المنشورات

ألا كل ماشية الخيزلى ... فدى كل ماشية الهيذبا

وهي من المتقارب الثالث وقافيتها من المتدارك.
الخيزلى: مشية فيها تفكك من مشي النساء, يقال: مشيت الخوزلى والخيزلى والخيزرى والخوزري بمعنى واحد. قال الشاعر: [الطويل]
من اللا تمشي بالضحى مرجحنةً ... وتمشي العشايا الحوزلى رخوة اليد
والهيذبى: ضرب من مشي الخيل, ويقال: الهيذبى والهيدبى, بالذال والدال. وبيت امرئ القيس ينشد على ثلاثة أوجه: [الطويل]
إذا راعه من جانبيه كليهما ... مشى الهيذيا في دفه ثم فرفرا
فرفر اللجام في فيه إذا حركته. يروى: الهيذبا والهيدبا بالذال والدال, وبعضهم يروي الهربذا, وفسروا الهربذا بأنه مشية الهرابذة, وهم الذين يصلون بالمجوس, ومعنى البيت الذى لأبي الطيب: ألا كل امرأة فداء لكل فرسٍ, كأنه ذم النساء, ومدح الخيل.
وقوله: [المتقارب]
وكل نجاةٍ بجاوية ... خنوف وما بي حسن المشى
يقال: ناقة نجاة في معنى ناجية, وهي السريعة التي تنجي صاحبها, وهذا اسم وضع للإناث دون الذكور؛ لأنهم قالوا للناقة: نجاة, ولم يقولوا للبعير نجًا. وبجاوية منسوبة إلى البجاة, ويقال: إنه اسم جيل من الناس, وقيل: بل البجاة البلد, ولهم نجب موصوفة, ويجب أن يكون قوله بجاوية منسوبًا على غير قياس (5/ب)؛ لأنه لو حمل على لفظ البجاة لقيل: بجوي.
والخنوف: التي تقلب خفها إلى جانبها الوحشي. والاسم: الخناف. والمشى: جمع مشيةٍ, كما يقال: الفرى: جمع فرية.
وقوله: [المتقارب]
ولكنهن حبال الحياة ... وكيد العداة وميط الأذى
جعل النوق حبالًا للحياة؛ لأنه يتوصل إليها بهن, وميط الأذى: إزالته, يقال: مطت الشيء, وأمطته: إذا أزلته.
وقوله: [المتقارب]
ضربت بها التيه ضرب القما ... ر إما لهذا وإما لذا
جعل ضربه التيه بهذه النجائب كضرب المقامر, إما له وإما عليه, وهو نحو من قوله: [الوافر]
وأيا شئت يا طرقي فكوني ... أذاةً أو نجاةً أو هلاكا
وقوله: [المتقارب]
إذا فزعت قدمتها الجياد ... وبيض السيوف وسمر القنا
جعل النجب تفزع, وإنما يفزع ركبانها, وقدمتها؛ أي: كانت قدامها, والخيل تكون مجنوبة إلى الإبل, فإذا أرادوا الغارة أو لقيهم عدو ركبوا الخيل, فكانت هي المتقدّمة, ومن ذلك قول الحطيئة: [البسيط]
مستحقبات رواياها جحافلها ... يسمو بها أشعري طرفه سام
يريد أنهم إذا فزعوا ركبوا الخيل, وسلوا السيوف, وأشرعوا الرماح.
وقوله: [المتقارب]
فمرت بنخلٍ وفي ركبها ... عن العالمين وعنه غنى
نخل: اسم موضع.
وقوله: [المتقارب]
وأمست تخبرنا بالنقا ... ب وادي المياه ووادى القرى
قوله: بالنقاب: هو من قولهم: ورد الماء نقابًا إذا لم يشعر به حتى يهجم عليه. وقد بالغ في صفة النجائب, فأخبر أنها تعلم الركبان بمكان المياه؛ فهي أعلم بها منهم. وقوله: وادي المياه ووادي القرى هو بدل تبيين من قوله: النقاب كما يقال: حدثني فلان عن الشام: حلب وجلق, والأردن.
وقوله: [المتقارب]
وقلنا لها أين أرض العراق ... فقالت ونحن بتربان هنا
تربان: موضع, وذكره يتردد كثيرًا في الشعر. قال النابغة الذبياني:
أو ذو وشومٍ بحوضى ظل منصلتًا ... يقرو الدكادك من تربان والأكما
وقوله: ها: حكاية عن الإبل؛ أي: هو قريب. وفي الكلام حذف؛ كأن المراد هذا هو, كأنها تومئ لهم إليه, وليس للألف في تربان حكم في هذا البيت؛ لأنه منفصل من ها. والشعر مقيد.
وقوله:
وهبت بحسمى هبوب الدبو ... ر مستقبلاتٍ مهب الصبا
حسمى: موضع, ويقال: إن بها ماءً من بقية الطوفان. وحدث محدث عن أبي الطيب أنه كان يصف حسمى بالطيب, وقال يومًا لبعض الناس: لو رأيت حسمى لرأيت أطيب بلاد الله.
وفي حسمى جبال, وهي التي ذكرها النابغة في قوله:
وأمسى عاقلًا بجبال حسمى ... دقاق الترب محتزم القتام
والصبا تجيء من مطلع الشمس. والدبور تقابلها. فدلّ هذا الكلام على أنها سائرة من المغرب إلى المشرق, واستعار الهبوب للعيس؛ لأنه شبهها بالريح.
وقوله: [المتقارب]
روامي الكفاف وكبد الوهاد ... وجار البويرة وادي الغضا
هذه كلها أسماء مواضع. وقوله: روامي الكفاف يعني العيس؛ أي: أنها قد رمت بأنفسها هذه المواضع.
وقوله: [المتقارب]
وجابت بسيطة جوب الردا ... ء بين النعام وبين المها
بسيطة: موضع, ربما سلكه حجاج بيت الله الحرام, وهي معرفة لا تدخلها الألف واللام.
والبسيطة في غير هذا الموضع بين مكة والكوفة, وقول الراجز:
إنك يا بسيط التي التي ... أنذرنيك في الطريق إخوتي
يحتمل أن يريد بسيطة هذه, ويجوز أن يعني البسيطة التي تقدم ذكرها. وجابت؛ أي: قطعت.
والمها: بقر الوحش سمين بذلك لبياض ظهورهن, ويصفون الأشياء البيض بمهًى؛ فالمها البلور, ويقولون للأسنان مهًا.
قال المسيب بن علس: [الكامل]
ومهًا يرف كأنه إذ ذفته ... عانية شجت بماء يراع
(6/أ) ويجعلون الشمس مهاة؛ لأنهم يصفونها بالبياض, وقال الشاعر, وهو يريد الشمس: [الطويل]
وبيضاء لم تطبع ولم تدر ما الخنا ... ترى أعين الفتيان من دونها خزرا
وقال أبو الصلت الثقفي: [الخفيف]
ثم يجلو الظلام رب قدير ... بمهاة لها ضياء ونور

وقوله:
إلى عقدة الجوف حتى شفت ... بماء الجراوي بعض الصدى
عقدة الجوف: موضع, والجراوي: ماء معروف. أنشد ابن الأعرابي: [الطويل]
ألا لا أرى ماء الجراوي شافيًا ... صداي وإن روى غليل الركائب
وقوله:
ولاح لها صور والصباح ... ولاح الشغور لها والضحى
ذكر عن أبي الفتح ابن جني - رحمه الله - أنه قال كلامًا معناه: صور: لا يعرف في المواضع وإنما المعروف صورى, وإنما أخذه أبو الفتح من الكتب الموضوعة في المقصور والممدود.
وإنما أراد أبو الطيب صوأر فألقى حركة الهمزة على الواو وحذفها, وقد ذكر الفرزدق هذا الموضع في شعره فقال: [الطويل]
فما جبرت إلا على عنتٍ بها ... قوائمها إذ عقرت يوم صوأر
وفى هذا الموضع كانت المعاقرة بين غالب أبي الفرزدق, وسحيم بن وثيلٍ الرياحي,والمعنى أن هذا الموضع لاح للابل مع الصباح, ولاح الشغور لها مع الضحى, ويجوز في الصباح الرفع على العطف, والنصب على أنه مفعول معه, وكذلك يجوز في الضحى والشغور, ويجوز أن يكون اشتقاقه من قولهم: بلاد شاغرة, إذا لم يكن لها من يحميها.
وقوله:
ومسى الجميعي دئداؤها ... وعادى الأضارع ثم الدنا
الدئداء: شدة العدو, ويقال: دأدأ ديداءً.
قال الشاعر: [البسيط]
واعرورت العلط العرضي تركضه ... أم الفوارس بالدئداء والربعه
يريد أنها جاءت هذه المواضع, وهي تعدو. والجميعي والأضارع والدنا: مواضع, ويقال: إن الدنا اسم ماء. وقوله:
فيالك ليلًا على أعكشٍ ... أحم البلاد خفي الصوى
أعكش: موضع, وليس في أصول الأسماء على راي سيبويه شيء على أفعل, وإنما هي جموع يسمى بها أو أفعال مضارعة, مثل أعكش وأذرح وأثمد. فأثمد جمع ثمدٍ وهو الماء القليل, أو يكون سمي فيما قيل بالفعل المضارع من قولهم: ثمدته أثمده إذا أخذته شيئًا فشيئًا, وأذرح يجوز أن يكون جمع ذرحٍ, وهو خشب تعمل منه الرحال, وأعكش من قولهم: عكشت الشيء إذا جمعته, وتعكش الشيء إذا تقبض.
وبيت دريد بن الصمة ينشد على وجهين: [الطويل]
وأنت امرؤ جعد القفا متعكش ... من الأقط الحولي شبعان كانب
يروى المتعكش بالشين, أي: المتقبض, ومتعكس, أي: يشرب العكس, وهو لبن يصب على مرق. وأحم البلاد؛ أي: أسودها, والصوى جمع صوةٍ, وهي حجارة تنصب ليهتدى بها, وقيل: بل الصوة أرض غليظة. وفي حديث أبي هريرة: «إن للإسلام صوى ومنارًا كمنار الطريق» , وهذا البيت يروى لامرئ القيس وغيره: [الطويل]
وهبت لنا ريح بمختلف الصوى ... صبا وشمال في منازل قفال
وقوله:
وردنا الرهيمة في جوزه ... وباقيه أكثر مما مضى
الجوز: الوسط, وبعض من لا علم له بالعربية يسأل عن هذا البيت, يظن أنه مستحيل؛ لأنه يحسب أنه لما ذكر الجوز وجب أن تكون القسمة عادلة في النصفين, فيذهب إلى أن قوله وباقيه أكثر مما مضى نقيض الكلام المتقدم, وليس الأمر كذلك, ولكنه جعل ثلث الليل الثاني كالوسط, وهو الجوز, ثم قال: وباقيه أكثر مما مضى, كأنه ورد والثلث الثاني قد مضى منه ربعه, وبقي ثلاثة أرباعه أو أكثر, وهذا بين واضح, والهاء في باقيه يجوز أن ترجع إلى الجوز, وإلى الليل.
وقوله:
فلما أنخنا ركزنا الرما ... ح فوق مكارمنا والعلى
أي أسندناها إلى شيء, كما جرت العادة؛ كأنه ذهب في هذا القول إلى أنهم لم يكن معهم شيء تركز إليه الرماح؛ لأنها يعتمد بها المكان العالي, فركزوها فوق مكارمهم؛ لأنها رفيعة عالية.
وقوله:
ونام الخويدم عن ليلنا ... وقد نام قبل عمىً لا كرى
جرت عادة الناس بأن يسموا الخصي خادمًا؛ وذلك شيء مصطلح عليه, وكل من خدم فهو مستحق لهذا الاسم من فحل, وخصي, ولكنهم لما رأوا الخصي ناقصًا عن رتبة الفحل قصروه على هذا الاسم, كأنه لا يصلح لغير الخدمة. والعمى هاهنا عمى القلب.
وقوله:
بها نبطي من أهل السواد ... يدرس أنساب أهل الفلا
(6/ب) يعني بالسواد سواد العراق, وقد خص بهذا الاسم, ويرون أنهم يسمّونه بذلك لكثرة الخضرة فيه, لأنهم إذا وصفوا الليل بالسواد وصفوه بالخضرة.
قال القطامي: [الرجز]
يا ناق سيري عنقًا زورا ... وبادري الليل إذا ما اخضرا
وفي الكتاب العزيز: {مدهامتان} أي قد اخضرّتا جدا فكأنهما سوداوان, ومدهامتان مفعالّتان من الدهمة.
وقوله: من أهل السواد: ألقى حركة الهمزة على النون, وذهب مذهب ورشٍ في القراءة, وهو كثير في الشعر الفصيح؛ ومنه قول سعد بن أبي وقاص: [الوافر]
ألا هل اتى رسول الله أني ... حميت صحابتي بصدور نبلي
يعرض بالوزير أبي الفضل جعفر بن الفرات ابن حنزابة رحمه الله؛ لأنه لم يحظ عنده بطائل.
ويقال: إن القصيدة الرائية التي في ابن العميد كانت فيه, وبناها على قوله جعفر ليكون ذلك في القافية, وكان قد نظمها على قوله: يابن الفرات وأي عبدٍ كبرا, فلما لم يرضه صرفها إلى ابن العميد, ولم ينشده إياها.
وقوله:
وأسود مشفره نصفه ... يقال له أنت بدر الدجى
المشفر: إنما هو لذوات الخف, وإذا أرادوا وصف الرجل بالغلظ والجفاء جعلوا له مشافر؛ أي: كأنه من جملة الإبل:
أي: كأنه من جملة الإبل:
[ولو كنت ضبيًا عرفت قرابتي ... ولكن زنجيًا عظيم المشافر]
وشعرٍ مدحت به الكركد ... ن بين القريض وبين الرقى
الكركدن: لفظه ليست بالعربية, وليس لها مثال في كلامهم, وقد كثرت الأحاديث عن الكركدن. والذي ذكر ابن الأعرابي أنه دابة أصغر من الفيل له قرن واحد, وزعم أنه يسمى الهرميس وأنشد: [الرجز]
بالموت ما عيرت يا لميس ... قد يهلك الأرقم والفاعوس
والأسد المذرع الحوؤس ... والفيل لا يبقى ولا الهرميس
والقريض: اسم للشعر, وهو مأخوذ من قرضت الشيء إذا قطعته, شبه بقريض البعير, وهي الجرة التي يخرجها إلى فيه؛ لأن الشاعر يخرجه من صدره إلى فمه, وقالوا في المثل: «حال الجريض دون القريض» , والجريض: الغصص, فقيل: أرادوا حال الغصص دون إخراج الجرة, وقيل: بل القريض في المثل الشعر بعينه, وزعموا أن أصل ذلك أن عمرو بن هند كان له يوم بؤس ويوم أنعم, فكان إذا لقيه رجل في يوم بؤساه قتله, وإذا لقيه بعض الناس في يوم نعماه أحسن إليه, فلقيه عبيد بن الأبرص في يوم بؤساه, فقال له عمرو: أنشدني قولك: [مخلع البسيط]
أقفر من أهله ملحوب
فقال عبيد: «حال الجريض دون القريض» , وهم يفرقون بين القريض والرجز؛ قال الأغلب العجلي, وقد سئل عن الشعر: [الرجز]
أرجزًا تريد أم قريضا
أم هكذا بينهما تعريضا
كلاهما أجد مستفيضا
ويروى: كليهما. فقد فرق الأغلب بين النوعين.
وقول أبي الطيب: بين القريض وبين الرقى كأنه ممزوج منهما؛ أي: «أردت خديعته به».












مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید