وسؤال، ثم أتبع بيته بما هو مقو لمعناه في القيادة فقال:
أيقنت أن سعيداً طالب بدمي ... لما بصرت به بالرمح معتقلا
فدل على أنه يشفع، فإن أجيب إلى مساعدة أبي الطيب فذاك، وإلا رجع إلى القهر..
والذي يشاكل قول أبي نواس قوله:
أحب التي في البدر منها مشابه ... وأشكو إلى من لا يصاب له شكل
فلفظة الشكوى تحمل عنه كما حملن عن أبي نواس ومما سقط فيه وإن كان مليح المظهر قوله يخاطب امرأة نسب بها:
لو أن فناخسر صبحكم ... وبرزت وحدك عاقه الغزل
وتفرقت عنه كتائبه ... إن الملاح خوادع قتل
ما كنت فاعلة وضيفكم ... ملك الملوك وشأنك البخل
أتمنعين قرى فتفتضحي ... أم تبذلين له الذي يسل
بل لا يحل بحيث حل به ... بخل ولا جور ولا وجل
فحتم على فناخسرو بأن الغزل يعوقه، ولأن كتائبه تتفرق عنه، وجعله يسأل هذه المرأة، وتشكك هل تمنعه أم تبذل له، ثم أوجب أن البخل لا يحل بحيث حل؛ فأوقعه تحت الزنى أو قارب ذلك، ولعل هذا كان اقتراحاً من فناخسرو؛ وإلا فما يجب أن يقابل من هو ملك الملوك بمثل هذا، وما أسرع ما انحط أبو الطيب: بينا هو يسأل الأمير أن يشفع له إلى عشيقته صار يشفع للأمير عندها..
والاستطراد: أن يبني الشاعر كلاماً كثيراً على لفظة من غير ذلك النوع، يقطع عليها الكلام، وهي مراده دون جميع ما تقدم، ويعود إلى كلامه الأول، وكأنما عثر بتلك اللفظة عن غير قصد ولا اعتقاد نية، وجل ما يأتي تشبيهاً، وسيرد عليك في بابه مبيناً إن شاء الله تعالى..
ومن الناس من يسمي الخروج تخلصاً وتوسلاً، وينشدون أبياتاً منها:
إذا ما اتقى الله الفتى وأطاعه ... فليس به بأس ولو كان من جرم
ولو أن جرماً أطعموا شحم جفرة ... لبانوا بطاناً يضرطون من الشحم
وأولى الشعر أن يسمى تخلصاً ما تخلص فيه الشاعر من معنى إلى معنى، ثم عاد إلى الأول وأخذ في غيره. ثم رجع إلى ما كان فيه. كقول النابغة الذبياني آخر قصيدة اعتذر بها إلى النعمان بن المنذر:
وكفكفت مني عبرة فرددتها ... إلى النحر منها مستهل ودامع
على حين عاتبت المشيب على الصبا ... وقلت ألما أصح والشيب وازع؟!!
ثم تخلص إلى الاعتذار فقال:
ولكن هما دون ذلك شاغل ... مكان الشغاف تبتغيه الأصابع
وعيد أبي قابوس في غير كنهه ... أتاني ودوني راكس فالضواجع
ثم وصف حاله عندما سمع من ذلك فقال:
فبت كأني ساورتني ضئيلة ... من الرقش في أنيابها السم ناقع
يسهد في ليل التمام سليمها ... لحلي النساء في يديه قعاقع
تناذرها الراقون من سوء سمها ... تطلقه طوراً، وطوراً تراجع
فوصف الحية والسليم الذي شبه به نفسه ما شاء، ثم تخلص إلى الاعتذار الذي كان فيه فقال:
أتاني أبيت اللعن أنك لمتني ... وتلك التي تستك منها المسامع
ويروى وخبرت خير الناس أنك لمتني ثم اطرد له ما شاء من تخلص إلى تخلص، حتى انقضت القصيدة وهو مع ما أشرت إليه غير خاف إن شاء الله تعالى.
وقد يقع من هذا النوع شيء يعترض في وسط النسيب من مدح من يريد الشاعر مدحه بتلك القصيدة، ثم يعود بعد ذلك إلى ما كان فيه من النسيب، ثم يرجع إلى المدح، كما فعل أبو تمام وإن أتى بمدحه الذي تمادى فيه منقطعاً، وذلك قوله في وسط النسيب من قصيدة له مشهورة:
ظلمتك ظالمة البريء ظلوم ... والظلم من ذي قدرة مذموم
زعمت هواك عفا الغداة كما عفت ... منها طلول باللوى ورسوم
لا، والذي هو عالم أن النوى ... أجل وأن أبا الحسين كريم
ما زلت عن سنن الوداد ولا غدت ... نفسي على ألف سواك تحوم
ثم قال بعد ذلك:
لمحمد بن الهيثم بن شبابة ... مجد إلى جنب السماك مقيم
ويسمى هذا النوع الإلمام.
وكانت العرب لا تذهب هذا المذهب في الخروج إلى المدح، بل يقولون عند فراغهم من نعت الإبل وذكر القفار وما هم بسبيله: دع ذا وعد عن ذا ويأخذون فيما يريدون أو يأتون بأن المشددة ابتداء للكلام الذي يقصدونه، فإذا لم يكن خروج الشاعر إلى المدح متصلاً بما قبله ولا منفصلاً بقوله دع ذا وعد عن ذا ونحو ذلك سمي طفراً وانقطاعاً.. وكان البحتري كثيراً ما يأتي به نحو قوله:
لولا الرجاء لمت من ألم الهوى ... لكن قلبي بالرجاء موكل
إن الرعية لم تزل في سيرة ... عمرية مذ ساسها المتوكل
ولربما قالوا بعد صفة الناقة والمفازة " إلى فلان قصدت " و " حتى نزلت بفناء فلان " وما شاكل ذلك.
وأما الانتهاء فهو قاعدة القصيدة، وآخر ما يبقى منها في الأسماع، وسبيله أن يكون محكماً: لا تمكن الزيادة عليه، ولا يأتي بعده أحسن منه، وإذا كان أول الشعر مفتاحاً له وجب أن يكون الآخر قفلاً عليه.
وقد أربى أبو الطيب على كل شاعر في جودة فصول هذا الباب الثلاثة، إلا أنه ربما عقد أوائل الأشعار ثقة بنفسه، وإعراباً عن الناس، كقوله أول قصيدة:
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه ... بأن تسعد والدمع أشفاه ساجمه
فإن هذا يحتاج الأصمعي إلى أن يفسر معناه.
ويقع له في الخروج ما كان تركه أولى به، وأشعر له، وإنما أدخله فيه حب الإغراب في باب التوليد، حتى جاء بالغث البارد، والبشع المتكلف، نحو قوله:
أحبك أو يقولوا جر نمل ... ثبيراً، وابن إبراهيم ريعا
فهذا من البشاعة والشناعة بحيث لا يخفى على أحد، وما أظنه سرق هذا المعنى الشريف إلا من كذبة كذبها أبو العباس الصيمري عن لسان رجل زعم أنه قال: رأيت رجلاً نام ويده غمرة فجره النمل ثلاثة فراسخ، فقد جعل أبو الطيب مكان الرجل جبلاً، وإن أعلمنا الإغراق في مراده ولفظه.. قال:
أعز مكان في الدنا سرج سابح ... وخير جليس في الزمان كتاب
وبحر أبو المسك الخضم الذي له ... على كل بحرٍ زخرة وعباب
يريد وخير بحر أبو المسك، وهذه غاية التصنع والتكلف.
ومن العرب من يختم القصيدة فيقطعها والنفس بها متعلقة، وفيها راغبة مشتهية، ويبقى الكلام مبتوراً كأنه لم يتعمد جعله خاتمة: كل ذلك رغبة في أخذ العفو، وإسقاط الكلفة، ألا ترى معلقة امرئ القيس كيف ختمها بقوله يصف السيل عن شدة المطر:
كأن السباع فيه غرقى غدية ... بأرجائه القصوى أنابيش عنصل
فلم يجعل لها قاعدة كما فعل غيره من أصحاب المعلقات، وهي أفضلها.
وقد كره الحذاق من الشعراء ختم القصيدة بالدعاء لأنه من عمل أهل الضعف، إلا للملوك؛ فإنهم يشتهون ذلك كما قدمت، ما لم يكن من جنس قول أبي الطيب يذكر الخيل لسيف الدولة:
فلا هجمت بها إلا على ظفرٍ ... ولا وصلت بها إلا إلى أمل
فإن هذا شبيه ما ذكر عن بغيض: كان يصابح الأمير فيقول: لا صبح الله الأمير بعافية، ويسكت ثم يقول: إلا مساه بأكثر منها، ويماسيه فيقول: لا مسى الله الأمير بنعمة، ويسكت ثم يقول: إلا وصبحه بأتم منها، أو نحو هذا، فلا يدعو له حتى يدعو عليه؛ ومثل هذا قبيح، لا سيما عن مثل أبي الطيب.
مصادر و المراجع :
١- العمدة في محاسن الشعر
وآدابه
المؤلف: أبو على
الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي (المتوفى: 463 هـ)
المحقق: محمد
محيي الدين عبد الحميد
الناشر: دار
الجيل
الطبعة: الخامسة،
1401 هـ - 1981 م
5 أبريل 2024
تعليقات (0)