المنشورات

ما أنصف القوم ضبه

وهي من المجتث عند الخيل. ضبة الذي هو اسم الرجل يحتمل وجوهًا من الاشتقاق, منها: أن يكون مسمى بأنثى الضب, أو بالضبة التي هي الطلعة قبل أن تنفتح, أو بالضبة من الحديد, ويجوز أن يكون من قولهم: ضبت لثته؛ إذا سال لعابه من الحرص.
قال عنترة: [الطويل]
أبينا أبينا أن تضب لثاتكم ... على نسوةٍ مثل الظباء عواطيا
وقالوا: بضت يده دمًا, وضبت كأنه مقلوب, وينشد لأيوب بن عبيدٍ العنبري: [الطويل]
ويوم كتنور الإماء سجرنه ... وألقين فيه الجزل حتى تضرما
رميت بنفسي في أجيج سمومه ... وبالعنس حتى ضب منسمها دما
ويقال: ضب الحالب إذا جمع الخلفين بكفيه. قال الشاعر: [الطويل]
جمعت له كفي بالرمح طاعنًا ... كما جمع الخلفين في الضب حالب
وقوله:
وأمه الطرطبه
الطرطبة: العظيمة الثديين, ويجوز أن يكون قبل لها ذلك لأن ثديها إذا وقع على صدرها سمع له صوت, والطرطبة: صويت يخرجه الراعي من بين شفيته, وسموا ذلك الصويت الطرطب, قال الراجز: [الرجز]
إن أباك زهزق دقيق ... لا حسن الوجه ولا عتيق
تضحك من طرطبه العنوق زهزق: خفيف طائش العقل, قال الراجز: [الرجز]
لما رآني قد أتيت طحربا ... وفر مني فرقًا وطرطبا
ويجوز أن يكون طرطب في هذا الموضع كنايةً عن صوتٍ يخرج من البطن, والمعروف من كلامهم طرطبة, بسكون الراء. وفي حديث علي عليه السلام «أنه تزوج امرأة فسئل عنها قال: فوجدتها ضبعًا طرطبه». وإذا سكنت الراء في هذا البيت لحق الوزن شيء لا بأس به, إلا أن تسكينها يجعل بين النصفين فرقًا في الغريزة. وأصحاب الخليل ينكرون ذلك, وهو عند غيرهم جائز بلا امتراء. ويجوز أن يكون أبو الطيب قاله بتسكين الراء, وذلك أشبه به, وتحريكها أوزن, إلا أنهم يجيزون ضم الساكن الذي في فعل الثلاثي, فإذا كان أول الكلمة مضمومًا, وثانيها ساكنًا, وجاء صدرها على فعل, بفتح اللام, أو فعل, بضمها, لم يستعلموا فيها ما استعملوه في شغلٍ وصبحٍ, وآثروا الإسكان. وقد حكى سيبويه حرفًا شاذًا, وهو قولهم: السلطان, بضم اللام.
وروي أن عيسى بن عمر قرأ: {حتى يأتينا بقربانٍ تأكله النار}.
فأما مثل طرطبة فلم يأت فيه تحريك الثاني, وليس بأبعد من غيره إن جاء.
وقوله:
رمواة برأس أخيه ... وناكوا الام غلبه
غلبة كالمصدر لغلبت, يقال: غلبته غلبًا وغلبًا وغلبةً وغلبةً.
وقوله:
وحيلةً لك حتى ... عذرت لو كنت تئبه
يقال في الماضي: ما أبهت له, وما أبهت. فمن قال أبهت فإن بعض العرب إذا كان الماضي على فعل يجيز كسر أول المضارع مع حروف المضارعة الثلاثية, فيقول: إيبه وتئبه ونئبه, فإذا صاروا (31/أ) إلى الياء فتحوا أول المضارع, هذه حكاية سيبويه. وزعم الفراء أن قومًا من كلبٍ يكسرون مع الياء, ومن هذا النحو قولهم: إخال في أخال؛ لأن الماضي خلت, ولا يحسن أن تجعل الهمزة في تئبه ياءً في هذا الشعر؛ لأنه يصير سنادًا, وقد جعل أبو الطيب الهاء الأصلية وصلًا مع هاءات الإضمار في غير موضع, كقوله: تئبه وأشبه, وقوله:
.............. ... ............ يا فردًا بلا مشبه
وليس ذلك بعيبٍ, وتركه أحسن.
وقوله:
ولم ينكها ولكن ... عجانها ناك زبه
العجان: ما بين بيضتي الإنسان ودبره, وقد استعمل في المرأة والرجل والناقة, قال الشاعر: [الطويل]
تركت العبدى ينقرون عجانها ... كأن غرابًا فوق أنفك واقع
وقوله:
وليس بين هلوكٍ ... وحرةٍ غير خطبه
الهلوك: الفاجرة؛ لأنها تتهالك على الرجال؛ أي: تلقي نفسها إليهم, قال أبو دؤاد: [المتقارب]
غدونا به كسوار الهلو ... ك مضطمرًا حالباه اضطمارا
وقوله:
يا قاتلًا كل ضيفٍ ... غناه ضيح وعلبه
الضيح: اللبن الذي يمزج بماءٍ كثيرٍ, يقال: ضيحت الضيف؛ إذا سقيته الضيح. قال الراجز: [الرجز]
امتحضا وسقياني ضيحا ... وقد كفيت صاحبي الميحا
وفي الحديث أن عمار بن ياسرٍ أتي بضيحةٍ من لبنٍ وهو يقاتل مع علي, فقال: «خبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها آخر رزقي».
والعلبة: إناء من جلودٍ يجعل حوله قضيب ويشرب فيه ويحتلب, ويجمع علبًا وعلابًا, وعلب أكثر, وهذا البيت ينشد على وجهين: [الخفيف]
صاح أبصرت أو سمعت براعٍ ... رد في الضرع ما قرى في العلاب 
ويروى: الحلاب. فالعلاب: جمع علبةٍ, والحلاب: ما حلب من اللبن, وقيل: بل الحلاب الإناء الذي يحتلب فيه.
وقوله:
وخوف كل رفيقٍ ... أباتك الليل جنبه
يقال: بات الرجل بموضع كذا, وأباته غيره. قال الشاعر, ويقال: إنه لجذيمة الأبرش: [مجزوء الرمل]
ربما أوفيت في علمٍ ... يرفعن ثوبي شمالات
في فتو أنا رابئهم ... من كلال غزوةٍ ماتوا
ليت شعري ما أباتهم ... نحن أدلجنا وهم باتوا
وقوله:
على نسائك تجلو ... فعولها منذ سنبه
يقال سبة من الدهر وسنبة, وأصل السبة من الدهر من السب الذي هو قطع؛ لأنها كالقطعة من الدهر.
وفي كتاب العين أن قومًا من العرب الذين بنواحي حمص يبدلون من أول الحرفين اللذين فيهما تشديد نونًا فيقولون: حنظ في حظ, فيجوز أن يكون قولهم: سنبة في سبةٍ من هذه اللغة. وقد حكوا: مضى سنبت من الدهر, وسنبتة؛ أي: وقت طويل, فيحتمل أن يكون من قولهم: مضى سبت من الدهر؛ أي: حين, وتكون النون زائدة, قال لبيد: [الكامل]
وغنيت سبتًا قبل مجرى داحسٍ ... لو كان للنفس اللجوج خلود
وقال الأغلب العجلي: [الرجز]
رأت غلامًا قد صرى في فقرته ... ماء الشباب عنفوان سنبته
فيجوز أن يكون أراد سنبةً, فلما أضاف الكلمة إلى الهاء ثبتت تاء التأنيث كما تثبت في الإدراج, وكانت التاء في سنبته مثلها في رحمته, ويحتمل أن يكون أراد السنبت الذي التاء فيه أصلية, فأضافه إلى الهاء.
وقوله:
وهن حولك ينظر ... ن والأحيراح رطبه
الكلمة التي أولها حاء مكسورة وآخرها راء قد حذفت منها حاء هي آخر الاسم. ولا يعلم أن الحاء حذفت في شيء غير هذه اللفظة, وإنما استدلوا على ذلك بالجمع والتصغير, وأنشد قطرب: [الرجز]
لقد أقود جملًا ممراحا ... وقبةً حاملةً أحراحا
وقوله:
وكل غرمول بغلٍ ... يرين يحسدن قنبه
الغرمونل: يستعمل في ذوات الحافر, وربما استعمل للرجال. وفي الحديث أن عبد الله بن عمر دخل الحمام فلما رأى غراميل الرجال غشي عليه. والقنب: وعاء قضيب الفرس وغيره من ذوات الحافر, قال الراجز:
عمارة الوهاب خير من أنس ... وزرعة الفساء شر من علس
وأنا خير منك يا قنب الفرس
يقال: إنه شبهه بالقنب؛ لأنه كان أسود.
وقوله: (31/ب)
وإن يخنك لعمري ... لطال ما خان صحبه
يقال: لعمري, ورعملي على القلب, وهذا الحرف من نادر كلامهم؛ لأنهم جعلوا لام الابتداء في آخر الحرف وقدموا راء عمروٍ, وهذا كلام جاء على الحذف, يقال: لعمري؛ أي: لعمري ما أحلف به, ويقال: هو عمر الإنسان وعمره, فإذا جاؤوا باللام واستعملوه في القسم لزموا فتح العين, وإذا قالوا: عمرك الله فإنما يريدون بعبادتك إياه وخدمتك, وكأنه مأخوذ من العمر الذي هو الزيادة, ومن ذلك اشتقاق عمرة الحج. وأنشد ابن الأعرابي لغالب بن الحر الجعفي: [الطويل]
تطوف بها الزوار كل عشيةٍ ... كما طافت العمار بين المناسك
ويجوز أن يكون أصل قولهم: لعمروا الله من قولك: إن عمره دائم بلا نفادٍ, ويقولون: عمرتك الله, أي: قلت لك, عمرك الله, قال الشاعر: [البسيط]
عمرتك الله إلا ما ذكرت لنا ... هل كنت جارتنا أيام ذي سلم
وقوله:
وقلت ليت بكفي ... عنان جرداء شطبه
الشطبة من الخيل: السبطة العظام, القليلة اللحم, وإنما يستعملونه في الإناث, قال عبد يغوث الحارثي:
ولو شئت نجتني من الموت شطبة ... ترى خلفها الجرد العتاق متاليا
وقالوا: غلام شطب, يريدون به خفة اللحم, قال الراجز:
ترى مع القوم الغلام الشطبا ... إذا أحس وجعًا أو كربًا
دنا فما يزداد إلا قربا
ويجوز أن يكون قولهم للغلام: شطب, تشبيهًا بالشطبة, وهو ما يشق من جريد النخل.
وفي حديث أم زرعٍ: «مضجعه كمسل الشطبة» , يقال: شطبت المرأة جريدةً؛ إذا شقتها لتتخذ الحصر, قال قيس بن الخطيم: [الطويل]
ترى قصد المران تهوي كأنها ... تذرع خرصانٍ بأيدي الشواطب
ومن ذلك قيل: شطائب السنام, الواحدة شطيبة, وهي قطع مستطيلة منه, قال الشاعر: [البسيط]
عاذت ولما تعذ منه براكبها ... حتى اتقاها بنكلٍ غير مسمور
ثم امتطاها فجلى عن شطائبها ... معود ضرب أعناق البهازير
الراكب: السنام. والنكل: أصله القيد, يريد أنه عرقبها بالسيف فجعله كالنكل لها.
والبهازير: الضخام من الإبل, وهي البهازر أيضًا.









مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید