المنشورات

أطاعن خيلًا من فوارسها الدهر ... وحيدًا وما قولي كذا ومعي الصبر

وهي من الطويل الأول.
هذه استعارة لا يثبت لها حقيقة, ولكن الشعراء عليها مصطلحون, ولكنه لما جعل الدهر يحاربه جعله من فوارس الخيل التي يطاعن, والعرب يقولون: طاعنا الخيل, وإنما يريدون فرسان الخيل؛ لأن الخيل لا تطاعن, إلا أنها تعين الفرسان على الطعان؛ فلذلك جاز أن ينسب إليها الطعن. يقال: طعن بالرمح طعنًا, وطعن باللسان طعنانًا, قال أبو زبيد: [الخفيف]
وأبى ظاهر الشناءة إلا ... طعنانًا وقول مالا يقال
والكاف في كذا منصوبة بقولي, وليست جاريةً في هذا الموضع مجرى قولهم: أعطيته كذا وكذا, وفعلت به كذا؛ لأن تلك خرجت من الباء إلى سواه. وكذا هاهنا في موضعها الأصلي, والمعنى: ما قولي مثل هذا القول والصبر معي, وهذا إنكار على نفسه؛ لأنه ذكر طعانه الدهر وحيدًا وذلك جارٍ مجرى الشكوى منه فكأنه أنكر أن يقول هذه المقالة, وليس هو إكذابًا, إنما الإكذاب مثل قول زهيرٍ: [البسيط]
قف بالديار التي لم يعفها القدم ... بلى وغيرها الأرواح والديم
وقوله:
وتضريب أعناق الملوك وأن ترى ... لك الهبوات السود والعسكر المجر
الأعناق: واحدها عنق وعنق وعنق. والهبوات: جمع هبوةٍ وهو الغبار. والمجر: العسكر العظيم, ومنه قولهم: أمجرت الشاة إذا عظم بطنها على الحمل, وقد ذكر أن ذلك يقال في الناقة, قال امرؤ القيس:
ومجرٍ كغلان الأنيعم قاصدٍ ... ديار العدو ذي زهاءٍ وأركان
وقوله:
وتركك في الدنيا دويًا كأنما ... تداول سمع المرء أنمله العشر
هذا المعنى مبني على أن الإنسان إذا جعل إصبعيه في أذنيه سمع دويًا, وهو الذي جاء في الحديث المرفوع, وذلك قوله: «من شاء أن يسمع خرير الكوثر فليجعل إصبعيه في أذنيه».
وتداول: بالرفع على حذف التاء التي في قولك: تتداول, والمحذوف عند سيبويه التاء الثانية؛ لأن الأولى علامة المضارع, فلا يحسن حذفها. وقال غيره: المحذوف التاء الأولى, وقال بعض (78/ب) الكوفيين يجوز أن تكون المحذوفة الأولى والآخرة. وقد ذكروا أن التاء تحذف مع الياء, وروي أن بعض القراء قرأ: {كأنها كوكب دري يوقد من شجرة}؛ أي: يتوقد, وهذا مستنكر, وقد رووا بيت أبي خراشٍ الهذلي: [الطويل]
وكاد أخو الوجعاء لولا خويلد ... يفرعني بسيفه غير قاصد
أي يتفرعني, ولو روي تداول, بفتح اللام, على أنه ماضٍ لكان ذلك حسنًا.
وقوله:
إذا الفضل لم يرفعك عن شكر ناقصٍ ... على هبةٍ فالفضل فيمن له الشكر
هذا البيت كأنه خطاب لغير الشاعر, وقد يجوز أن يعني به نفسه؛ لأن هذه صفة حالة, يقول إذا كان الإنسان فاضلًا ولم يرفعه فضله عن أن يشكر أخا النقص على هبةٍ فالفضل هو للمشكور, وقد ذهب فضل الفاضل. وكان أبو الفتح بن جني - رحمه الله - يذهب إلى أن المعنى له أن الفضل للشاكر, والأول أشبه.
وقوله:
ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... مخافة فقرٍ فالذي فعل الفقر
هذاا لبيت يدل على أن قوله: فالفضل فيمن له الشكر مراد به المشكور؛ لأن البيت الثاني ذم لمن ينفق الساعات مخافة الفقر, وإخبار أن فعله ذلك هو الفقر الأعظم.
وقوله:
علي لأهل الجور كل طمرةٍ ... عليها غلام ملء حيزومه غمر
الطمرة: الفرس التي تطمر؛ أي: تثب, وهي أنثى الطمر. وقال بعضهم: الطمر المشمر الخلق, وذلك راجع إلى معنى الوثب؛ لأن تشمير خلقه يدل على ذلك. والحيزوم: الصدر, وقيل: بل هو ما دونه. والحزيم مثل الحيزوم, ويقال: شد للأمر حزيمه وحيازيمه. قال أحيحة ابن الجلاح: [الهزج]
ألا أبلغ سهيلًا أنـ ... ـني ماعشت كافيكا
حيازيمك للموت ... فإن الموت آتيكا
وقال آخر: [الوافر]
وداهيةٍ يهال الناس منها ... بني بكرٍ شددت لها حزيمي
وقولهم: شد حزامه قريب من هذا المعنى أو مثله, قال امرؤ القيس: [الكامل]
أقصر إليك من الوعيد فإنني ... مما ألاقي لا أشد حزامي
أي أنا متعود للقاء الحروب فلا أفتقر إلى شد الحزام؛ لأنه لا يزال عندي مشدودًا. ويجوز أن يكون الحزام هاهنا ما يحتزم به المحارب, أو حزام فرسه. والغمر والخمر: الحقد.
وقوله:
وكم من جبالٍ جبت تشهد أنني الجبال ... وبحرٍ شاهدٍ أنني البحر
هذا من الدعوى التي تقدم ذكرها, وهي من المبالغة التي تستحسنها الشعراء. وفي هذا البيت إدماج, وهو لقب موضوع يعنون به أن تكون لام التعريف في النصف الأول, والمعرف في النصف الثاني, والتنصيف على سبعة أضربٍ.
تنصيف البيان: وهو أن يتم المعنى في النصف الأول, ويجيء النصف الآخر كالمبين له والشارح, كقول الفرزدق: [الطويل]
قوارص تأتيني ويحتقرونها
فهذا كلام تام ثم قال:
وقد يملأ القطر الإناء فيفعم
أي: أن القوارص تجيء قليلًا بعد قليلٍ, فتجتمع حتى تحدث الغضب والعداوة, كما أن القطر يقع شيئًا بعد شيءٍ فيمتلئ منه الإناء. وبعض الناس يروي: وقد يملأ القطر الأتي؛ أي: مجرى السيل.
والتنصيف التام: وهو الذي يكمل معناه, ولو سكت عنه لاكتفى به كقول أبي ذؤيب: [الكامل]
أودى بني وأعقبوني حسرةً
فهذا كلام تام.
والتنصيف المحتاج وهو الذي لا يكمل معناه إلا بما بعده, كقوله: [الكامل]
والدهر لا يبقى على حدثانه
فهذا كلام يحتاج على تمام, وذلك قوله:
جون السراة له جدائد أربع
وتنصيف الاقتضاء: وهو أن يكون في النصف الأول حرف قد جرت العادة بأن لا يسكت عليه, كقد, أو الذي, أو نحو ذلك, كقول القطامي: [البسيط]
حتى وردن ركيات العوير وقد ... كاد الملاء من الكتان يشتعل
وكالبيت المنسوب إلى أخت جساسٍ: [الرمل]
يابنة الأقوام إن لمت فلا ... تعجلي باللوم حتى تسألي
وتنصيف الإدماج: وهو الذي بدئ به, وجيء كثيرًا في الأوزان الخفاف ويقل في الأوزان الطوال ومما جاء منه, فيما طال على اختلاف فيه قول حميد بن ثور: [الطويل]
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع
فهذا لا إدماج فيه, ومنهم من يروي: ويتقي المنايا بأخرى؛ فهذا مدمج.
ويروى لعبيد بن الأبرص شعر عدده ثمانية عشر بيتًا كلها مدمجة إلا بيتًا واحدًا؛ وذلك قوله: [الرمل]
يا خليلي اربعا واستخبرا الـ ... منزل الدارس من أهل الحلال
مثل سحق البرد عفى بعدك الـ ... قطر مغناه وتأويب الشمال
ولقد يغني به جيرانك الـ ... ـبين والأيام حال بعد حال
واستمر على ذلك في الأبيات كلها إلا في بيتٍ واحدٍ, وهو قوله: [الرمل]
فانتزعنا الحارث الأعرج في ... حجفل كالليل خطار العوالي
(79/أ) وهذا تنصيف اقتضاء؛ لأن (في) لا يوقف عليها إلا عند انقطاع النفس.
وتنصيف الاقتطاع: وهو أن يكون بعض الكلمة في النصف الأول, وبعضها في النصف الثاني, وإنما يستعملون ذلك فيما خف من الأوزان كقول الحارث بن حلزة: [الخفيف]
غير أني قد أستعين على الهو ... ل إذا خف بالثوي النجاء
بزفوفٍ كأنها هقلة أم ... م رئالٍ دوية سقفاء
آنست نبأةً وأفزعها القنـ ... ناص عصرًا وقد دنا الإمساء
فهذه الأبيات توالى فيها الاقتطاع.
وتنصيف السكت: وهو أن تكون في أول النصف الثاني همزة الوصل فيختار أن يوقف على آخر النصف الأول, كقول الشاعر: [الكامل]
إذ لا يبادر في الشتاء وليدنا ... القدر ينزلها بغير جعال
وقول الآخر: [السريع]
لا نسب اليوم ولا حرمةً ... إتسع الخرق على الراقع
وقوله:
وخرقٍ مكان العيس منه مكاننا ... من العيس فيه واسط الكور والظهر
الخرق: الأرض الواسعة, قيل: لأن الريح تتخرق فيها, أو لأنها تنخرق إلى أرض غيرها.
وقوله: مكان العيس منه مكاننا؛ أي: العيس في وسطه ونحن في أوساط العيس, ثم فسر مكانه ومكان أصحابه بقوله: واسط الكور والظهر. والكور: الرحل بأداته, وهو هاهنا شائع في الجنس, وكذلك الظهر؛ لأنه لو لم يكن كذلك لكان القائل كالذي زعم أنه وأصحابه على واسط كور واحدٍ, وظهر مطيةٍ واحدةٍ.
وقوله:
يخدن بنا في جوزه فكأننا ... على كرةٍ أو أرضه معنا سفر
الكرة: من شأنها التدوير, فإذا مشت عليها ذرة أو نحوها كان مسيرها متصلًا كأنها لا نهاية لها, وإنما وصف طول مسافة هذه الأرض, وأنهم لا يفنونها بالسير, فكأنهم على كرة أو كأن هذه الأرض تسافر معهم, فلا يصلون إلى فنائها بالسير.
وقوله:
أو ابن ابنه الباقي علي بن أحمدٍ ... يجود به لو لم أجز ويدي صفر
الهاء في ابنه راجعة على عامرٍ, وهو جد الممدوح المذكور في البيت, الذي قبل هذا البيت. والهاء في قوله: يجود به راجعة على الغيث الذي ذكره في قوله:
وغيثٍ ظننا تحته أن عامرًا ... علا لم يمت أو في السحاب له قبر
يقول: ظننا أن عامرًا لم يمت, أو هو مقبور في السحاب, أو ابن ابن يجود بهذا الغيث, وجعل ظنه مبطلًا بقوله: لو لم أجز ويدي صفر؛ أي: لو كان هذا الظن صحيحًا لامتلأت يدي بالعطاء.
وقوله:
قران تلاقى الصلت فيه وعامر ... كما يتلاقى الهندواني والنصر
يجب أن يكون الصلت جد هذا الممدوح لأمه. والقران يحتمل أن يكون من مقارنة الآدميين, ومن مقارنة الكواكب, أي: ولد هذا الممدوح في قرانٍ أوجب له سعدًا.
وقوله:
فجاءا به صلت الجبين معظمًا ... ترى الناس قلا حوله وهم كثر
الجبين الصلت: النقي, شبه بالسيف الصلت, الذي قد جرد من غمده. وقالواة: صلت في الأمور إذا مضى مضاءً سريعًا, ومنه قالوا: صلتان؛ أي: ماضٍ في الأمور كأنه سيف أصلت, والقل: القليل, قال الشاعر:
قد يقصر القل الفتى دون همه ... وقد كان لولا القل طلاع أنجد
يقول: إذا كثر الناس حول هذا الممدوح قلوا في نفوس الناس وعيونهم.
وقوله:
مفدى بآباء الرجال سميدعًا ... هو الكرم المد الذي ماله جزر
مفدى بآباء الرجال؛ أي: يقال له: فداك أبي.
والسميدع: يقال: هو الشجاع السخي. وحكي عن المنتجع بن نبهان الكلابي أنه سئل عن السميدع, فقال: هو السيد الموطأ الأكناف, كأنه أراد بتوطئة أكنافه أنه حليم.
والمد: من قولهم: مد النهر إذا زاد, والجز: ضده, فأما الجزيرة فإنما سميت بذلك لأن الماء جزر عنها ولم يعل عليها كما هو حولها.
وقوله:
وأستكبر الأخبار قبل لقائه ... فلما التقينا صغر الخبر الخبر
الخبر: هاهنا الذي يخبرك به غيرك, كما قال الفزاري: [الكامل]
خبر أتاني عن عيينة أنه ... عانٍ عليه تظاهر الأقياد
والخبر: الذي يكون بعد ابتلاء وتكشيف, فالخبر يجوز عليه الصدق والكذب. والخبر قد استقر إما على حمدٍ, وإما على ذم؛ لأن الخابر قد عرف ما المخبور عليه, وذكر ابن السكيت أن الخبر والخبر بمعنى مثل السكر (79/ب) والسكر, ويجب أن يكون أراد به الخبر, الذي هو بعد التجربة؛ لأن الخبر من الأخبار, ويدل على ذلك قول الشاعر: [البسيط]
لا تحمدن امرأً حتى تجربه ... ولا تذمن من لم يبله الخبر
وهذا ضد قولهم: «أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» وضد قول الآخر: [الوافر]
تقول الحنظلية إذ رأتني ... رأيت مقرنًا دون المغيب
أي: دون ما كان يوصف, وهو غائب.
وقوله:
إليك طعنا في مدى كل صفصفٍ ... بكل وآةٍ كل ما لقيت نحر
استعار الطعن من الرماح للنوق, وجعل المدى كالمطعون. والصفصف: أرض واسعة صلبة, وربما كان فيها رمل رقيق. والوآة: أنثى الوأى, وأكثر ما يستعمل الوأى في الخيل وحمير الوحش, فربما قيل: الوأى: الطويل, وقيل: هو الصلب الشديد, وقيل المقتدر الخلق.
والذي يدل عليه الاشتقاق أنه من قولهم: وأيت إذا وعدت, وقيل: الوأي: ضمان العدة فكأن الوأى يعد من يراه أنه إذا افتقر إلى جريه وجده مرضيًا. ولما استعار الطعن في أول البيت, وجعل الوآة كالقناة صير كل ما لقيت نحرًا؛ لأن الطعنة إذا وقعت في ذلك الموضع كانت أقتل منها في غيره؛ أي أنها تنفذ في هذا المدى كما ينفذ السنان في المطعون فيبلغ الطاعن مراده بذلك.
وقوله:
إذا ورمت من لسعةٍ مرحت لها ... كأن نوالًا صر في جلدها النبر
النبر: دويبة أصغر من القراد يلسع فيحبط موضع لسعته, وجمعه أنبار, قال الراجز:
كأنها من بدنٍ وإيقار ... دبت عليها ذربات الأنبار
يقول: هذه الوآة إذا لسعها النبر مرحت لذلك, كأنها تفرح, وكأن الورم الذي يحدث فيها نوال صره في جلدها اللاسع.
وقوله:
فجئناك دون الشمس والبدر في النوى ... ودونك في أحوالك الشمس والبدر
يقول: الذي بيننا وبينك من البعد دون ما بيننا وبين الشمس والبدر؛ لأنا نستطيع لقاءك ولا نبلغ إليهما بالمسير, وهما دونك في أحوالهما من الشرف والإنارة.
ودون: من الكلمات المستعملات ظروفًا.
وزعم سيبويه أنها لا ترفع, ثم عرض في كتابه شيء يقال: إنه ليس من الكتاب, وذلك أنه لما ضعف الرفع في دون أنشد بيتين, دون فيهما مرفوعة: أحدهما قد سقط من أوله شيء وهو: [الطويل]
.... يحسر الآل مرة ... فتبدو وأخرى يغرق الطرف دونها
والساقط في هذا البيت أكثر ما يكون عشرة أحرف وأقل ما يكون سبعةً. والآخر ينسب إلى ذي الرمة وهو: [الطويل]
وبيداء يحمي دونها ما وراءها ... ولا يختطيها الدهر إلا المخاطر
ودون: كلمة قد اتسع فيها, واستعملت ظرفًا وغير ظرف, فقالوا: فلان دون؛ أي: ليس برفيعٍ, وهو يرضى بالدون؛ أي: بالشيء الخسيس, قال الشاعر: [المتقارب]
إذا ما علا المرء رام العلاء ... ويقنع بالدون من كان دونا
ويروى لجذيمة الأبرش: [الخفيف]
خبريني وأنت لا تكذبيني ... أبلص زنيت أم بهجين
أم بعبدٍ وأنت أهل لعبدٍ ... أم بدونٍ وأنت أهل لدون
وهذا يدل على أن الرفع يجوز في دون إذا أجريت مجرى خلف وأمام. وأما قول الحنفي: [الطويل]
ألم تريا أني حميت حقيقتي ... وباشرت حد الموت والموت دونها
وجدت بنفسٍ لا يجاد بمثلها ... وقلت اطمئني حين ساءت ظنونها
فالناس يروونه برفع دون, وليس ذلك ببعيدٍ؛ أي: والموت صغير هذه الخطة. فإن رواه راوٍ بالنصب فهو نحو من الإقواء. وقد روي عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يروي في قصيدة الأعشى التي أولها قوله: [الكامل]
رحلت سمية غدوةً أجمالها
قوله:
هذا النهار بدا لها من همه ... ما بالها بالليل زال زوالها
فيرفع زوالها, واللام في القصيدة كلها مفتوحة. وفي شعر عمران الخارجي قصيدة على الميم فيها مواضع كثيرة مضمومة الميم, ومواضع مفتوحة وأولها: [مجزوء الكامل]
الحمد لله الذي ... يعفو ويشتد انتقامه
وفيها:
فهناك مجزأة بن ثو ... رٍ كان أشجع من أسمه
وقوله:
كأنك برد الماء لا عيش دونه ... ولو كنت برد الماء لم يكن العشر
العشر: أقصى أظماء الإبل, فهو أن ترد يومًا وترعى ثمانية, ثم ترد في اليوم العاشر, قال ذو الرمة: [الطويل]
حنين اللقاح الخور حرق ناره ... بغولان حوضى فوق أكبادها العشر
غولان: ضرب من الحمض. وحوضى: موضع. يقول: لو كنت أيها الممدوح برد الماء لم تصبر الإبل عنه عشرًا؛ لأنها لا تستطيع الصبر عنه.
وقوله:
وما قلت من شعر تكاد بيوته ... إذا كتبت يبيض من نورها الحبر
بعض الناس يحكي أنه قال: وما قلت؛ لأن الممدوح كان يشعر ثم جعله لنفسه. والحبر: يجوز أن يكون أخذ (80/أ) من قولهم: هو حسن الحبر؛ أي: الهيئة؛ أي: هذا الشيء يحسن الكتاب. ويحتمل أن يكون من قولهم: الحبر في معنى الأثر؛ أي: هذا أثر لأهل العلم, قال الشاعر في أن الحبر الأثر: [الطويل]
لقد أشمتت بي أهل فيدٍ وغادرت ... بجلدي حبرًا بنت مصان باديا
وقوله:
كأن المعاني في فصاحة لفظها ... نجوم الثريا أو خلائقي الزهر
الذي يحكون أنه قال: وما قلت على خطاب الممدوح يرون أنه قال: خلائقك الزهر, وذلك جدير بأن يكون.
وقوله:
لساني وعيني والفؤاد وهمتي ... أود اللواتي ذا اسمها منك والشطر
الأود: يحتمل أن يكون واحدها, ود, وود, وود؛ لأنهم يقولون: فلان ودي وودي وودي كأنهم وصفوه بالمصدر قال النابغة: [البسيط]
إني كأني لدى النعمان خبره ... بعض الأود حديثًا غير مكذوب
يقول: لساني مواد لسانك, وكذلك فؤادي مواد فؤادك, والعين والهمة كذلك.
وقال: ذا اسمها, ولولا الوزن لوجب أن يقول هذه أسماؤها, ولكنه محمول على قولة: اللواتي ذا لفظها. والشطر: النصف؛ أي: أن هذه المذكورة مني كأنها مشاطرة المسميات بها من خلقك وخلقك.









مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید