المنشورات

باب الاطراد

ومن حسن الصنعة أن تطرد الأسماء من غير كلفة، ولا حشو فارغ؛ فإنها إذا أطردت دلت على قوة طبع الشاعر، وقلة كلفته ومبالاته بالشعر.
وذلك نحو قول الأعشى:
أقيس بن مسعود بن قيس بن خالد ... وأنت امرؤ ترجو شبابك وائل
فأتى كالماء الجاري اطراداً وقلة كلفة، وبين النسب حتى أخرجه عن مواضع اللبس والشبهة..
ولما سمع عبد الملك بن مروان قول دريد بن الصمة:
قتلنا بعبد الله خير لداته ... ذؤابة بن أسماء بن زيد بن قارب
قال كالمتعجب: لولا القافية لبلغ به آدم، ورواه قوم " أبأت بعبد الله ".
وقال أبو تمام:
عبد المليك بن صالح بن عل ... ي بن قسيم النبي في نسبه
فهذا سهل العنان، خفيف على اللسان، وإن كانت الياء في " المليك " ضرورة وتكلفاً.
وقال الحارث بن دوس الإيادي:
وشباب حسن أوجههم ... من إياد بن نزار بن معد
فأطردت ثلاثة أسماء لا كلفة فيها.
وقال أبو تمام في قالب بيت الأعشى، وإن نقص عنه اسماً واحداً:
بنصر بن منصور بن بسام انفرى ... لما شظف الأيام عن عيشة رغد
فأما من أتى بأكثر من هذا ومن الأول فقد قال بعضهم:
من يكن رام حاجة بعدت عن ... هـ وأعيت عليه كل العياء
فلها أحمد المرجى بن يحيى ب ... ن معاذ بن مسلم بن رجاء
فجاء كلامه نسقاً واحداً، إلا أنه قد شغل البيت وفصل بين الكلام بقوله " المرجى " غير أن مجانسة رجاء هونت خطيئته وغفرت ذنبه.
وقال الطائي:
عمرو بن كلثوم بن مالك بن عت ... اب بن سهم سهمكم لا يسهم
فخاطب بذلك بني عمرو بن غنم التغلبيين، وهم بنو عم مالك بن طوق، فانتظم له ما أراد من الأسماء، إلا أنه ظاهر التكلف، وقال فأتى بستة:
مناسب تحسب من ضوئها ... منازل للقمر الطالع
كالدلو والحوت وأشراطه ... والبطن والنجم إلى البالع
نوح بن عمرو بن حوى بن عم ... رو بن حوى بن الفتى مانع
فأحكم التصنيع وقابل ستة بستة؛ لأن الأشراط منزلة، وإن جمعها، إلا أن " الفتى " ههنا غضة مع برد لفظ وركاكة، ما أحسن أبا هؤلاء كلهم يقال له الفتى وإن كنا نعلم أنه لم يرد فتاء السن، ولكن الفتوة.
وجاء أبو الطيب فجاءك بالتعسف في قوله لسيف الدولة:
فأنت أبو الهيجا ابن حمدان يا ابنه ... تشابه مولود كريم ووالد
وحمدان حمدون وحمدون حارث ... وحارث لقمان ولقمان راشد
ففي هذا المعنى من التقصير أنه جاء به في صفين وأنه جعله أنياب الخلافة بقوله:
أولئك أنياب الخلافة كلها ... وسائر أملاك البلاد الزوائد
وهم سبعة بالممدوح، والأنياب في المتعارف أربعة، إلا أن تكون الخلافة تمساح نيل أو كلب بحر؛ فإن أنياب كل واحد منهما ثمانية، اللهم إلا أن يريد أن كل واحد منهم ناب الخلافة في زمانه خاصة؛ فإنه يصح، وفيه من الزيادة على ما قبله أنه زاد واحداً في العدد، فإنه جعل كل ابن هو أبوه في الخلافة إلى أن بلغ راشداً، ولم يقصد إلى ذلك أحد من أصحابه، وإنما مقت شعره هذا تكريره كل اسم مرتين في بيت واحد، وهي أربعة أسماء.










مصادر و المراجع :

١- العمدة في محاسن الشعر وآدابه

المؤلف: أبو على الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي (المتوفى: 463 هـ)

المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد

الناشر: دار الجيل

الطبعة: الخامسة، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید