المنشورات

أحاد أم سداس في أحاد ... لييلتنا المنوطة بالتناد

وهي من الوافر الأول على رأي الخليل, ومن السحل الرابع على رأي غيره.
أحاد: فعال, يذهب قوم إلى أنه يستعمل من الواحد إلى العشرة, وبعض الناس يزعم أنه مقصور على الواحد, ثم ما بعده إلى الأربعة, وهو لا ينصرف في معرفةٍ ولا نكرةٍ, قال الهذلي: [الوافر]
أحم الله ذلك من لقاءٍ ... أحاد أحاد في الشهر الحلال
ويجب أن يكون هذا الكلام على تقدير ألف الاستفهام, ويدل على ذلك مجيء أم في آخره, كأنه قال: أواحدة أم ست هذه الليلة.
وحكي عن أبي الفتح بن جني - رحمه الله - أنه كان يحتج لتخصيص أبي الطيب سداس دون غيره مما هو أكثر بأن الله سبحانه خلق السموات والأرض في ستة أيام. يريد أن هذه الليلة طويلة كأنها الأيام الستة التي خلقت فيها السماوات والأرض؛ إذ كان كل يوم من أيام الله سبحانه كألف سنةٍ مما يعده بنو آدم بدليل قوله تعالى: {وإن يومًا عند ربك كألف سنةٍ مما تعدون}؛ وهذا قول حسن. ومما يجوز أن يقال في هذا المعنى أن الحديث جاء فيه «أنه إذا جاءت القيامة وقضى الله أنت طلع (46/ب) الشمس من مغربها تأخر طلوعها ثلاثة أيامٍ, فينكر الناس ذلك, ويفزعون إلى المساجد, ثم تطلع بعد ثلاث ليلٍ سوداء» ,
والثلاثة الأيام إذا لم تطلع فيها الشمس صارت كثلاث ليالٍ؛ فهي حينئذ ست. ويقوي هذا القول قوله: «لييلتنا المنوطة بالتناد»؛ لأن طلوع الشمس من مغربها يتصل بالقيامة, وصغر الليلة على معنى التعظيم, كما قال لبيد: [الطويل]
وكل أناسٍ سوف تدخل بينهم ... دويهية تصفر منها الأنامل
والبصريون المتقدمون لا يرون تصغير الشيء على معنى التعظيم, ويرون أن قول لبيد دويهية وهو يريد الموت فصغرها؛ إذ كان الموت لا يرى, فكأنه خفي إذ كان العيان لا يدركه.
وقوله:
كأن بنات نعشٍ في دجاها ... خرائد سافرات في حداد
بنات نعشٍ في السماء: في موضعين: إحداهما يقال لها بنات نعشٍ الكبرى, والأخرى بنات نعشٍ الصغرى. والبنات نجوم ثلاثة, والنعش أربعة. وربما جاء في الشعر بنو نعشٍ في موضع بنات نعشٍ كأنه لما حكم لها بالبنوة ذكرها؛ لأن النجم مذكر, وينشد هذا البيت: [الطويل]
شربت بها والديك يدعوه صباحه ... إذا ما بنو نعشٍ دنوا فتصوبوا
وهذا من نحو قوله جلت عظمته: {رأيتهم لي ساجدين} , لما أخبر عن الكواكب والشمس والقمر كما يخبر عن الآدميين جمعهم بالياء والنون. وسافرات: من قولهم: سفرت المرأة إذا ألقت خمارها عن وجهها, والمصدر السفور. وقال توبة: [الطويل]
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها
والحداد: ما لبس من السواد للحزن, وهو من قولهم: أحدت المرأة وحدت؛ إذا تركت الخضاب والزينة بعد وفاة زوجها.
وقوله:
أفكر في معاقرتي المنايا ... وقودي الخيل مشرفة الهوادي
إذا وقف الواقف على معاقرة بالهاء وجعل القود مضافًا إلى الخيل فالمعنى صحيح. وأحسن من ذلك أن تكون المعاقرة مضافةٍ إلى الياء, وكذلك القود, وتكون المنايا والخيل في موضع نصبٍ؛ لأن أبا الطيب كان يؤثر أن يصف نفسه كثيرًا, وإضافة هاتين الكلمتين إلى نفسه أبلغ من ترك الإضافة؛ لأنه إذا لم يضف جاز أن يكون فكره في معاقرة الناس, وقود الخيل التي يقودها غيره, والمعاقرة لزوم الشيء, يقال: عاقر الخمر؛ إذا أدمن شربها, ومنه قول الوليد ين يزيد:
إنهم قد عاقروا اليو ... م عقارًا مقديه
وقيل: إنما سميت العقار عقارًا لمعاقرتها الدن؛ أي: لزومها إياه.
والهوادي: الأعناق وكل ما تقدم شيئًا فهو له هادٍ, ومن ذلك قيل لمتقدمات الوحش هاديات. وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر معناه «أن ضباعة ذبحت شاةً, فبعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم أن أرسلي إلي بشيءٍ منها؛ فقالت لم يبق عندي إلا الرقبة, وأنا أكره أن أوجه بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأرسل إليها أن ابعثي بها؛ فإنها هادية الشادة وأبعد الشاة من الأذى».
ولم تجئ الهادية بالهاء في معنى العنق إلا في هذا الحديث, ونصب مشرفةً على الحال, وهي نكرة, لأن اسم الفاعل إذا كان في معنى الحال أو الاستقبال لم يتعرف بالإضافة إلى المعرفة, فكأنه قال: مشرفةً هواديها.
وقوله:
زعيمًا للقنا الخطي عزمي ... بسفك دم الحواضر والبوادي
الزعيم: الكفيل. ويقال لرئيس القوم زعيمهم؛ لأنه يكفل أمورهم. وزعم الرجل إذا كفل, وقال الجعدي, ويروى لأمية. [المنسرح]
نودي قيل اركبن بأهلك إن ... ن الله موفٍ للناس ما زعما
فهذا في معنى الكفالة, وهو الأصل في هذا اللفظ, وقال آخر في صفة فرسٍ:
تصب لها نطاف القوم سرا ... ويشهد خالها أمر الزعيم
خالها: أي الذي يحسن القيام عليها, أي: الرئيس, وهو (47/أ) راجع إلى معنى الكفالة. والحواضر: جمع حاضرةٍ, وأصل ذلك أنهم كانوا يقولون لمن نزل على الماء قد حضر, ويقولون: كان فلان في الحاضر إذا كان في القوم النزول على الماء. قال الشاعر:
يا حاضري الماء لا معروف عندكم ... لكن أذاكم إلينا حاضر باد
ثم قالوا لأهل المدن حاضرة وحواضر؛ لأنهم لا يكونن إلا على ماءٍ إما جارٍ وإما غير جارٍ. والبادية: ربما أقاموا أيامًا لا يردون الماء. وإنما قيل: بادٍ وبادية؛ لأنهم يبدون للنظر. والذين يحضرون على الماء إن كانوا أهل مدنٍ فإنهم يستترون بالجدر, وإن كانوا في غير الأمصار جاز أن يتخذوا خيامًا من الشجر فيتظللوا بها.
وقوله:
متى لحظت بياض الشيب عيني ... فقد وجدته منها في السواد
أي: إني إذا لحظت بياض الشيب فكأني لحظت به بياضًا في سواد عيني, ولا يمكنه أن يلحظ سواد عينه إلا في المرآة, ولولا أنه بين سواد العين في هذا البيت لجاز أن يحمل على سواد القلب, فيكون نحوًا من قول الطائي: [الخفيف]
شاب رأسي وما عهدت مشيب الر ... أس إلا من فضل شيب الفؤاد
إلا أن الطائي جعل مشيب فؤاده متقدمًا شيب رأسه, وأبو الطيب جعل البياض في سواد عينه من أجل حزنه لبياض الشيب.
وقوله:
جزى الله المسير إليه خيرًا ... وإن ترك المطايا كالمزاد
أي: أنها قد هزلها السير فتركها كالمزاد التي نضب ماؤها, واشتد عليها الهجير, فتناهى يبسها. والمزاد: جمع مزادةٍ, وجمعها مزايد, ويجب ألا تهمز؛ لأن ألفها منقلبة عن حرفٍ أصلي, قال الشاعر: [الطويل]
مزايد خرقاء اليدين مسيفة ... أخب بهن الساقيان وأحفدا
والناس يقولون: حملوا الزاد والمزاد, يعنون بالزاد ما كان للأكل, وبالمزاد ما يوعون فيه الماء. فأما الزاد فقد ثبت أنه من ذوات الواو؛ لأنهم قالوا: تزودوا, وزودتهم, وذلك كثير في الشعر, قال قيس بن الخطيم: [الطويل]
تروح من الحسناء أم أنت مغتدٍ ... وكيف انطلاق عاشقٍ لم يزود
وأصل التزويد في الطعام, ولكن الشعراء نقلته إلى ما يفعله المحبوب من وصالٍ أو حسن وداع.
ومن الزاد اشتق المزود. فأما المزاد فلا يمتنع أن يكون اشتقاقها من التزويد, والأقيس أن يكون من الزيادة. وكان القوم يكون معهم الزاد ويزادون الأسقية للسفر, ويقوي هذا المذهب قولهم في الجمع: مزايد, ولو كانت من ذوات الواو لوجب أن يقال: مزاود, كما يقال في جمع الملامة: ملاوم, وفي جمع مقامٍ: مقاوم, ولم يقولوا: مقايم ولا ملايم. ويروى للأخطل: [الطويل]
وإني لقوام مقاوم لم يكن ... جرير ولا مولى جريرٍ يقومها
ولقائل أن يقول: أصل مزادٍ من الزاد إلا أنهم آثروةا الياء في غالجمع ليفرقوا بين ما يحمل فيه الماء وبين ما يحمل فيه المأكول, كما قالوا: أعياد في جمع عيدٍ, وهو من ذوات الواو ليفرقوا بينه وبين أعوادٍ جمع عودٍ, ومعنى البيت هو الذي تقدم. ويجوز لقائل أن يدعي أنهم طمؤوا الإبل, وسقوها الماء ليستعينوا به في المفاوز إذا افتظوا كروشها عند شدة الظمأ, كما قال علقمة: [البسيط]
وقد أصاحب أقوامًا طعامهم ... خضر المزاد ولحم فيه تنشيم
فذكروا أنه يريد بخضر المزاد كروش الإبل التي يفتظون, ولما كان ذلك يستعمل مع اللحم المنشم جاز أن يجعله طعامًا. ومن هذا النحو قول القائل: [الكامل]
ضمنت لهم أرماقهم أسآرها ... وجرومها كأهلة المحل
وردوا بأرشية الحديد ففرجوا ... عن فائر الجنبات كالغسل
وقال آخر: [السريع]
مزادة الراكب فيها إذا ... لم ينتض المخصف لم تفتح
يعني بالمزادة كرش البعير أو الناقة, وبالمخصف السيف.
وقوله: [الوافر]
فلم تلق ابن إبراهيم عنسي ... وفيها قوت يومٍ للقراد
(47/ب) العنس: الناقة القوية المسنة. يقول: لم تلق هذا الممدوح ناقتي وفيها للقراد قوت يومٍ, وهذه مبالغة تخرج إلى الكذب, والعرب تصف القراد بترقيه في المهزول وقلة ثباته على السمين, قال الأسود بن يعفر: [الكامل]
عيرانةٍ سد الربيع خصاصها ... لا يستبين بها مقيل قراد
ومن ذلك قول الراعي: [الكامل]
بنيت كواهلهن فوق مزلةٍ ... لا يستطيع بها القراد مقيلا
وقال الراجز في صفة القراد وترقيه في المهزول من الإبل: [الرجز]
إن بني بهثة يرتقون في ... ترقي القراد في القود الرذي
ويروى: العلي. وقال آخر: [الطويل]
ظلت ثلاثًا لا تراع من الشذى ... وإن ظل في أوصالها العل يرتقي
يعني بالعل القراد. والقراد اسم يقع على الذكر والأنثى. وأصحاب المعاني ينشدون هذا البيت: [الوافر]
وما ذكر فإن يكبر فأنثى ... شديد الأزم ليس بذي ضروس
يعنون أنه يقال له قراد ما دام صغيرًا, وهذا اسم مذكر, فإذا كبر قيل له حلمة, فأنث.
وقال آخر: [البسيط]
إني وجدت بني سلمى بمنزلةٍ ... مثل القراد على حاليه في الناس
وقالوا في جمعه: قرد وقردان. وقالوا للنقرة التي وراء الحافر: أم القردان وأم القرد؛ لأن القراد يحل بذلك الموضع, قال ذو الرمة: [الطويل]
رمى أمهات القرد وخز من السفا ... وأحصد في قريانه الزهر النضر
وقوله: [الوافر]
ألم يك بيننا بلد بعيد ... فصير طوله عرض النجاد
وأبعد بعدنا بعد التداني ... وقرب قربنا قرب البعاد
في صير ضمير عائد على المسير, وكذلك في أبعد وقرب, والمعنى أنه دعا للمسير بأن يجزى خيرًا؛ لأنه قرب الأمد الذي كان بينه وبين الممدوح, فصير مقداره كعرض النجاد, وهو ما يقع على الكتف من حمائل السيف. وقال دريد بن الصمة: [الوافر]
أعاذل إنما أفنى شبابي ... ركوبي في الصريخ إلى المنادي
مع الفتيان حتى سل جسمي ... وأقرح عاتقي حمل النجاد
وكان في كندة ملك يعرف بمقطع النجد, وذلك أنه كان مولعًا بتقطيع نجد السيوف التي يحملها من يركب معه, يقول: كان تدانينا بعيدًا فأبعد المسير بعدنا فصيره
في النأي بمنزلة ما كان عليه التداني من قبل, وجعل قربنا قريبًا منا كما كان البعاد في أول الدهر مقارنًا لنا.
وقوله:
تهلل قبل تسليمي عليه ... وألقى ما له قبل الوساد
نتهلل الرجل: إذا ضحك واستبشر, وكذلك تهلل السحاب: إذا برق, قال الشاعر: [الطويل]
وإني وإن شطت نواها لقائل ... سقى آل هند العارض المتهلل
فأما قولهم: استهل السحاب فإنهم يريدون به شدة وقعه, أخذ من الإهلال, وهو رفع الصوت, يقول: عجل إلي بالمال قبل أن يطرح لي الوساد كي أجلس.
وقوله:
نلومك يا علي لغير ذنبٍ ... لأنك قد زريت على العباد
وأنك لا تجود على جوادٍ ... هباتك أن يلقب بالجواد
يقال: زرى عليه؛ إذا عاب فعله. وقوله: نلومك, يريد يلومك بعضنا؛ لأن المادح لا يجوز أن يكون من اللائمين, وهذا من الكلام الذي كأنه عموم وهو على التخصيص, كما يقال: الناس يلومون فلانًا على كذا, أي: بعضهم. وزريه على العباد أنه قد أعلمهم أنهم بخلاء لا جواد فيهم, فلم يبق أحد يقال له: جواد, وكان كثير من المتأدبين يروون تلقب بالتاء, وتلك غباوة بينة, وإنما المعنى أن هباتك مرفوعة بفعلها, وهو (48/أ) تجود, كأنه قال: لا تترك هباتك أحدًا يلقب بالجواد. فأما من روى تلقب بالتاء فيلزمه أن يرفع هباتك بالابتداء ويحيل المعنى إلى غير ما أراده القائل.
وقوله:
ويم جلبتها شعث النواصي ... معقدة السبائب للطراد
الهاء في جلبتها راجعة إلى الخيل, ولم يتقدم لها ذكر في المديح, وقد ذكرها في أول القصيدة, وهذا من باب إضمارهم الشيء قبل ذكره لعلم السامع بما يريدون, ومنه قول النابغة: [الوافر]
فأقبلهن بطن الأرض شعثًا ... يصن المشي كالحدإ التؤام
أضمر الخيل قبل ذكرها. والسبائب: جمع سبيبٍ, وهو شعر الذنب, وربما جعلت الناصية سبيبًا, قال عبيد: [مخلع البسيط]
ينشق عن وجهها السبيب
ويجوز أن يكون تسميتهم شعر الذنب سبيبًا لأنه ربما قطع في بعض الحالات, فهو فعيل في معنى مفعول, من قولهم: سب إذا قطع, ومنه قولهم للشقة المستطيلة سبيبة؛ لأنها تقطع عن النول, وكذلك قولهم للعمامة: سب, وللخمار أيضًا.
وقوله:
لقوك بأكبد الإبل الأبايا ... فسقتهم وحد السيف حاد
باب ما كان على فعلٍ أن يجمع على أفعالٍ, مثل كتفٍ وأكتافٍ, وكبدٍ وأكبادٍ, ونمرٍ وأنمارٍ, جمعها أبو الطيب على أكبدٍ, ويجوز أن يكون سمعها في شعرٍ, قال الراجز: [الرجز]
إنك لو ذقت الكشى بالأكباد ... لما تركت الضب يعدو بالواد
والأبايا: جمع أبيةٍ, فيجوز أن يجعل من صفة الأكبد, ومن صفة الإبل, وهم يصفون أكباد الإبل بالغلظ, وإذا وصفوا أنفسهم بالقسوة شبهوها بأكباد الإبل. قال قتادة بن مسلمة الحنفي: [البسيط]
يبكى علينا ولا نبكي على أحدٍ ... لنحن أغلظ أكبادًا من الإبل
وقد كثر وصفهم الإبل بالحنين والرقة, ولكنهم يرجون القول على ما يتفق في بعض الأحيان, ولا يميزون بين الحالين, قال متمم: [الطويل]
فما وجد أظآرٍ ثلاثٍ روائمٍ ... رأين مجرًا من حوارٍ ومصرعا
وقال عمرو بن كلثوم: [الوافر]
فما وجدت كوجدي أم سقبٍ ... أضلته فرجعت الحنينا
وقوله:
ولكن هب خوفك في حشاهم ... هبوب الريح في رجل الجراد
يريد أن الريح إذا هبت في رجل الجراد فرقته. والرجل القطعة العظيمة منه خاصة, قال النابغة: [الطويل]
غداة استهلت بالنسار سحابة ... تشبهها رجل الجراد من النبل
وقوله:
وما الغضب الطريف وإن تقوى ... بمنتصفٍ من الكرم التلاد
أصل التلاد: لما يولد عند الرجل من الإنس وغيرهم, والتاء فيه مبدلة من الواو, ثم كثر ذلك حتى سموا ما قدم تلادًا, ويجوز أن يكون هذا الاسم واقعًا على ما ولد عند الأب والجد وورثه الإنسان. والطريق والطارف: ما استفاده الرجل فكان محدثًا, فاستعار ذلك للغضب, وجعل كرم الممدوح تلادًا؛ لأنه ورثه عن آبائه.
وقوله:
وكن كالموت لا يرثي لباكٍ ... بكى منه ويروى وهو صاد
جعل الموت يروى على الاستعارة, أي أنه قد أخذ ما سبيله أن يروى به, إلا أنه مع ذلك غير مكتفٍ فكأنه صادٍ, وهو ك لام يحمل على المجاز؛ لأن الري لا يجتمع مع الصدى في حال, وإنما يريد أنه قد استكثر فوجب أن يكون ما قد أخذ كافيًا له وهو مع ذلك ليس بالمقتصر.
وقوله (48/ب):
وكيف يبيت مضطجعًا جبان ... فرشت لجنبه شوك القتاد؟
المثل يضرب بشوك القتاد, وهما قتادان: القتاد الأكبر, والقتاد الأصغر, ذكر ذلك أبو زيد في «كتاب الشجر والنبات» , ويقولون في الأمر إذا استصعبوه: دونه خرط القتاد؛ لأن الخرط هو مباشرة الشيء بالكف, والقتاد: شاك لا يمكن فيه ذلك, والمثل المروي عن كليب وائل: «دون عليان خرط القتاد» , وعليان فحل من الإبل كان له.










مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید