المنشورات

طرفة بن العبد

حدّث المفضل بن محمد بن يعلى الضبي أن طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، كان في حسب كريم وعدد كثير، وكان شاعرًا جريئًا على الشعر، وكانت أخته عند عبد عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس، وكان عبد عمرو سيد أهل زمانه وكان من أكرم الناس على عمرو بن هند الملك، فشكت أخت طرفة شيئًا من أمر زوجها إلى طرفة فعاب عبد عمرو وهجاه، وكان من هجائه إياه أن قال: [الطويل] :
ولا خير فيه غير أن له غني ... وأن له كشحا إذا قام أهضما1
تظل نساء الحي يعكفن حوله ... يقلن: عسيب من سرارة ملهما
يعكفن: أي يطفن. العسيب: أغصان النخل. سرارة الوادي: قرارته وأنعمه وأجوده نبتًا. الملهم: قرية باليمامة؛ فبلغ ذلك عمرو بن هند الملك وما رواه، فخرج يتصيد ومعه عبد عمرو فرمى حمارًا فعقره2 فقال لعبد عمرو: انزل فاذبحه، فعالجه فأعياه فضحك الملك وقال: لقد أبصرك طرفة حيث يقول، وأنشد: ولا خير فيه وكان طرفة هجا قبل ذلك عمرو بن هند فقال فيه: [الوافر] :
فَلَيْتَ لَنَا مكانَ الملك عمروٍ ... رَغُوثًا حَول قبتنا تخور
من الزمرات أسبل قادماها ... وضرتها مرَكَّنة درور
لعمرك! إن قابوس بن هند ... ليخلط ملكه نُوكٌ كثير
قسمت الدهر في زمن رَخيٍّ ... كذاك الْحُكمُ يقصد أو يجور
فلمّا قال عمرو بن هند لعبد عمرو ما قال طرفة قال: أبيت اللعن! ما قال فيك أشدّ مِمّا قال فيّ، فأنشده الأبيات فقال عمرو بن هند: أوَقد بلغ من أمره أن يقول فِيّ مثل هذا الشعر؟ فأمر عمرو فكتب إلى رجل من عبد القيس بالبحرين وهو المعلّى ليقتله، فقال له بعض جلسائه: إنك إن قتلت طرفة هجاك المتلمس، رجل مسن مجرّب، وكان حليف طرفة وكان من بني ضبيعة. فأرسل عمرو إلى طرفة والمتلمس فأتياه فكتب لهما إلى عامله بالبحرين ليقتلهما وأعطاهما هدية من عنده وحملهما وقال: قد كتبت لكما بحباء1، فأقبلا حتى نزلا الحيرة، فقال المتلمس لطرفة: تعلمن والله أن ارتياح عمرو لي ولك لأمر عندي مريب، وأن انطلاقي بصحيفة لا أدري ما فيها؟ فقال طرفة: إنك لتسيء الظن، وما نخاف من صحيفة إن كان فيها الذي وعدنا وإلا رجعنا فلم نترك منه شيئًا؟ فأبى أن يجيبه إلى النظر فيها، ففك المتلمس ختمها ثُمّ جاء إلى غلام من أهل الحيرة فقال له: أتقرأ يا غلام؟ فقال: نعم، فأعطاه الصحيفة فقرأها فقال الغلام: أنت المتلمس؟ قال: نعم، قال: النجاء! قد أمر بقتلك فأخذ الصحيفة فقذفها في البحيرة ثم أنشأ يقول: [الطويل] :
وألقيتها بالثني من جنب كافر ... كذلك ألقي كل رأي مضلِّلِ
رضيت لها بالماء لما رأيتها ... يجول بها التيار في كل جدول
فقال المتلمس لطرفة: تعلمن والله أن الذي في كتابك مثل الذي في كتابي، فقال طرفة: لئن كان اجترأ عليك، ما كان بالذي يجترئ عليّ، وأَبَى أن يطيعه، فسار المتلمس من فوره ذلك حتى أتى الشام فقال في ذلك: [الكامل] :
من مبلغ الشُّعراء عن أخويهم ... نبأ فتصدقهم بذاك الأنفس
أودى الذي علق الصحيفة منهما ... ونجا حذار حياته المتلمس
ألقى صحيفته ونَجَّت كوره ... وجنا محمرة المناسم عرمس1
عيرانة طبخ الهواجر لحمها ... فكأن نقبتها أديم أملس2
وخرج طرفة حتى أتى صاحب البحرين بكتابه، فقال له صاحب البحرين: إنك في حسب كريم وبيني وبين أهلك إخاء قديم وقد أمرت بقتلك فاهرب إذا خرجت من عندي فإن كتابك إن قرئ لم أجد بدًّا من أن أقتلك، فأبى طرفة أن يفعله، فجعل شبان عبد القيس يدعونه ويسقونه الخمر حتى قتل.
وقد كان قال في ذلك قصيدته التي أولها: "لخولة أطلال"؛ انقضى حديث طرفة برواية المفضل؛ وذكر العتبي سببًا آخر في قتله، وذلك أنه كان ينادم عمرو بن هند يومًا فأشرفت أخته فرأى طرفة ظلها في الجام3 الذي في يده فقال: [الهزج] :
ألا يا ثاني الظبي ... الذي يبرُق شنفاهُ
ولولا الملك القاعد ... قد ألثمني فاه
فحقد ذلك عليه، قال: ويقال إن اسمه عمرو وسمي طرفة ببيت قاله؛ وأمه وردة، وكان من أحدث الشعراء سنًّا وأقلهم عمرًا، قتل وهو ابن عشرين سنة فيقال له ابن العشرين. ورأيت أنا مكتوبًا في قصته في موضع آخر أنه لَمَّا قرأ العامل الصحيفة عرض عليه فقال: اختر قتلة أقتلك بها، فقال: اسقني خمرًا فإذا ثملت فافصد أكحلي، ففعل حتى مات، فقبره بالبحرين، وكان له أخ يقال له معبد بن العبد فطالب بديته فأخذها من الحوافر4.











مصادر و المراجع :

١- شرح المعلقات السبع

المؤلف: حسين بن أحمد بن حسين الزَّوْزَني، أبو عبد الله (المتوفى: 486هـ)

الناشر: دار احياء التراث العربي

الطبعة: الأولى 1423هـ - 2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید