المنشورات

شعر عنترة بن شداد

البطولة الحربية ووصف المعارك هي أبرز الموضوعات التي تطرق إليها الشاعر في قصائده المختلفة فحاول أن يرسم لنا في قصائده صورة كاملة عن الفارس الشجاع الذي يخوض ساحات القتال وميدان الأبطال. ومن خلال صورة المقاتل الشجاع يستطيع عنترة أن يؤكد فكرة حريته وجدارته بهذه الحرية وبالتالي جدارته بحب ابنة عمه عبلة. ويحاول أن يربط بين فكرة البطولة وفكرة الحب.
وإذا كانت المعارك عند عنترة تنتهي بموت الخصم فإن فكرة الموت ظلت ماثلة أمام عيني عنترة حين قال: "إني امرؤ سأموت إن لم أقتل". ولا ينسى عنترة أن يصف في شعره عدة البطولة من خيل ورماح وسيوف ودروع. فالفارس البطل هو الذي يعنى بالسلاح وآلة الحرب وهو المقدام الذي لا يتراجع مهما كانت العقبات:
لَمّا رَأَيْتُ القَوْمَ أَقْبَلَ جمعهم ... يتذامرون كررتُ غير مذمّمِ
والفارس الشجاع والمغوار لا يداخله الخوف ولا يصيبه الوجل، والشجاعة تدفع صاحبها إلى عدم التفكير في المخاطر وتفرض عليه عدم التبصّر بالعواقب:
وإذا حملت على الكريهة لم أقل ... بعد الكريهة ليتني لم أفعل
إلى جانب شجاعته حاول عنترة أن يظهر متحلّيًا بكل الأخلاق الحميدة والصفات الكريمة التي يتصف بها خيار الناس والفرسان. وكانت غايته من حديثه عن الأخلاق رسم صورة خلقية كاملة تغطي بإشراقها في ظل العبودية والرق. فكانت البطولة جزءًا من الفروسية والرجولة الحقة تزينها الأخلاق العربية الأصيلة من صبر ونجدة وكرم وعفة ورقة وقسوة. ومع أن عنترة حاول تغطية عقدة النقص في نسبة فإنه كان لديه الاستعداد النفسي التام لتجسيد فكرة الأخلاق الكريمة والتغني بها والدفاع عنها:
وإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندىً ... وكما علمتِ شمائلي وتكرّمي
وهو صبور يتحمل المكاره حين يسيطر الضعف على الناس وتلعب بهم رياح الاستسلام:
وعرفت أنّ منيتي إنْ تأتني ... لا ينجني منها الفرار الأسرع
أمّا فكرة التعفف فهي ظاهرة في شعره، وحين يظن المقاتل أن غاية القتال هي الكسب والربح نرى عنترة يرتفع عن هذه المعاني ليبقى قتاله للقتال وبطولته للبطولة وحربه للحرب، أما الغنائم فذاك أمر يتركه لسواه:
يخبرك من شهد الوقيعة أنني ... أغشى الوغى وأعف عند المغنم
وقد تميز شعر عنترة بما تميز به الشعر العربي عمومًا من وقوف على الأطلال ذلك أن هذه الظاهرة هي التعبير الصادق عن حنين الشاعر وعن عاطفته. فما الأطلال إلا تلك المواطن التي عاش فيها الشاعر أو مر بها أو حدثت معه فيها حادثة هزت قلبه أو عصفت بوجدانه. والحديث عن الأطلال يقودنا إلى الكلام عن الغزل عند عنترة الذي هو غزل عذري يعني بالمرأة من خلقها وصفاتها ويعني بها كمثال كما يهدف إلى التغني بجمال نفسها:
وقال لها البدر المنير ألا اسفري ... فإنك مثلي في الكمال وفي السّعْدِ
والغزل العذري أمر طبيعي عند عنترة ينسجم مع توجهه الخلقي الذي أشرنا إليه والذي يطالع الديوان يجد أنه يكاد يخلو من وصف الجمال الجسدي إلا في أبيات معدودة، وإذا وردت بعض الأوصاف فإنها تكون بعيدة عن الفحش ومحاطة بسياج من الحشمة:
وألثمُ أرضًا أنت فيها مقيمة ... لعل لهيبي من ثرى الأرض يبردُ
وهو حين يصف حبيبته فإنه يراها من خلال نفسه الشفافة:
عربية يهتزّ لين قوامها ... فيخاله العشّاقُ رمْحًا أسْمَرَا
وإذا تطرّق عنترة في شعره إلى الحكمة فحكمته تدور حول الحياة والموت، فيلتقي مع طرفة بن العبد في أن الموت نهاية كل إنسان وخاتمة كل مطاف والكأس التي لا بد من ورودها والتي إذا جاء أوانها لا يمكن تداركها:
فأجبتها إن المنية منهل ... لا بد أن أُسقي بذاك المنهلِ]













مصادر و المراجع :

١- شرح المعلقات السبع

المؤلف: حسين بن أحمد بن حسين الزَّوْزَني، أبو عبد الله (المتوفى: 486هـ)

الناشر: دار احياء التراث العربي

الطبعة: الأولى 1423هـ - 2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید