المنشورات

أيا خدد الله ورد الخدود ... وقد قدود الحسان القدود

وهي من أول المتقارب.
يقال: تخدد لحم الرجل, وخدده المرض أو الكبر؛ إذا جعل فيه طرائق كأنها خدود في الأرض؛ أي: شقوق. قال الراجز:
إني على ما كان من تخددي ... ودقةٍ في عظم ساقي ويدي
أروي على ذي العكن الضفندد أروي: أي: أشد عليه بالرواء, وهو الحبل. والضفندد: الضخم الذي لا غناء عنده, وقال جرير: [الكامل]
أفنى عرائكها وخدد لحمها ... ألا تذوق مع الشكائم عودا
وقوله:
فهن أسلن دمًا مقلتي ... وعذبن قلبي بطول الصدود
الشعراء يستعلمون هذه الدعوى كثيرًا, فيزعمون أن المحب يبكي دمًا, ومنه قول الطائي: [الطويل]
فأجرى لها الإشقاق دمعًا موردًا ... من الدم يجري فوق خذ مورد
وقوله:
وكم للهوى من فتى مدنفٍ ... وكم للنوى من قتيلٍ شهيد
يقال: رجل مدنف ومدنف ودنف ودنف, وهو الذي قد طال مرضه حتى أشفى على الموت, قال أبو كبيرٍ الهذلي: [الكامل]
ولقد وردت الماء لون جمامه ... لون الفريقة صفيت للمدنف
وقال العجاج: [الرجز]
والشمس قد كات تكون دنفا ... أدفعها بالراح كي تزحلفا
أي: قد دنت من الغروب, فهي كالمريض المدنف الذي قد دنا من الموت, وجعل قتيل الحب شهيدًا؛ لأنه عنده مظلوم, فهو كالشهيد الذي قتل في سبيل الله, وقد استعملت الشعراء ذلك قديمًا, قال جميل: [الطويل]
يقولون جاهد يا جميل بغزوةٍ ... وأي جهادٍ غيرهن أريد
لكل حديثٍ بينهن بشاشة ... وكل قتيلٍ بينهن شهيد
والنوى: البعد.
وقوله:
رمى حلبًا بنواصي الخيول ... وسمرٍ يرقن دمًا في الصعيد
الصعيد: يدل الاشتقاق على أنه ما صعد من الأرض على التراب, ومنهم من يقول: هو ظاهر الأرض, وقيل: هو التراب الخالص الذي لا يخالطه شيء غيره. قال ذو الرمة:
وفتيةٍ مثل النشاوى غيد ... قد استحلوا قسمة السجود
والمسح بالأيدي على الصعيد
يريد أنهم يقصرون الصلاة للسفر, ويتيممون لفقد الماء. وسموا الطريق صعيدًا, وعلى ذلك فسروا الحديث: «إياكم والقعود على الصعدات»؛ أي: الطرق. وقال الشاعر, ويروى لامرأةٍ: [الوافر]
ونائحةٍ تنوح بجنح ليلٍ ... على رجلٍ بقارعة الصعيد
وقوله:
فولى بأشياعه الخرشني ... كشاءٍ أحسن بزأر الأسود
الشاء: يستعملونه مذكرًا, ولو أنث لم يبعد ذلك, واختلفوا في أصله؛ فقالوا: همزته بدل من هاء, واستدلوا على ذلك بأنهم يقولون في تصغيره شاةٍ: شويهة, فيظهرون الهاء, ويقولون في الجمع: شياه, فإذا أخذ بهذا القول فقد جمع في الكلمة بين ألفٍ مقلوبةٍ عن واو وهمزةٍ تبدل من الهاء.
وقيل: هو مأخوذ من شاء يشوء إذا شاق, كأنه يشوق من يقرم إلى اللحم. وزعم قوم أنه مأخوذ من (شويت) , واستدلوا بقولهم في الجمع: شوي, فيلزم هؤلاء أن يكونوا قد جاؤوا في الثلاثي بحرفين معتلين؛ وذلك مفقود, فكأن أصله شوي فقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها, ثم قلبت الواو إلى الألف؛ لأنها وسط وقبلها فتحة.
فإن ادعي أن قلب الواو كان قبل الياء فيلزمهم أن يجعلوا الألف الأصلية المنقلبة تجري مجرى الألف الزائدة, فيقلبون الياء إلى الهمزة, كما قالوا: سقاء, وهو من سقيت, وإن زعموا أن الياء قلبت قبل الواو فكأنهم قالوا شوى, فأعلوا الواو بعدما اعتلت الياء, فجمعوا بين علتين.
وقوله:
فمن كالأمير ابن بنت الأميـ ... ـر أم من كآبائه والجدود
قالوا: بنت وابنة. فانبة وزنها إفعة؛ لأن ألفها زائدة, وهي مأخوذة من البنوة, وإذا قالوا بنت فمن جعل التاء (63/أ) بدلًا من واوٍ فوزنها عنده فعل, ومن جعلها بدلًا من هاء التأنيث التي كانت في ابنة فوزنها فعت, ومما يشبه قولهم: ابنة وبنت قولهم: اثنتان وثنتان, إلا أنهم لم يحكوا اثنةً ولا ثنتًا, وقد حكى النحويون: اليوم الإثن, فإن حكى اثنة وثنت لم يبعد.













مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید