المنشورات
أشاقتك أخلاق الرسول الدواثر ... بأدعاص حوضى المعنقات النوادر
قال المهلبي: أخبرني أبو إسحق النجيرمي قال: قال أبو بكر ابن دريد: "هذه القصيدة الرائية أحب إلي من البائية". "أشاقتك": استفهام جوابه: "نعم هاجت الأطلال".
"المعنقات"، يعني: الأدعاص المتقدمات. يقال: "أعتق": تقدم. قال أبو عمرو: "المعنقات": التي تعنق مع الريح، تذهب معها. ويقال: "المعنقة": التي أطلعت عنقها وخرجت من صواحبها.
2 - لمي كأن الريح والقطر غادرا ... وحولا على جرعائها برد ناشر
أي: هذه الرسوم لمي، كأن الريح والمطر غادرا على هذه المنازل برد ناشر. و"غادرا": خلفا. و"حولا"، أي: سنة. و"الجرعاء" من الرمل: رمل لين. شبه الآثار بالبرود المنشورة.
3 - أهاضيب أنواء وهيفان جرتا ... على الدار أعراف الحبال الأعافر
"أهاضيب": حلبات ودفعات من مطر و"هيفان": ريحان حارتان. "الأعراف": الأسنمة. و"الحبال": الرمال. و"الأعافر": ألوانها إلى "العفرة": وهي بياض إلى حمرة.
4 - وثالثة تهوي من الشام حرجف ... لها سنن فوق الحصى بالأعاصر
يعني: الشمال مع الهيفين ثلاثة. "حرجف": شديدة باردة. "سنن": "يستن": يتبع بعضها بعضاً. قال أبو عمرو: " .. فوق الثرى" و"الأعاصير": العجاج والغبار.
5 - ورابعة من مطلع الشمس أجفلت ... عليها بدقعاء المعي فقراقر
يعني: الصبا. "أجفلت": أسرعت وقلبت كل شيء. يقال: "انجفل القوم"، إذا انقطعوا من مواضعهم. و"الدقعاء": التراب. و"المعي وقراقر": موضعان.
6 - فحنت بها النكب السوافي فأكثرت ... حنين اللقاح القاربات العواشر
"النكب": الرياح التي تجيء منحرفة بين ريحين. و"السوافي": التي تسفي التراب. يقول: لهذه الرياح حنين كحنين اللقاح، جمع "لقحة": وهي التي معها أولادها. و"القاربات": اللاتي قربن من الماء. و"العواشر": التي ترد العشر.
7 - فأبقين آيات يهجن صبابة ... وعفين آيات بطول التعاور
أي: الرياح أبقين آيات و"عفين" آيات، أي: أذهبنها.
و"الصبابة": رقة الشوق. أي: تعاور هذه الريح مرة كذا ومرة كذا.
8 - نعم هاجت الأطلال شوقاً كفى به ... ... من الشوق إلا أنه غير ظاهر
أراد [أ] هاجتك أخلاق الرسوم؟ .. فرد فقال: نعم، يريد أن الشوق غير ظاهر.
9 - فما زلت أطوي النفس حتى كأنها ... بذي الرمث لم تخطر على بال ذاكر
أي: أثني وارد، أي: طويت عليهم ما في النفس من الشوق أن يعلم به الركب. "لم تخطر"، يعني: مية، على من يذكرها، وهو ذو الرمة.
10 - حياء وإشفاقاً من الركب أن يروا ... دليلاً على مستودعات السرائر
أي: أطويها حياء وإشفاقاً من الركب أن يروا أمراً يستدلون به على ما أضمر. "مستودعات السرائر": ما أسر في قلبه من حبه إياها.
11 - لمية إذ مي معان تحله ... فتاخ فحزوى في الخليط المجاور
أراد: لمية هذا الموضع الذي ذكر. ثم قال: "إذ مي معان تحله فتاخ". و"المعان": الموطن. و"فتاخ": موضع. وصير: "تحله" من صلة "معان". أراد: مي في الموطن الذي تحله: فتاخ. "فتاخ" خبر "معان"، ورفع بالراجع من الذكر في "تحله". والهاء راجعة على "معان". و"الخليط": المخالطون.
12 - إذا خشيت منه الصريمة أبرقت ... له برقة من خلب غير مباط
يعني: من ذي الرمة. أي: تلمح الصريمة لمحة. تطمعه،وليس وراء ذلك شيء، كالسحاب "الخلب": وهو الذي فيه رعد وبرق، وليس فيه مطر.
13 - كأن عرا المرجان منها تعلقت ... على أم خشف من ظباء المشافر
أي: كأن الأخواق التي تكون في المرجان علقت على "أم خشف"،أي: ظبيةٍ. و"الخوقِ": حلق الشنف. و"المشفر": العقد من الرمل المطمئن.
14 - تثور في قرن الضحى من شقيقة ... فأقبل أو من حضن كبداء عاقر
أي: نار الخشف، انتبه من نومه. و"قرن الضحى": أوله. و"شقيقة": أرض غليظة بين حبلى رمل. و"الحضن": الناحية. "كبداء": رملة عظيمة الوسط. و"العاقر": الرملة التي طالت وعقرت فلا تنبت.
15 - حزاوية أو عوهج معقلية ... ترود بأعطاف الرمال الحرائر
"حزاوية": منسوبة إلى حزوى. "عوهج": طويلة العنق. "معقلية": منسوبة إلى معقلة، يريد: من ظباء حزوى ومعقلة. و"أعطاف" كل شيء: نواحيه. "الحر": الكريم من كل شيء.
16 - رأت راكباً أو راعها لفواقه ... صويت دعاها من أعيس فاتر
أي: الظبية رأت راكباً. و"راعها": فزعها. "صويت"، يعني: حين أرادت أن تشرب فزعها صويت، انتبهت لترضعه. و"الفواق": ما بين الحلبتين. ويقال: "أفاقت الناقة لولدها"، إذا درت له. "أعيس": تصغير "أعيس"، يعني: ولدها، وهو الأبيض. "فاتر": ضعيف العظام، صغيرها. وروى أبو عمرو: "أعيس ثائر".
17 - إذا استودعته صفصفاً أو صريمة ... تنحت ونصت جيدها بالمناظر
يقول: إذا استودعت الظبية ولدها "صفصفاً": وهو المكان المستوي. "أو صريمة"، أي: رملاً. و"الصريمة": القطعة من الرمل. "تنحت": تحرفت، وتنحت ناحية تنظر إليه. و"نصت": نصبت جيدها. "بالمناظر": بكل مكان ينظر فيه.
18 - حذاراً على وسنان يصرعه الكرى ... بكل مقيل عن ضعاف فواتر
أي: نصت جيدها حذاراً على "وسنان"، يعني: ولدها في نعاسه، يصرعه النوم وهو: "الكرى". "عن ضعاف"، يعني: قوائمه. يقول: يصرعه النعاس عن قوائم ضعاف حين شدن.
19 - إذا عطفته غادرته وراءها ... بجرعاء دهناوية أو بحاجر
يريد: إذا "عطفته"، أي: ردته على موضعه ليرضع، و"غادرته" وراءها بعد ذلك. و"الأجرع" و"الجرعاء": رمل يرتفع وسطه ويكثر، وترق نواحيه. "حاجر": [موضع] يستره ويحجره. و"الحاجر" أيضاً: مكان يرتفع حواليه، ويستنقع فيه الماء.
20 - وتهجره إلا اختلاساً نهارها ... وكم من محب رهبة العين هاجر
أي: تهجر ولدها "حذار المنايا .. "، أي: تدعه عمداً مخافة السباع لئلا ترى فيستدل بها عليه. قوله: "إلا اختلاساً"، أي: تأتيه خلساً لا تطيل عنده المقام. وكم من محب يهجر مخافة أن يرى.
21 - حذار المنايا خشية أن يفتنها ... به وهي- إلا ذاك- أضعف ناصر
أي: وتهجره حذار المنايا. قوله: "وهي إلا ذاك أضعف ناصر"، يقول: هي أضعف ناصر إلا ذاك الاختلاس والتعهد. إن جاء سبع هربت. يقول: ليس عندها نصرة إلا هذا الهرب والحذر.
22 - ويوم يظل الفرخ في بيت غيره ... له كوكب فوق الحداب الظواهر
أي: رب يوم يقيم الفرخ ويمكنه. أي: يدخل الفرخ بيت الضب من شدة الحر. ولهذا اليوم "كوكب": شدة حر. و"كوكب" كل شيء: معظمه وشدة حره. "الحداب": جمع حدبة. و"الظواهر": ما ارتفع من الأرض. كقول أبي زبيد:
واستظل العصفور كرهاً مع الضب وأذكت نيرانها المعزاء
23 - ترى الركب منه بالعشي كأنما ... يدانون من خوف خصاص المحاجر
أي: ترى الركب من هذا اليوم كأنما يدانون خصاص المحاجر من خوف. يقال: "دانى عنه ثوبه"، إذا قربه إلى وجهه. "خصاص المحاجر": فجواتها، وهو ما بدا من البرقع. وكل فرجة: "خصاص". يقال: "نظرت من خصاص الستر". المعنى: من شدة الحر قد غطوا وجوههم فكأنهم فعلوا ذلك من خوف جناية جنوها. قال أبو عمرو: و"المحاجر": محاجر العيون.
24 - تلثمت فاستقبلته ثم مثله ... ومثليه خمساً ورده غير قادر
أي: استقبلت ذلك اليوم ثم مثله ومثليه، يعني: أربعة أيام. أي: فعلت ذلك خمساً. "ورده غير قادر"، يريد: ورده ليس بهين. قال أبو عمرو: غير قريب.
25 - وماء كماء السخد ليس لجوفه ... سواء الحمام الورق عهد بحاضر
"السخد": جلدة فيها ماء أصفر، ينشق عن رأس الولد،ولد الناقة. فشبه تغيره بذلك. "الحمام الورق": "الورقة": خضرة إلى سواد. قوله: "ليس لجوفه عهد بحاضر"، أي: بمن يحضر سوى الحمام الورق.
29 - صرى آجن يزوي له المرء وجهه ... ولو ذاقه الظمآن في شهر ناجر
"آجن" و"آسن" واحد. و"الصرى": الماء الذي طال حبسه وتغير. "يزوي": يقبض من تغيره ومرارته وجهه. و"شهر ناجر": تموز.
27 - وردت وأغباش السواد كأنها ... سمادير غشي في العيون النواظر
"الأغباش": بقايا من سواد الليل، جمع غبش. أي: كأن الأغباش "سمادير": وهي كالغشاوة على العين.
28 - بركب سروا حتى كأن اضطرابهم ... على شعب الميس اضطراب الغدائر
أي: وردت بركب. وروى أبو عمرو: "بشعث .. ". كأن اضطرابهم على عيدان الرحل اضطراب الذوائب. أي: من النعاس. و"الميس": شجر تعمل منه الرحال.
29 - تعادوا بهيها من مداركة السرى ... على غائرات الطرف هدل المشافر
أي: الركب تعادوا بالتثاؤب، وهو قوله: "بهيها" حكى صوت التثاؤب. أي: أعدى بعضهم بعضاً لأن التثاؤب يعدي، وهو أنه إذا تثاءب واحد [تثاءب] من معه. قوله: من مداركة"، يريد: مما تدارك عليهم من سير الليل. "هدل": مسترخيات، يعني: الإبل.
30 - كأنا تغني بيننا كل ليلة ... جداجد صيف من صرير المآخر
شبه صرير الرحال بغناء "الجداجد" [أي: بصياحها] وهي دويبة تصيح بالليل. و"المآخر": جمع مؤخرة الرحل، وهي الآخرة.
31 - على رعلة صهب الذفارى كأنها ... قطا باص أسراب القطا المتواتر
"رعلة": قطعة من الإبل. "باص"، أي: سبق. "المتواتر": الذي يتبع بعضه بعضاً.
32 - شججن السرى حتى إذا قال صحبتي ... وحلق أرداف النجوم الغوائر
"شججن": علونه وركبنه. والعرب تقول: "اتخذت الليل جملاً". و"هو لا يستطيع أن يركب الليل" وهو مثل. وقوله: "وحلق أرداف النجوم"، يقول: ذهب أوائل النجوم و"أردافها": نجوم تجيء بعد نجوم. و"الغرائر": البواقي.
33 - كأن عمود الصبح جيد ولبة ... وراء الدجا من حرة اللون حاسر
يريد: حتى [إذا] قال صحبتي: "كأن عمود الصبح جيد ولبة"، أي: جيد امرأة. وراء الليل، أي: بعده. "من حرة اللون"، أي: من امرأة حرة كريمة اللون، عتيقته.
"حاسر": حسرت عن وجهها. فشبه بياض الصبح حين طلع بعنق امرأة وصدرها.
34 - جنحن على أجوازهن وهوَّموا ... سحيرا على أعضادهن الأياسرِ
يعني: الإبل، تصرَّين على أوساطهن من الإعياء، أي: تطأطأن إلى الأرض. كقولك: "أكب على وجهه". "التهويم": شيء من النوم على أعضاد الإبل حين عرَّسوا. المعنى: كأن اعتماد جنوحهن على أوساطهن.
35 - ألا خيَّلت خرقاء بالبين بعدما ... مضى الليل إلا خط أبلق جاشرِ
أي: أرتنا خيالها. ويروى "بالبين": وهي القطعة من الأرض. قال أبو عمرو: "البين": الناحية. "إلا خط أبلق"، يعني: بياض الصبح وسواد الليل. يقول: لم يذهب الليل كله.
"جشر الصبح"، إذا انكشف. [ومن هنا سميت الخمر الجاشرية، لأنها تشرب في الصبح].
36 - سرت تخبطُ الظلماء من جانبي قسا ... فأحبب بها من خابط الليل زائر
"قسا": موضع، يريد: ما أحبها.
37 - إلى فتية مثل السيوف وأينُق ... ضوامر من آل الجديل وداعر
أي: تخبطُ الظلماء إلى فتية مثل السيوف في المضي. و"الجديلُ" و"داعرٌ": فحلان [تنسب إليهما الإبل].
38 - جذبن البرى حتى شدفن وأصعرت ... أنوف المهارى لقوة في المناخر
أي: جذبن "البرى": جمع برة، من النشاط. "حتى شدفن، أي: صارت أعناقها في ناحية. قال أبو عمرو: "شدفن" أي: مالت رؤوسهن لجذبها الأزمة والبرى. و"الصعر": الميل في العنق. فيقول: كأن بها لقوة. أي: أعناقها في ناحية.
39 - وفي الميس أطلاح ترى في خدودها ... تلاعاً لتذراف العيون القواطر
"أطلاح": إبل. قال أبو عمرو: إبل كالة، واحدها طلح. وقد طلحت، وأطلحتها أنا. و"التلاع": مجاري آثار الدموع، وأصل "التلاع": مجاري الماء المشرف إلى الوادي.
40 - وكائن تخطت ناقتي من مفازة ... وكم زل عنها من جحاف المقادر
يريد: كم من سرى عرسته بعد الليل. أي: أنها كثيرته لما يتم الليل. قال أبو عمرو: "زل عنها": جاوزها من هلاك. "جحاف المقادر"، يعني: مزاحمة المقادر فأعفيت. أي: مما زاحمت من الشرور فأفلتت. "المقادر": جمع مقدرة ومقدرة، مثل: مشرفة ومشرفة.
41 - وكم عرست بعد السرى من معرس ... به من كلام الجن أصوات سامر
"التعريس": النزول للنوم في آخر الليل. و"سامر": قوم يسمرون، يتحدثون.
42 - إذا اعتس فيه الذئب لم يلتقط به ... من الكسب إلا مثل ملقى المشاجر
أي: طلب الذئبُ في هذا الموضع ما يأكله. قوله: "إلا مثل ملقى المشاجر"، يريد: أن قوائم الإبل كأنها "مشاجر" ملقاة. الواحدة "مشجرة": وهي أعواد تصير كالهودج. يريد: حيث بركت الإبل مثل ملقى المشاجر. أراد: مواضع القوائم كأنها تلك المشاجر.
43 - مناخ قرون الركبتين كأنه ... معرس خمس من قطا متجاور
رد "مناخ" على "مثل ملقى المشاجر". "قرون": يقول: إذا بركت قرنت. كأنه معرس خمس [من القطا] يريد: كأن الموضع الذي عرس فيه خمسٌ من القطا. يريد: كأن الركبتين والثفنتين والكركرة خمس من القطا. قال أبو عمرو: "قرون" إذا بركت قرنت بين ركبتيها.
و"القرون": تقرن المنسمين. و"قرون البعران"، إذا قرنت اثنتين اثنتين. و"القرون": تقرن بين حلابين. و"القرون": الفرس يسرق إذا عدا.
44 - وقعن اثنتين واثنتين وفردة ... حريداً هي الوسطى بصحراء حائر
يعني: اثنتين": الركبتين. و"اثنتين": الثفنتين. و"فردة"، يعني: الكركرة، فلذلك قال: "الوسطى". و"حائر": موضع. قال أبو عمرو: أي: حائر فيها. يقول:
هذا الذئب لا يجد بهذا المكان إلا هذه الآثار التي ذكرتها. وروى غير أبي عمرو: " .. جائر".
45 - ومغفى فتى حلت له فوق رحله ... ثمانية جرداً صلاة المسافر
"مغفاه": مناخه حيث أغفى. أي: لم يجد الذئب به إلا مغفى فتى حلت له صلاة المسافر ثمانية أشهر تامة. أي: يصلي فيها ركعتين ركعتين لأنه مسافر.
46 - وبينهما ملقى زمام كأنه ... مخيط شجاع آخر الليل ثائر
يريد: بين الرجل وناقته "ملقى زمام": موضع فيه أثر الزمام. "مخيط": ممر. يقال: "خاط علينا خيطة"، أي: مر. و"الشجاع"- ها هنا-: الحية.
47 - سوى وطأة في الأرض من غير جعدة ... ثنى أختها في غرز عوجاء ضامر
كان ينبغي أن يقول: [و] وطأة في الأرض، ولكنه كرر الكلام. كأنه لم يجد به من الكسب إلا ملقى المشاجر، ولم يجد به سوى وطأة وطئها إنسان، وضع واحدة في الغرز وأخرى على الأرش. "من غير جعدة"، أي: غير كزة. قال أبو عمرو: ليست ببسيطة، يعني: طويلة، و"ثنى أختها"، يعني: الراكب "ثنى": فرد رجله في الغرز. و"عوجاء":ناقة اعوجَّت من الهزال. قال أبو عمرو: "سوى ندأة دهماء من غير جعدة". "ندأة": أثر قدمه حين ركب. و"ندأة": وطأة.
48 - وموضع عرنين كريم وجبهة ... إلى هدف من مسرع غير فاجر
أي: لم يجد الذئب سوى موضع "عرنين" أي أثر عرنين وجهة حين سجد. "هدف": شرف من الأرض. "من مسرع"، أي: من رجل أسرع في صلاته، وهو "غير فاجر"، وذلك أنه في سفر فإنه يصلي ركعتين ركعتين خفيفتين.
49 - طوى طية فوق الكرى جفن عينه ... على رهبات من جنان المُحاذِرِ
أي: خفق، أي: أغمض عينه على نوم. وقوله: "من جنان المحاذر"، أي: ماجن دونه مما لم يره [أي: يهاب مما لم يره. و"الجنان": القلب، لأن الصدر جنه. ويقال: مما جنه صفره، أي: ستره]. قال أبو عمرو: "رهبات": خوف المخاطر"، يعني نفسه.
50 - قليلاً كتحليل الألى ثم قلصت ... به شيمة روعاء تقليص طائر
أي: نام قليلاً كتحليل "الألى": وهي اليمين، الواحدة: ألوة. ومن قال: "ألية" قال في جمعها "ألايا". قال: أخرجه مخرج الاسم فلذلك جمعه لأن المصادر لا تثنى ولا تجمع. و"قلصت به شيمة"، أي: أشخصته طبيعة روعاء عن المقام، أي: وثبت به شيمة ذكية كما ينهض الطائر. يقول: نام بقدر
ما بين يمينه واستفتائه.
51 - إلى نضوة عوجاء والليل مغبش ... مصابيحه مثل المها واليعافر
يريد: قلصت "إلى نضرة عوجاء" أي: ناقة مهزولة، ذهب لحمها فاعوجت. "مغبش": فيه بقايا ظلمة. "مصابيحه"، يعني: كواكب الليل، مثل البقر والظباء. أبو عمرو: "إلى نضرة سقفاء .. " وهي الطويلة فيها انحناء.
52 - قد استبدلت بالجهل حلماً وراجعت ... وثوباً سديداً بعد وثب مبادر
أي: ذهب نشاطها ومرحها. وقوله: "وراجعت وثوباً سديداً"، أي: وثباً ذا سداد، أي: قصد، وذلك أن نشاطها قد ذهب. قال أبو عمرو: "سديداً": مقتصداً من الإعياء.
53 - وكانت كناز اللحم أورى عظامها ... بوهبين آثار العهاد البواكر
أورى: أسمن. يقال: "ورت تري"، إذا سمنت وكثر لحمها. يقال: "وارية المخ وزاهقة المخ"، أي: سمينة. و"العهاد": أول ما يقع المطر بالأرض، الواحدة عهدة. و"آثار العهاد": ما أنبت الله منها. و"البواكر"، إذا عجَّل في أول الزمن.
54 - فما زلت أكسو كل يوم سراتها ... خصاصة مغلوف من الميس قاتر
أي: ما زلت أجعل وجه الرحل لباسها، وهي: "الخصاصة". "مغلوف": رحل له غلاف. و"قاتر": رحل واق جيد القدر.
55 - وأرمي بها الأهوال حتى أحلتُها ... وسويتها بالمحرثات الحدابر
"بها"، أي: بناقتي. "أحلتها": هزلتها وصرفتها عن حالها التي كانت، أي جعلتها كأنها محرثة. قال أبو عمرو: "محرثة"، إذا ضمرت وأتعبها السير. و"الحدابر":الت اعوجت من الهزال، الواحدة: حِدْبار. قال أبو عمرو: "أحلتها": صارت حائلا، ألقت ولدها.
56 - وصارت وباقي النِّقْي من خلف عينها ... ظنونٌ ومخُّ المجمرات الأقاصرِ
قال: أي: صارت وهذه حالها، صارت وشحمها قد ذهب.
و"النقي": الشحم. يريد: ما بقي من نقيها خلف عينها "ظنون": لا يوثق بها. وآخر ما يبقى من الشحم في العين والسلامي، وهذا مثل. يقول: بلغت إلى الحال التي لم يبق فيها من الشحم إلا في آخر ما يبقى في عينها من الشحم والأخفاف. [و"الأخفاف": عظام صغار]. وفي كل يد أربع سلاميات، وكذلك في كل رجل، وهي عظام صغار. ويروي أبو عمرو: "وعاد مكان النقي من خلف عينها ظنونا .. ". "باقي النقي من خلف عينها": حجاجيها، وهو آخر ما يبقى المخ فيه "المجمرات": الأخفاف الغلاظ المجتمعة. و"مخ المجمرات" أيضاً "ظنون". و"الأقاصر": اللواتي هن أقصر.
57 - إذا حثهن الركب في مدلهمة ... أحاديثها مثل اصطخاب الضرائر
مفازة سوداء. قال أبو عمرو: "أحاديثها"، يعني: أحاديث الأرض، يعني: الجن. أي: تسمع دوياً كأنه اصطخاب الضرائر.
58 - تياسرن عن جدي الفراقد في السرى ... ويا من شيئاً عن يمين المغاور
أخذن عن يمنة، يعني: الإبل. و"تياسرن": أخذن عن يسرة شقه الأيسر. "المغاور"، يعني: الشمس حين تعود في المغرب.
59 - حراجيج أشباه عليهن فتية ... بأوطان أهليهم وحوش الأباعر
جمع "حرجرج": وهي التي هزلت وضمرت حتى طالت مع الأرض. يقول: حيث يحل أهلوهم وحوش الأباعر قال أبو عمرو: تباعدوا فصارت معهم "وحوش الأباعر"، أي: وحشية، صارت مع الوحش.
60 - يحلون من وهبين أو من سويقة ... مشق السوابي عن أنوف الجاذر
أي: يحلون [من] هذين الموضعين مناتج البقر، أي: حيث تنشق السوابي عن أنوف أولاد البقر. و"السابياء": نفحة رجرجة تخرج قبل الولد، فيها رأسه ويداه.
61 - أعاريب طوريون من كل قرية ... يحيدون عنها من حذار المقادر
قال أبو عمرو: "طوريون" واحدهم طوري وطوراني، أي:
غرباء لا يتجهون لوجه. "يحيدون عنها"، أي: عن القرية. "من حذار المقادر": الموت والأمراض. وقال بعضهم: يحيدون عنها من الأمراض.
62 - فشدوا عليهن الرحال فصمموا ... على كل هول من جنان المخاطر
"التصميم": ركوب الرأس والمضي عليه: "جنان المخاطر": ما لم يره وغاب عنه. أي: يركبه مخاطر من المخاطرين بأنفسهم.
63 - أقول بذي الأرطى لها إذ رحلتها ... لبعض الهموم النازحات المزاور
أقول بذي الأرطى لناقتي: "ستستبدلين العام .. "، "النازحات": البعيدات. "المزاور": المطالب، واحدها مزار، وهو من الزيارة.
64 - عشية حنت في زمامي صبابة ... إلى إبل ترعى بلاد الجاذر
"الصبابة": رقة الشوق. يريد: حنت ناقتي صبابة إلى بلد فيه إبل ترعى. "والجاذر": أولاد البقر.
65 - ستستبدلين العام إن عشت سالماً ... إلى ذاك من إلف المخاض البهازر
"البهازر": الضخام، واحدها بهزرة.
66 - قلوصين عوجاوين عليهما ... هواء السرى ثم اقتراح الهواجر
أي: استبدلن من إلف هذه الإبل "قلوصين"، يعني: صاحبين على قلوصين. "بلى عليهما هواء السرى": جعلتهما باليتين، من البلية. ويروى: "هوي السرى"، أي: مهاواته، أي: تهوي في السرى. و"اقتراح الهواجر": استئنافها.
67 - منناهما بالخمس والخمس قبله ... وبالحل والترحال أيام ناجر
أي: جهدناهما بالخمس وخمس آخر، بالسير. و"ناجر": تموز.
68 - وبالسير حتى ما تحنان حنة ... إلى قارب آت ولا إثر صادر
يقول: جهدناهما في السير حتى ضعفتا فلا تشتاقان "إلى قارب" قرب من الماء، ولا تحنان إلى من صدر.
69 - رتوعين أدنى مرتع حلتا به ... بلا زم تقييد ولا صوت زاجر
يقول: إذا أرسلتا من رحاليهما أو رعتا بأدنى مكان ضعفتا، لم تباعدا مما بهما من الجهد. "الزم": عمل دون عمل، أي: لم يزم من تقييدها شيء، أي: ترك لم تحتج إلى أن تقيد من الضعف. "حلتا به": حل عنهما بذلك المكان. يقول:
ضعفتا، فهما ترعيان أدنى موضع، لا تحتاجان إلى تقييد ولا إلى صوت زاجر يزجرهما من ضعفهما.
70 - طويناهما حتى إذا ما أنيختا ... مناخاً هوى بين الكلى والكراكر
قوله: "هوى بين الكلى والكراكر"، إذا بركت رأيت ما تحت بطنها هوى من ضمرها.
71 - أراني إذا ما الركب جابوا تنوفة ... تكسر أذناب القلاص العواسر
"جابوا": قطعوا "تنوفة"، أي: قفرة. قوله: "تكسر أذناب القلاص" فلا ترفعها، وذلك أن نشاطها قد ذهب فكسر أذنابها. "عسرت": إذا رفعت وشالت، فهي: "عاسر".
72 - كأني كسوت الرحل أخنس أقفرت ... له الزرق إلا من ظباء وباقر
أي: كأني كسوت الرحل نوراً. "باقر": جماعة بقر. يقال: "باقورة وباقر وبقير": جماعة بقرة. و"أباقير": جماعة الجماعة، جمع أبقار.
73 - أحم الشوى فرداً كأن سرته ... سنا نار محزون به الحي ساهر
"أحم"، أي: أسود، وهو النور. "الشوى": القوائم. و"سراته": ظهره. يقول: كأن ظهره في بياضه ضوء نار سيد قوم مرض فحزن له الحي. ونار السيد أضوأ.
74 - نمى بعد قيظ قاظه بسويقة ... عليه وإن لم يطعم الماء قاصر
"نمى": ارتفع، أي: الثور. وإنما ارتفع يطلب المرعى حين أمكنه ذلك، أي: بعد قيظ "قاصر". أي: بعد قيظ "قاصر". أي: لازم ثابت.
75 - إلى مستوى الوعساء بين حميط ... وبين حبال الأشيمين الحوادر
أي: نمى الثور إلى مستوى الوعاء. و"الوعاء": رابية من الرمل لا تبلغ أن تكون كثيباً، تنبت أحوار البقل. قوله: "الحوادر": المكتنزة من الرمل. وكل مكتنز فهو: "حادر".
76 - فظل بعيني قانص كان قصه ... من المغتدى حتى رأى غير ذاعر
أي: فظل الثور بعيني "قانص"، أي: صياد. "قص أثره"، أي: اتبع. "من المغتدى": من حيث غدا من كناسه، حتى رآه من غير أن يذعره الصائد.
77 - يرود الرخامى لا يرى مستراده ... ببلوقة إلا كثير المحافر
"يرود"، أي: يرتاد. أي: في "الرخامى": وهي ضرب من النبت. "كثير المحافر": يحفر، يطلب أصول الرخامى. "البلوقة": أرض مستوية فيها لين، وأكثر نباتها الرخامى، والنيران ترتع بها فتأكل وتحفر عن أصوله فتأكل عروقاً فيه.
78 - يلوح إذا أفضى ويخفى بريقه ... إذا ما أجنته غيوب المشاعر
يظهر الثور إذا انكشف عنه الرمال، ويخفى إذاغطته مواضع الشجر، الواحد مشعر. ويقال: "ما ببلادهم شعار"، أي: شجر.
79 - فلما كسا الليل الشخوص تحلبت ... علىظهره إحدى الليالي المواطر
80 - وهاجت له من مطلع الشمس حرجف ... توجه أسباط الحقوق التياهر
"له"، أي: الثور. "حرجف": ريح باردة توجهه. "السبط": نبت. و"الحقرف": جمع "حقف": وهو ما اعوج من الرمل. و"التياهر": جمع "تيهور": وهو ما ارتفع من الرمل.
81 - وقد قابلته عوكلات عوانك ... ركام نفين النبت غير المآزر
أي: الثور قابلته رمال طوال عظام صعبة. "عوانك": مشرفة من الرمل متعقدة شديدة المصعد. قوله: "نفين النبت غير المآزر"، يقول: ليس بها نبت إلا شيء أطاف بها.
82 - تناصي أعاليهن أعفر حابياً ... كقرم الهجان المستشيط المخاطر
أي: تواصل أعالي هذه الرمال حبلاً من الرمل أبيض إلى الحمرة. "حابياً": مشرفاً كأنه فحل "استشاط"، أي: غضب. "المخاطر": الذي يخطر بذنبه، أي: يرفعه.
83 - فأعنق حتى اعتام أرطأة رملة ... محففة بالحاجرات السواتر
أي: الثور مضى عنقاً. "اعتام"، أي: اختار. "الحاجرات": شجرات بينه وبين الناس تستره. ويروي: "بالحاجبات"، أي: تحجبه.
84 - فبات عذوباً يحدر المزن ماءه ... عليه كحدر اللؤلؤ المتناثر
أي: الثور بات لا يأكل، رافعاً رأسه عن الأكل.
مصادر و المراجع :
١- ديوان ذي الرمة شرح أبي
نصر الباهلي رواية ثعلب
المؤلف: أبو نصر
أحمد بن حاتم الباهلي (المتوفى: 231 هـ)
المحقق: عبد
القدوس أبو صالح
الناشر: مؤسسة
الإيمان جدة
الطبعة: الأولى،
1982 م - 1402 هـ
عدد الأجزاء: 3
(في ترقيم مسلسل واحد)
11 أبريل 2024
تعليقات (0)