المنشورات

أقل فعالي بله أكثره مجد ... وذا الجد فيه نلت أو لم أنل جد

وهي من أول الطويل في رأي الخليل, ومن ضروب السحل الأول في رأي غيره, وليست من أول ضروبه, ولكنها الخامس منه أو السادس.
بله يعبر عنها المتقدمون بأنها في معنى دع وكيف وغير, ويحكون أنها ينصب ما بعدها ويخفض, وذكرها بعض المتقدمين في حروف الاستثناء, فإذا نصبت فهي اسم للفعل تجري مجرى رويد, ويجوز أن يكون اشتقاقها من بله عن الشيء يبله إذا غفل عنه, وإذا خفضت فهي كالمصدر أضيف إلى ما بعده. قال ابن هرمة: [البسيط]
تمشي القطوف إذا غنى الحداة لها ... مشي النجيبة بله الجلة النجبا
وقال أبو دؤاد: [الوافر]
فدت نفسي وراحلتي ورحلي ... نجادك بله ما تحت النجاد
أي دع ما تحت النجاد, وكيف ما تحت النجاد. وحكي عن أبي علي الفارسي أنه ذكر رفع ما بعد بله, وأنشد على ذلك قول الأنصاري: [الكامل]
تذر الجماجم ضاحيًا هاماتها ... بله الأكف كأنها لم تخلق
فإن صحت هذه الحكاية وجب أن يكون بله في معنى بله من قولهم: بله الرجل يبله, وسكنت اللام على اللغة الربعية؛ لأن ربيعة تسكن الحرف الثاني من الثلاثي إذا كان مكسورًا أو مضمومًا ويجرون الفعل والاسم في ذلك مجرًى واحدًا, قال الأخطل: [الطويل]
فإن أهجه يضجر كما ضجر بازل ... من البزل دبرت صفحتاه وكاهله
يريد ضجر ودبرت, وقالوا: بقي في معنى بقي, قال الراجز: [الرجز]
من كل حمراء شروبٍ للصرا ... ما بقي منه في الحياض أكدرا
فتكون الأكف مرفوعةً بفعلها, ويكون المعنى: بله القوم عن الأكف, وينقل البله إليها, كما قيل: ليل نائم؛ أي: ينام فيه, وقد نام الليل.
وقوله:
سأطلب حقي بالقنا ومشايخٍ ... كأنهم من طول ما التثموا مرد
المشايخ: جمع مشيخةً, وهي جماعة الشيوخ, وكأن المشيخة في الأصل مصدر, كأن المراد قوم ذوو مشيخة؛ أي: شيخوخة, أو يكونون جعلوا كالموضع لتلك الحال. وكان ابن دريد يذهب إلى أن المشيخة كلمة ليست بفصيحة, وقد جاء في كلام الفراء سمعنا المشيخة, وحدثتنا المشيخة, والفراء أقرب إلى زمان الفصاحة من ابن دريد, ولا يجوز همز مشايخ؛ لأن الياء أصلية, وهي متحركة في الواحد.
وبعض الناس يذهب إلى أن المعنى أن هؤلاء المشايخ كأنهم من طول تلثمهم مرد لا لحى لهم؛ لأن لحاهم مستورة باللثم, فهذا قول حسن, ويجوز أن يذهب ذاهب إلى أن طول التلثم قد حص شعر لحاهم كما قال أبو قيس بن الأسلت (49/ب): [السريع]
قد حصت البيضة رأسي فما ... أطعم نومًا غير تهجاع
والمرد: جمع أمرد, وهو الغلام إذا احتلم ولم ينبت في وجهه الشعر, ولا يقال لمن أسن ولا شعر في وجهه: أمرد, ولكن ثط, قال الشاعر: [الطويل]
فويح الرجال الدافنيك عشيةً ... أما راعهم مثواك في القبر أمردا
وقالوا: غصن أمرد؛ إذا لم يكن عليه ورق. ورملة مرداء لا تنبت شيئًا, قال الراجز: [الرجز]
هلا سألتم يوم مرداء هجر
عنا أبا بكرٍ وعنكم وعمر
ويقال في جمع المرداء: مرادٍ, قال طفيل: [الطويل]
فليتك حال البحر دونك كله ... ومن بالمرادي من فصيحٍ وأعجما
وقالوا: فرس أمرد؛ إذا انحتت ثننه.
وقوله:
ثقالٍ إذا لاقوا, خفافٍ إذا دعوا ... كثيرٍ إذا شدوا, قليلٍ إذا عدوا
يقول: إذا لاقوا أعداءهم كانوا ثقالًا عليهم, واللقاء هاهنا مقصور على لقاء الحرب دون غيره. وأراد أنهم يخفون إذا دعوا للنجدة ولا يتثاقلون دون النصرة, والعرب تفتخر بذلك, قال الشاعر:
إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم ... لأية حرب أم بأي مكان
كثيرٍ إذا شدوةا: أي: يفعلون أفعالًا عظيمة فيظن أنهم كثير. وشدوا: إذا حملوا في الحرب, ووصفهم بالقلة؛ لأنهم إذا انتصفوا من أعدائهم أو غلبوهم في قلة عددٍ فذاك أفخر لهم من الكثرة.
وقوله:
إذا شئت حفت بي على كل سابحٍ ... رجال كأن الموت في فمها شهد
أي: حفت بي من كل جانب, ومنه قيل لجانب الشيء: حفاف, ووحد الفم في موضع الجمع؛ لأن الغرض معلوم, وإنما كان ينبغي أن يقول في أفواهها, وبعض العرب يقول: فم فيكسر الفاء, وبعضهم يقول: فم فيضم, وينشدون قول عنترة: [الكامل]
إذ تقلص الشفتان عن وضح الفم
بكسر الفاء, وقال قوم: تضم الفاء في حال الرفع, وتكسر في حال الخفض, وتفتح في حال النصب, وقد حكوا فم, بالتشديد, قال الراجز: [الرجز]
يا ليتها قد خرجت عن فمه ... ريح تنال الأنف قبل شمه
وقالوا في التثنية: فموان. قال الفرزدق: [الطويل]
هما نفثا في في من فمويهما ... على النابح العاوي أشد رجام
وحكى أبو زيد فمًا في وزن عصًا, وأنشد: [الرجز]
يا حبذا ثغر سليمى والفما ... والجيد والنحر وثدي قد نما
فإذا أخذ بذلك ففموان تثنية على قول من قال: فما, ومن قال: فم فيجب أن يقول في التثنية فمان, والتوحيد هاهنا مثله في قول علقمة: [الطويل]
بها جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيض وأما جلدها فصليب
وقوله:
أذم إلى هذا الزمان أهيله ... فأعلمهم فدم وأحزمهم وغد
الفدم عند قوم: الثقيل الوخم, وهو من قولهم: ثوب مفدم؛ إذا أثقل بالصبغ, وقيل: الفدم: العيي اللسان؛ أي: كأنه قد شد فمه بفدامٍ, وهو ما يجعل على فم الإنسان والإبريق.
وفي الحديث: «مفدمة أفواههم بالفدائم». والحزم: جودة الرأي, وإنما أخذ من حزم المتاع؛ أي: إحكامه بالشد, وأراد بالوغد هاهنا من ضعف رأيه.
وقوله:
وأكرمهم كلب وأبصرهم عمٍ ... وأسهدهم فهد وأشجعهم قرد
الكلب يوصف باللؤم والبخل, قال الشاعر: [الطويل]
سرت ما سرت من ليلها ثم عسرت ... على رجلٍ بالعرج ألأم من كلب
ويقولون في الكلام: الكلب أضن بالشحمة. وروي أن عبد الملك بن مروان قال لرجل: إن فلانًا طلق أختك, فقال: الكلب أضن بالشحمة؛ أي: لم يفعل. وأبصرهم: يجوز أن يكون من البصيرة ويكون عمٍ من عمى القلب, ويحتمل أن يكون أبصرهم من البصر وعمٍ من عمى العين, والمعنيان متقاربان. والفهد يوصف بكثرة النوم, قال الراجز: [الرجز]
ليس بفحاشٍ كفحش العبد ... ولا بنوامٍ كنوم الفهد
وقالت المرأة في صفة زوجها: (50/أ) إذا خرج أسد, وإذا دخل البيت فهد, ولا يسأل عما عهد؛ تريد بفهد أنه يكون كالنائم, وهذا أجمل من أن تكون وصفته بكثرة النوم, وإنما أرادت أنه يغفل عما تفعل من تبذير ماله وإعطائه للفقراء. والقرد يوصف بالجبن, ويزعم من شاهد بلاد القردة أن القرد لا يبيت إلا وفي يده حجر مخافة أن يطرقه طارق, ويقال: إنها تصطف بالليل صفًا, فإذا سمع الأول منها نبأةً نفر, ونفر الذي يليه, ثم كذلك إلى آخر الصف.
وقوله:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدوًا له ما من صداقته بد
يحتمل أن يعني بالعدو هاهنا عدوًا من بني آدم؛ لأن أكثر العالم لا يخلو من عدو يفتقر إلى أن يظهر له الصداقة, وأحسن من هذا أن يريد بالعدو الدنيا؛ لأن كل أحدٍ مضطر إلى خدمتها كما يخدم صديق محب وقد علم أنها له عدوة.
وقوله:
وإني لتغنيني من الماء نغبة ... وأصبر عنه مثل ما تصبر الربد
النغبة: الجرعة. والفعل نغبت, بكسر الغين. والربد: جمع أربد وربداء. والربدة غبرة إلى سواد, وهي من صفات النعام. وبعض الناس يذكر أنها لا تشرب, وعلى ذلك يوجد تفسير المتقدمين للشعر, قال بشر بن أبي خازم: [المتقارب]
نعامًا بخطمة صعر الخدو ... د لا تطعم الماء إلا صياما
وقد حكى الثقات أنهم رأوها تشرب. ويجوز أن تكون إذا حصلت في المفاوز صبرت عن الماء وترده إذا وجد. وحدث بعض من يسكن بشط الفرات أنه رآها تدخله, فلا يدري أتطلب الماء أم شيئًا غيره مما ترعاه؟
وقوله:
وأمضى كما يمضي السنان لطيتي ... وأطوي كما تطوي المجلحة العقد
لطيتي: أي: لنيتي التي انطوي عليها, وقيل للنية التي أطوي بها الأرض؛ أي: أقطعها, وقد قالوا طية وطيات, فخففوا لكثرة الاستعمال, والمجلحة ها هنا: الذئاب, وكل من اجترأ على شيء, وألح فهو مجلح, قال امرؤ القيس: [الوافر]
أرانا موضعين لحتم غيبٍ ... ونسحر بالطعام وبالشراب
عصافير وذبان ودود ... وأجرأ من مجلحة الذئاب
ويقال: سنة مجلحة كأنها توصف بإهلاك المال, وهو من قولهم: جلح المال الشجر وجلحه؛ إذا أكل ورقه ثم أخذ في أطرافه ورؤوسه, ويجوز أن يكون تجليح الشجر من أن ورقه يذهب فيصير كالرأس الأجلح الذي لا شعر على مقدمه. قال الراجز:
ألا ازحميه زحمةً فروحي
وجاوزي ذا السحم المجلوح
وكثرة الأصوات والنبوح
ويقال: ذئب أعقد؛ إذا كان في ذنبه شيء كالعقدة.
وقوله:
وأرحم أقواةمًا من العي والغبا ... وأعذر في بغضي لأنهم ضد
الغبا: مقصور في قول الفراء, وذكره الأصمعي بالمد, وإذا قالوا: رجل غبي فكأنهم يريدون أن ذهنه مغطى عليه, من قولهم: في السماء غبو وغبوة؛ أي: غبرة تستر النجوم أو الهلال, والضد: يقال للواحد والاثنين والجميع. والعامة يقولون: أضداد, وهو القياس, إلا أنه قليل في الكلام الأول.
وقوله:
وتمنعني ممن سوى ابن محمدٍ ... أيادٍ له عندي تضيف بها عند
أي: أنه قد أكثر النعم لدي فضاقت بها عند, وهي أوسع من أخاتها التي هي ظروف؛ لأن القائل إذا قال: فوق أو تحت أو وراء أو قدام أو عن يمينٍ وشمالٍ فقد خص جهةً من الجهات الست, وإذا قال الظبية عند فلان احتمل الكلام أن تكون في كل الجهات, وفي عند ثلاث لغات: ضم العين وفتحها وكسرها. وروي أن يونس بن حبيبٍ قال يومًا في كلامه عند, فقال له أبو عبيدة: أيقال عند؟ قال: نعم, يقال: عند, وعند (50/ب) , فقال أبو عبيدة: ما كان عندي ذلك, فقال يونس: أولك عند كأنه يستزري به!
وقوله:
كأن القسي العاصيات تطيعه ... هوى أو بها في غير أنمله زهد
قسي: مقلوب, كأنهم جمعوا قوسًا على قؤوسٍ, ثم قلبوا فقالوا: قسو, ثم كرهوا أن يلتبس بالمصدر من قولهم: قسا القلب قسوا, فأجروه مجرى دلوٍ ودلي, وقالوا: قسي, فألزموا القاف الكسر, ولم يحك فيه الضم كما حكي في دلي وبابه الوجهان, وقال بعض المتأخرين: إنما لزموا الكسر في أول قسي ليدلوا على كسرة قياسٍ في الجمع؛ وهذا قول ضعيف. وإذا جمعت القوس جمع القلة قيل: أقؤس وأقواس. وكان المازني يرى أن الهمز في قولك: أقؤس كالواجب, وكان أبو حاتم السجستاني يختار الواو في أقؤسٍ وأثؤبٍ, قال الشاعر: [البسيط]
طرن انقطاعة أوتارٍ مخظربةٍ ... في أقؤسٍ نازعتها أيمن شملا
محظربة: أي: مفتولة. وقال الراجز: [الرجز]
ووتر الأساور القياسا ... صغديةً تنتهب الأنفاسا
وقوله:
بنفسي الذي لا يزدهى بخديعةٍ ... وإن كثرت فيها الذرائع والقصد
إذا قالوا: بنفسي فلان فالمعنى المفدي بنفسي, أو يفدى بنفسي. ويزدهى؛ أي: يستخف, وهو يفعتل من: زهاه إذا استخفه. والذرائع: جمع ذريعةٍ, وهو ما يتوصل به إلى الشيء المطلوب, يقال: فلان ذريعتي إلى السلطان؛ أي: الذي أتوسل به, ويقال لبيت الصائد: ذريعة؛ لأنه يتوصل به إلى الصيد, قال الشماخ: [الطويل]
وصدت صدودًا عن ذريعة عثلبٍ ... ولابني عياذٍ في القلوب حزاحز
ويقال للناقة أو الجمل الذي يستتر به كي يرمى الصيد ذريعة.
وقوله:
مضى وبنوه وانفردت بفضلهم ... وألف إذا ما جمعت واحد فرد
الألف: مذكر, وقال: جمعت فأنث؛ لأنه ذهب بها مذهب الجماعة؛ لأنها آحاد كثيرة, وإذا جعل الألف أجزاء على مئة أو دون ذلك فهو جماعة؛ فلذلك أنثه في هذا الموضع, وكان بعض العرب يقول في الألف عشر مئةٍ, وفي كلام بعضهم: ما كان عندي أن شيئًا يكون أكثر من عشر مئة, وقالوا في جمع ألف: آلاف؛ وعلى ذلك أكثر الاستعمال. والنحويون يرون أن أكثر ما كان على فعلٍ فليس بابه أن يجمع على أفعالٍ, وإن كان ذلك قد جاء في مثل قولهم: زند وأزناد, وفرخ وأفراخ, قال الأعشى: [المتقارب]
وجدت إذا اصطلحوا خيرهم ... وزندك أثقب أزنادها
وقال الحطيئة: [البسيط]
ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ ... حمر الحواصل لا ماء ولا شجر
وقالوا: ألف, وهي قليلة, والجمع الكثير: ألوف.
وقوله:
لهم أوجه غر وأيدٍ كريمة ... ومعرفة عد وألسنة لد
أصل العد: الماء الذي له أصل, فلا ينتزح, والجمع أعداد. يريد أن معرفتهم بالأشياء واسعة, لا يدرك لها آخر, كما لا ينتزح الماء العد. وألسنة جمع لسانٍ على لغة من ذكر, ومن أنث قال: ألسن. قال الحطيئة: [الوافر]
ندمت على لسانٍ فات مني ... فليت بأنه في جوف عكم
أراد على كلام قيل باللسان, والذين يؤنثون اللسان يؤنثون الكلام الذي يقال به إذا سموه باسمه, فيقولون أتتني لسان بني فلان؛ أي: رسالتهم, وكذلك أتتني لسان عن فلان؛ أي: حديث سار أو غير سار, قال أعشى باهلة: [البسيط]
إني أتاني لسان لا أسر بها ... من علو لا عجب منها ولا سخر
أراد نعي رجلٍ أتاه. واللد: جمع ألد, وهو الشديد الخصومة, وكانت العرب تفتخر بذلك.
وقوله:
وأردية خضر وملك مطاعة ... ومركوزة سمر ومقربة جرد
(51/أ) أراد بالأردية الخضر السيوف, والعرب تجعل السيف رداءً, قال عمرو بن شأسٍ الأسدي: [الطويل]
كأن رداءيه إذا قام علقا ... على جذع نخلٍ لا سحوقٍ ولا بال
وقال آخر: [الوافر]
ينازعني ردائي عبد شمسٍ ... رويدك يا أخا سعد بن بكر
لي الشطر الذي ملكت يميني ... ودونك فاعتجر منه بشطر
وملك: جمع ملكٍ, مثل نمرٍ ونمرٍ, وبيت ابن أحمر يحمل على وجهين: [السريع]
مدت عليه الملك أقطارها ... كأس رنوناة وطرف طمر
قيل: ملك: جمع ملكٍ, وقيل: بل أراد المملكة فأنث, كما قال الآخر: [الوافر]
وحمال المئين إذا ألمت ... بنا الحدثان والأنف الغيور
أنث الحدثان على معنى الحادثة.
وقوله:
وما عشت ما ماتوا ولا أبواهم ... تميم بن مر وابن طابخةٍ أد
يقول: بنو سيار بن مكرمٍ لم يموتوا ما دمت أيها الممدوح في الحياة, وكذلك لم يمت أبواهما؛ جعل الجدين القديمين أبوين, وكذلك موضوع اللغة؛ لأن الرجل يقول: أبي آدم, وبينهما من العدد ما شاء الله. وتميم بن مر بن أد بن طابخة, وأد يقول بعض الناس هو من الود قلبت الواو همزةً لوقوعها مضمومة في أول الاسم, قال الشاعر:
أد بن طابخةٍ أبونا فاذكروا ... يوم الفخار أبًا كأد تنفروا
ويجوز أن يكون اشتقاق أد من كل لفظ جاز أن يشتق منه أدد. وطابخة هو طابخة بن إلياس بن مضر, وكانوا ثلاثة إخوة مع أبيهم: طابخة, ومدركة, وقمعة. وأمهم ليلى ابنة حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة, فأغير على إبلهم, فمضى أحدهم في طلبها, فأدركها فسمي مدركة, وكان اسمه عمرًا, وأقام أخوه على قدرٍ لهم يطبخها, واسمه عامر فسمي طابخة, وأقام أخوهم عمير في البيت فكأنه انقمع فسمي قمعة, فجاءت أمهم ليلى وهي مسرعة فقال لها زوجها إلياس: مالك تخندفين وقد أدركت الإبل, فسميت خندف. والخندفة فيما يقال الذهاب والمجيء, وقيل: بل الخندفة السرعة, وقيل هي مشي فيه استدارة, وذلك من مشي النساء.
وقوله:
كذا فتنحوا عن علي وطرقه ... بني اللؤم حتى يعبر الملك الجعد
موضع كذا نصب بفعل مضمر, كأنه قال: اذهبوا كذا, أو تنحوا كذا. والجعد: إذا وصف به ابن آدم فإنما يراد أنه مجتمع ليس بسبطٍ, وإنما يريدون صفة حاله التي هو عليها, والسباطة أحمد عندهم, قال الراجز: [الرجز]
قالت سليمى لا أحب الجعدين ... ولا القطاط إنهم مناتين
يا رب جعدٍ فيهم لو تدرين ... يضرب ضرب السبط المقاديم
جاء بالميم مع النون, وهو إكفاء. والقطاط: جمع قططٍ, وهو الشديد الجعودة, وإذا قالوا ثرى جعد فإنما يريدون أنه ندٍ يجتمع في الكف, وكذلك إذا قالوا شعر جعد.












مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید