المنشورات

سر حل حيث تحله النوار ... وأراد فيك مرادك المقدار

وهي من ثاني الكامل.
والنوار والنور واحد, والشعر يدل على أنهم يعنون بالنون الأبيض؛ لأنهم شبهوا الثغر بنور الأقاحي قال الشاعر: [الطويل]
من لامني على النوار فليته ... رآها معي يوم الكثيب فينظر
بثغرٍ كنور الأقحوان اجتليته ... غداة الشروق والسحابة تمطر
والأقيس أن يكون النور والزهر يستعملان في معنًى واحدٍ, فيقعان مرةً على الأبيض, ومرةً على الأصفر, ومرةً على الأحمر, وقال قوم: الزهر الأحمر والأصفر, والاشتقاق يدل على أنه من الزهرة؛ أي: البياض.
وقوله:
وإذا ارتحلت فشيعتك سلامة ... حيث اتجهت وديمة مدرار
التشييع مأخوذ من اتباع الشيء, وهو من قولهم: آتيك غدًا وشيعه؛ أي: اليوم الذي بعده, وقيل لشبل الأسد: شيعه؛ لأنه يتبعه. قال عمر بن أبي ربيعة: [الكامل]
قال الخليط غدًا تصدعنا ... أو شيعه أفلا تودعنا
والديمة: مطر في سكونٍ, وأقل ما يكون فيما زعموا يوم وليلة. وقالوا في الجمع: ديم وديم, كما قالوا: سدر وسدر في جمع سدرةٍ. وقالوا: ديم السحاب؛ إذا جاء بالديمة, قال الراجز: [الرجز]
هو الجواد بن الجواد بن سبل ... إن ديموا جاد وإن جادوا وبل
(69/ب) وقالوا: كثيب مديم؛ إذا أصابته الديمة, وأصل هذه اللفظة الواو لأنها من دام يدوم, إلا أنهم ألفوا الياء فقالوا: ديم, ولو حملوه على الأصل لقالوا: دوم, وقد حكي: دام المطر يديم, وإنما حملهم على ذلك أنسهم بالياء في الديم وديم. والمدرار: مفعال من درت تدر: إذا غزر ماؤها.
وقوله:
وأراك دهرك ما تحاول في العدى ... حتى كأن صروفه أنصار
الصروف: جمع صرفٍ, وهو مصدر من صرف يصرف؛ أي: يصرف الإنسان عن مراده, وأصل المصدر ألا يجمع إلا أن تختلف أنواعه, فلما كان صرف الدهر متقلبًا كثير الأنواع جمعوه لهذه العلة, وقالوا: قتل, فلم يجمعوه, وإن ورد على ضروبٍ كثيرةٍ, وكذلك طعن وأكل, وما لا يدركه العدد من المصادر.
وأنصار: ربما قيل: جمع ناصرٍ. وقال قوم: جمع ناصر على نصرٍ أو قدر على هذا التقدير, كما قالوا: صاحب وصحب, ثم جمع نصر على أنصارٍ, كما قالوا: صحب وأصحابز
وقوله:
أنت الذي بجح الزمان بذكره ... وتزينت بحديثه الأسمار
أصل السمر فيما يقال: ظل القمر. ثم سمي الحديث في القمر سمرًا, ثم كنوا عن الليل بالسمر, فقالوا: جئناهم سمرًا؛ أي: ليلًا, كأنهم أرادوا وقت السمر.
والبجح: يستعمل في معنى الفخر, وقالوا: بجحت وبجحت في معنى فرحت: والمعنيان متقاربان؛ لأن الفخر لا يكون إلا عن فرح الإنسان ربما رزقه مما لم يرزقه سواه, وفي حديث أم زرعٍ: «وبجحني فبجحت» , وفي رواية أخرى: «وبجحني فبجحت نفسي إلي» ,
وفسروا قول الراعي على الفرح:
وما الفقر من أرض العشيرة ساقنا ... إليك ولكنا بقرباك نبجح
وقوله:
وله, إن وهب الملوك, مواهب ... در الملوك لدرها أغبار
الأغبار: جمع غبرٍ, وهو بقية اللبن في الضرع, ثم جعلوا كل بقيةٍ غبرًا. والدر في هذا البيت: اللبن بعينه, سمي بالمصدر, من قولك: در يدر درا, وكانت العرب تعمد إلى ضرع الناقة فتضرب أسفله بأيديها, وتغسله بالماء البارد, فإذا فعل الرجل ذلك قالوا: كسع الإبل بأغبارها, قال الحارث بن حلزة:
لا تكسع الشول بأغبارها ... إنك لا تدري من الناتج
وفي الحديث: «ولا تأبطتني الإماء في غبرات المآلي». الغبرات: جمع غبرٍ. وغبر: جمع غابر؛ أي: باقٍ. والمآلي في هذا الحديث: خرق الحيض. وتغبرت الشيء إذا أخذت بقيته, وتزج رجل من يشكر امرأةً مسنةً, فقيل له في ذلك, فقال: لعلي أتغبر منها, فسمي ولده غبر.
وقوله:
وتحيد عن طبع الخلائق كله ... ويحيد عنك الجحفل الجرار
أصل الطبع أن يطغي الصدأ فرند السيف, قال الراجز: [الرجز]
إنا إذا قلت طخارير القزع ... وصدر الشارب منها عن جرع
نفحلها البيض القليلات الطبع
ويروى: نفحلها, ثم قالوا لمن تقبح أخلاقه: إنه لطبع. وقالوا: لا خير في طمعٍ يدني إلى طبعٍ؛ أي: تدنس عرضٍ. قال ثابت قطنة:
لا خير في طمعٍ يدني إلى طبعٍ ... وغفة من قوام العيش تكفيني
والغفة: البلغة من العيش. والجرار: الجيش العظيم, كأنهم أرادوا أنه يجر الناس خلفه يرجون المغنم, وتتبعه الوحش والطير تؤمل أن تأكل من قتلاه.
وقوله:
يا من يعز على الأعزة جاره ... ويذل في سطوااته الجبار
الجبار: فعال من قولهم: أجبرت الرجل على الشيء؛ إذا أكرهته على فعله, وحكى بعضهم: أجبرته وجبرته في معنى الإكراه, فإذا حمل جبار على جبرت فمثله كثير؛ لأن الثلاثة من الأفعال يجيء في أسماء فاعليها فعال مجيئًا مطردًا, مثل: قطع فهو قطاع, وقتل فهو قتال, وإذا حمل على أجبر فهو شاذ؛ لأنهم قلما يستعملون فعالًا في أفعل, وحكى الفراء: هو دراك بالثأر, وهو من قولهم: أدرك. ولم يحكوا: درك ثأره, إلا أن الفراء يلزمه أن يجيز فعالًا في كل أفعل؛ لأنه يجيز فعل في كل ذلك.
وقوله: (70/أ)
وبدون ما أنا من ودادك مضمر ... ينضى المطي ويقرب المستار
الوداد: يجوز أن يكون مصدر وددت ودادًا, ويجوز أن يكون من واد يواد.
والمستار: مفتعل من السير, يجوز أن يقع على المصدر, وعلى المكال الذي يسار فيه, وجعلت المسيرة مستارًا لأنها يسار إليها, ويجوز أن يعنيها في هذا البيت.
قال أبو وجزة: [الرجز]
أشكو إلى الله العزيز الجبار
ثم إليك اليوم بعد المستار
وحاجة الحي وقط الأسعار
يقال: قط السعر إذا غلا.
وقوله:
إن الذي خلفت خلفي ضائع ... مالي على قلقي إليه خيار
وحد الذي, وهو يريد العيال؛ لأنه أراد النفر أو العدد أو نحو ذلك, ويجوز أن يجعل الذي شائعًا في الجنس؛ لأنها تشيع كغيرها مما فيه الألف واللام, فقول القائل: الذي في الدار له درهم, يحتمل أن يعني به واحدًا مقصودًا بعينه, ولا يمتنع أن يعني جماعةً كل واحدٍ منهم يستحق درهمًا.









مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید