المنشورات

رويدك أيها الملك الجليل ... تأي وعده مما تنيل

وزنها من أول الوافر. ورويد عند البصريين قد رخمت ترخيم التصغير, وأصلها الإرواد, وهو ضد الإسراع, يقال: فرس حثيث المرود, وهذا البيت ينسب إلى امرئ القيس بن حجرٍ, وإلى امرئ القيس بن عابسٍ الكندي, وهو: [المتقارب]
وأعددت للحرب وثابةً ... جواد المحثة والمرود
أنشده الفراء بضم الميم من المرود وفتحها, وكذلك مذهبه فيما عدده أربعة أحرفٍ فيقول: الممسى والمصبح والممسى والمصبح.
ورويد: ينتصب الاسم بعدها على تقدير قولك: أرود زيدًا؛ أي: لا تعجله, قال الهذلي: [الطويل]
رويد عليًا جد ما ثدي أمهم ... إلينا ولكن ودهم متماين
متماين من المين, وهو الكذب, ويروى: متيامن؛ أي: يميل إلى اليمن. وقد يخفض ما بعد رويد في مثل قولك: رويدك ورويد كما, وقال قوم: تكبير رويدٍ: رود, وأنشدوا هذا البيت: [البسيط]
يكاد لا يثلم البطحء مشيته ... كأنه ثمل يمشي على رود
ويجوز أن يكون اشتقاق رويد من: راد الرائد إذا طلب الكلأ للقوم؛ لأنه يتأنى في مشيته ليعرف مكان الإخصاب. وقوله: تأي: من قولهم: تأيا في أمره, إذا تمكث ولم يستعجل فيه, وقوله: عده: الهاء راجعة إلى التأيي, ومثل ذلك كثير, يقال: من كذب كان شرًا له؛ أي: كان الكذب, وقال جرير: [الطويل]
إذا اكتلحت عيني بعينك لم تزل ... بخير وجلى غمرةً عن فؤاديا
أراد: وجلى الاكتحال. ونصب جودك في قوله: وجودك بالمقام؛ لأنه عطفه على ما قبله كأنه قال: أرود وأعطنا جودك.
وقوله:
لأكبت حاسدًا وأري عدوا ... كأنهما وداعك والرحيل
أراد جد بالمقام لأكبت حاسدًا, وأري عدوًا من الوري, يقال: وراه وريًا, وهو داء في الجوف, قال الراجز: [الرجز]
قد اذلغفت وهي لا تراني ... إلى البيوت مشية السكران
وحبها في الصدر قد وراني
اذلغفت: أي: أسرعت. وسكن الياء من أري ضرورةً. وقوله: كأنهما وداعك والرحيل: يعني: العدو والحاسد؛ أي: أنا (135/ب) أبغضهما كما أكره وداعك ورحيلك.
وقوله:
ويهدأ ذا السحاب فقد شككنا ... أتغلب أم حياه لكم قبيل
وصف قوم الممدوح بالجود, فزعم أنه قد شك: أتغلب ابنة وائلٍ لكم قبيل أم هذا السحاب. وأصحاب اللغة يقولون: القبيلة من بني أبٍ واحدٍ, والقبيل: جماعة من الناس, يجوز أن يكونوا من ولد رجلٍ واحدٍ, أو من أبناء قومٍ مختلفين, ولما كان القبيل يجري مجرى الجماعة جاز أن يقع في هذا الموضع, كما يقال: صحب الرجل؛ فيجوز أن يكونوا من بني أبيه, ومن غيرهم, وكذلك القبيل في هذا البيت يجوز أن يستعمل في معنى القبيلة, وفي معنى الجمع الذين يكونون مع صاحب الجيش.
وقوله:
وكنت أعيب عذلًا في سماحٍ ... فها أنا في السماح له عذول
الهاء في له عائدة على السحاب, والمعنى: أني كنت أعيب عذلًا في السماح, فلما دام هذا المطر عذلته في الدوام؛ لأنه منعنا من السير, وهذا اللفظ على أن سيف الدولة أراد المسير فسأله الشاعر أن يتلبث.
وقوله:
وما أخشى نبوك عن طريقٍ ... وسيف الدولة الماضي الصقيل
لما أخبر عن السحاب بالهاء, فقال: فها أنا في السماح له عذول, رجع إلى خطاب سيف الدولة؛ لأنه ابتدأ في أول الأبيات بخطابه, ولو أمكنه أن يقول: وأنت سيف الدولة لكان ذلك أبين, ولكنه لم يمكنه الوزن من المراد, وهذا كقولك لرجل اسمه علي أو غيره: قد فعلت حميلًا, وعلي أهل لذلك. فاستغنى بعلم المخاطب بالمراد عن أن يقول: وأنت من أمرك.
وقوله:
وكل شواة غطريفٍ تمنى ... لسيرك أن مفرقها السبيل
الشواة: جلدة الرأس, واختلف أبو عمرو بن العلاء وأبو الخطاب الأخفش في بيت الأعشى, فرواه أبو عمروٍ: [مجزوء الكامل]
قالت قتيلة ما له ... قد جللت شيبًا شواته
وروى أبو الخطاب: سراته؛ أي: أعلى رأسه, والمعنى واحد. ويقال لجلد جميع الجسد: شواة, ومنه قوله تعالى: {نزاعةً للشوى} , وقال أمية بن أبي الصلت, وكان قد قرأ الكتب التي في أيدي أهل الملل فنظم شيئًا منها في شعره: [الطويل]
سينزع في النار التي هو داخل ... شوى كان في الدنيا به يتزين
وتمنى يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون تتمنى بتاءين, ويكون متمنيه الشواة, والآخر أن يكون تمنى فعلًا ماضيًا, وفيه ضمير يعود إلى الغطريف.
وقوله:
ومثل العمق مملوءٍ دماءً ... مشت بك في مجاريه الخيول
خفض مثل بواو رب, ومثل لا تتعرف بإضافتها إلى المعرفة, قال الشاعر: [الكامل]
يا رب مثلك في النساء غريرةٍ ... بيضاء قد متعتها بطلاق
خفض مملوءًا؛ لأنه نعت لمثلٍ. وقافية هذه القصيدة من المتواتر, وهي اللام والواو, والقافية عند الخليل: ليلو من قوله: الخليل, [و] وصولو من قوله: الوصول.









مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید