المنشورات
نعد المشرفية والعوالي ... وتقتلنا المنون بلا قتال
وزنها من أول الوافر. وسكن الياء من العوالي للضرورة, وذلك من أسهل الضرورات؛ لأنهم قد سكنوا هذه الياء في حشو البيت, والقافية أحمل لما يحذف من جميع ألفاظ الموزون.
وقوله:
ونرتبط السوابق مقرباتٍ ... فما ينجين من خبب الليالي
مقربات: جمع مقربةٍ وهي الفرس الأنثى تكون قريبةً من البيت, ويقال: إنهم كانوا يفعلون ذلك خيفة أن ينزو عليها فحل ليس بكريمٍ, والشعر يدل على أنهم كانوا يدنون الخيل من بيوتهم ليتيسير ركوبها عليهم إذا أغار مغير أو صرخ صارخ, فالذكر والأنثى فيه سواء, قال المقنع الكندي: [الطويل]
يعاتبني في الدين قومي وإنما ... ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
(136/أ) فمن فرسٍ نهدٍ عتيقٍ جعلته ... حجابًا لبيتي ثم أخدمته عبدا
وقالت أم تأبط شرًا وهي ترثيه:
وابناه ... وابن الليل ... ليس بزميل ... شروبٍ للقيل ... يضرب بالذيل ... كمقرب الخيل
وابناه ... ليس بعلفوف ... تلفه هوف ... حشي من صوف
فقولها: كمقرب الخيل: يدل على أنهم كانوا يقربون الذكور كما يقربون الإناث, والزميل: الضعيف الذي يتزمل في ثيابه وينام. والعلفوف: الجافي, والهوف: ريح حارة تأتي من قبل اليمن, والقيل: شرب نصف النهار. يقول: إن الخيل وإن كانت سوابق نواجي فإن الليالي تدركها وتدرك فوارسها بالسير الذي ليس بشديدٍ؛ لأن الخبب عندهم أول العدو وأخفه.
وقوله:
وهان فما أبالي بالرزايا ... لأني ما انتفعت بأن أبالي
سكن الياء في أبالي, وقد مضى القول في ذلك. وأصل المبالاة: أن تستعمل في النفي, كما قال الأعشى: [الخفيف]
إن يعاقب يكن غرامًا وإن يعـ ... ـط جزيلًا فإنه لا يبالي
وربما استعملوه باليت في غير النفي؛ وذلك إذا جاء في آخر الكلام نفي, كما قال زهير: [الوافر]
لقد باليت مظعن أم أوفى ... ولكن أم أوفى لا تبالي
ولا يمتنع أن يكون قولهم: باليت مأخوذًا من بال الإنسان, وهو خلده, وما يجري فيه, ويكون محمولًا على القلب, كأن أصله باولته أي جرى على بالي, ثم قلبوا كما قالوا: لائث بالمكان أي مطيف به, ثم قالوا: لاثٍ وهي من باب قولهم: سلاح شائك وشاكٍ, قال العجاج: [الرجز]
لاثٍ به الأشاء والعبري
الأشاء: صغار النخل, والعبري: ما نبت من السدر على الأنهار.
وقوله:
وهذا أول الناعين طرًا ... لأول ميتةٍ في ذا الجلال
الناعين: جمع ناعٍ, وأصل النعي: رفع الصوت بالشيء وإظهاره, ويقولون: نعاء على مثال حذار, قال الفرزدق: [الطويل]
نعاء ابن ليلى للسماحة والندى ... وأضياف ليلٍ مقفعلي الأنامل
مقفعلي: جمع مقفعل, وهو الذي قد تقبضت يده من البرد. ونصب طر في مذهب قومٍ على الحال, وعلى مذهب آخرين على المصدر. واستعملوا قولهم: طرًا في معنى قولهم: جميعًا, وهو من قولهم: طر الإبل يطرها إذا جمعها من أطرارها؛ أي: نواحيها, وكذلك طررت النصل إذا أحددته.
وقوله:
صلاة الله خالقنا حنوط ... على الوجه المكفن بالجمال
حنوط الميت: ما حنط به, ويقال: إنه من قولهم: حنط الرمث إذا ظهر ورقه, كأنهم يريدون أن الحنوط يشبه لونه لون الرمث إذا حنط, وقد يجوز أن يكون اشتقاق الحنوط من الحنطة وألوانها تختلف.
وقوله:
وزلت ولم تري يومًا كريهًا ... تسر الروح فيه بالزوال
معنى هذا البيت أن الإنسان تمر به شدائد يتمنى معها الموت, ومن كلام العامة: شر من الموت ما يتمنى منه الموت؛ فكأن هذه المرثاة لو مات ولدها لكان ذلك عليها أشد من موتها. والروح تذكر وتؤنث.
وقوله:
رواق العز فوقك مسبطر ... وملك علي ابنك في كمال
الرواق مأخوذ من رواق البيت, وهو ما قدامه, والمسبطر: الممتد, وهو مشتق من السبطر, يقال: رجل سبطر؛ أي: طويل, ويقال: اسبطرت الخيل إذا امتدت في الجري, وكذلك غيرها, قال عمرو بن معدي كرب: [الطويل]
ولما رأيت الخيل زورًا كأنها ... جداول زرعٍ أرسلت فاسبطرت
وقال عمر بن أبي ربيعة: [المنسرح]
قالت لها قد غمزته فأبى ... ثم اسبطرت تمشي على إثري
وقوله (136/ب):
لساحيه على الأجداث حفش ... كأيدي الخيل أبصرت المخالي
الساحي: الذي يسحى الأرض؛ أي: يقشرها, ويقال: حفش الغيث الأرض إذا استخرج ما فيها من ترابٍ أو نبتٍ, وحفش الفرس جريه إذا استخرج أقصى ما عنده, وقال زهير: [الطويل]
فأدبر آثار الشبام وليدنا ... كشؤبوب غيثٍ يحفش الأكم وابله
والمخالي: جمع مخلاةٍ, مفعلةٍ من الخلا, وهو الرطب المرعي, وأصلها مخلية, فقلبت الياء ألفًا.
وقوله:
أسائل عنك بعدك كل مجدٍ ... وما عهدي بمجدٍ منك خال
جعل المجد كأنه ربع للمفقودة فهو يسأل عنها. وخالٍ في القافية يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون في موضع خفضٍ؛ لأنه نعت لمجد, ويكون المعنى ليس لي عهد بمجدٍ خالٍ منك, والآخر أن يكون خالٍ في موضع نصبٍ على الحال, كأنه قال: وما عهدت مجدًا منك خاليًا.
وقوله:
نزلت على الكراهة في مكانٍ ... بعدت على النعامى والشمال
قد حذف من هذا البيت ضمير, والتقدير بعدت على النعامى والشمال فيه لأنهما لا تصلان إليك, والنعامى: الجنوب, وقيل: الصبا, قال أبو ذؤيبٍ الهذلي: [المتقارب]
مرته النعامى فلم يعترف ... خلاف النعامى من الشام ريحا
وقوله:
تحجب عنك رائحة الخزامى ... وتمنع منك أنداء الطلال
الطلال: جمع طل, وهو المطر الضعيف, ويقال: خزامى طلة, أي: قد بلها الطل أو الندى, قال جميل: [الطويل]
كأن الخزامى طلةً في ثيابها ... بعيد الكرى أو فأر مسكٍ يذبح
ويقال لامرأة الرجل: طلته؛ لأنه ينتفع بها كما ينتفع النبت بالطل, ويجوز أن تكون مأخوذةً من قولهم: طل على الشيء إذا أشرف عليه, كأنها تطل على زوجها, ويطل عليها, قال الشاعر: [الوافر]
ألا يا أم عمرو لا تلومي ... إذا اجتمع الندامى والمدام
أفي بكرين نالهما سواف ... تأوه طلتي ما إن تنام
وقوله:
يعللها نطاسي الشكايا ... وواحدها نطاسي المعالي
النطاسي: الطبيب, وإنما قيل له: نطاسي؛ لأنه يتنطس في الأشياء, أي: يجتهد في معرفتها ودوائها. قال الشاعر: [الطويل]
إذا آسها الآسي النطاسي أرعشت ... أنامل آسيها وجاشت كلومها
ويقال: رجل نطيس في معنى نطاسي, قال الراجز: [الرجز]
وقد أكون مرةً نقريسا
طبًا بأدواء الصبى نطيسا
ويقال: عللت المريض: إذا قمت عليه في مرضه. والمعنى: أن المرأة يعللها النطاسي الذي يداوي المرضى, وابنها نطاسي المعالي؛ أي: إذا خاف عليها المرض فدواؤها عنده, ثم شرح الشاعر كيف تداوى المكارم بقوله:
إذا وصفوا له داءً بثغرٍ ... سقاه أسنة الأسل الطوال
لما كان الطبيب يسقي المريض الأشربة استعار الشاعر السقيا للأسنة, فجعل مداوي الثغر يطلب شفاءه بالأسنة كطلب النطاسي شفاء العليل بالأدوية.
وقوله:
وليست كالإناث ولا اللواتي ... تعد لها القبور من الحجال
الحجال: جمع حجلةٍ, وهو بيت صغير في البيت الكبير من أبيات البادية, وقيل: هو الخدر, قال الراجز: [الرجز]
يارب بيضاء ألوف للحجل ... تسأل عن جيش سبيع ما فعل
جيش سبيعٍ سالم وقد قفل
وقال ذو الرمة: [الوافر]
كأن الناس حين تمر حتى ... عواتق لم تكن تدع الحجالا
قيامًا ينظرون إلى بلالٍ ... رفاق الحج تنتظر الهلالا
وقوله:
ولا من في جنازتها تجار ... يكون وداعها نفض النعال
يقال: جنازة وجنازة, قال الكميت: [الخفيف]
كان ميتًا جنازةً خير ميتٍ ... غيبته حفائر الأقوام
وقال قوم: الجنازة الميت, والجنازة النعش.
وقوله: (137/أ):
مشى الأمراء حوليها حفاةً ... كأن المرو من زف الرئال
المرو: حجارة محددة, ويقدح منها النار, والزف صغار الريش, والرئال: جمع رألٍ, وهو ولد النعامة, وخصها؛ لأن الرأل أنعم ريشًا من النعامة.
وقوله:
وأبرزت الخدور مخبآتٍ ... يضعن النقس أمكنة الغوالي
أي: جواري هذه المفقودة أبرزتهن الخدور, وكن يضعن الغالية على وجوههن فصرن يضعن النقس, وهو المداد, في مواضع الغالية.
وقوله:
أتتهن المصيبة غافلاتٍ ... فدمع الحزن في دمع الدلال
أراد أن هؤلاء الجواري كن في غفلة عما جاءهن, وكن يتدللن فيبكين؛ فوردهن الحزن آمناتٍ منه فبكين حزنًا لا دلالًا, فاختلط منهن الدمعان.
وقوله:
ولو كان النساء كمن فقدنا ... لفضلت النساء على الرجال
إذا رويت على ما لم يسم فاعله فهو أبلغ في المدح, وأقوى في السمع؛ لأن التفضيل عام, وإذا قال: لفضلت, بفتح الفاء, فقد جعل التفضيل إنما يقع من نفسه خاصةً, وليس لفضلت في المسمع قوة فضلت, وإنما حاد أبو الطيب عن الضم؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد فضل أم سيف الدولة عليه.
وقوله:
وما التأنيث في اسم الشمس عيب ... ولا التذكير فخر للهلال
احتج لتفضيل المرأة على الرجل بحجةٍ ما سبقه إليها شاعر؛ لأنه زعم أن الشمس مؤنثة, وهي النور الذي يزعم بعض الناس أنها تنير في السماء كما تنير في الأرض, ووصف الهلال بالتذكير, وهو كثير التنقل, يستسر, ويصيبه المحاق, فجعل ذلك كالنقص فيه.
وقوله:
يدفن بعضنا بعضًا وتمشي ... أواخرنا على هام الأوالي
أراد الأوائل, فقلب, كما قالوا: الليايل, والليالي, قال الشاعر: [الطويل]
ولدنك والبدر بن عائشة التي ... أضاء ابنها مسحنككات الليايل
وحكى أبو عبيدة: التراقي والترائق, وأنشد: [الطويل]
هم زودوني يوم قو حرارةً ... مكان الشجا تجول بين الترائق
وقوله:
وأنت تعلم الناس التعزي ... وخوض الموت في الحرب السجال
يقال: حرب سجال؛ أي: تكون مرةً لهؤلاء ومرةً لغيرهم, وهي مأخوذة من قولهم: ساجل المستقي غيره إذا استقى كل واحد منهما لينظر أيهما أكثر استخراجًا للماء, قال الشاعر: [الرمل]
من يساجلني يساجل ماجدًا ... يملأ الدلو إلى عقد الكرب
والسجل: مذكر, وهو الدلو الملأى ماءً.
وقوله:
فلا غيضت بحارك يا جمومًا ... على علل الغرائب والدخال
غيضت: أي: نقصت. يقال: غاض الشيء وغاضه غيره, قال الأسود بن يعفر: [الكامل]
إما تريني قد كبرت وغاضني ... ما نيل من بصري ومن أجلادي
والجموم: الذي يجم ماؤه؛ أي: يكثر. والغرائب: جمع غريبةٍ من الإبل, وهي التي ترد الحوض وليست من إبل صاحبه, يقولون في المثل: «ضربه ضرب غريبة الإبل». قال المثقب العبدي: [الوافر]
كأن نفي ما ترمي يداها ... قذاف غريبةٍ بيدي معين
والدخال: من قولهم: ناقة مداخل, وذلك أن الرجل إذا أورد إبله الماء فظن أن بعضها لم يستكمل الشرب أخذه فجعله بين بعيرين لم يشربا فيقال: أورد إبله دخالًا.
قال لبيد (137/ب): [الوافر]
فأوردها العراك ولم يذذها ... ولم يشفق على بعض الدخال
ويروى نغض الدخال, والنغض من تنغيض الشرب, والنغض من كثرة الحركة, وقال آخر: [الطويل]
ولا عيب في إيرادها غير أنها ... إذا أوردت كانت قليل دخالها
وقوله:
رأيتك في الذين أرى ملوكًا ... كأنك مستقيم في محال
فإن تفق الأنام وأنت منه ... فإن المسك بعض دم الغزال
أصل المستقيم والمحال في الكلام؛ فمستقيمه كقولك: اليوم الجمعة, وفلان كريم, والمحال يحتمل وجهين:
أحدهما: ما كان غير صادق؛ وذلك يقع على مكذوبٍ, وإن كان يجوز مثله؛ لأنك إذا قلت: قدم فلان من سفره فمثل هذا لا ينكر أن يكون, فإن كان كذبًا فهو محال.
والآخر: مثل قولهم: أكلت غدًا عنبًا, فهذا مستحيل من وجهين؛ لأنه لم يأكل العنب, ولأنه زعم أنه فعل شيئًا ماضيًا في زمانٍ مستقبلٍ, وكذلك قول الرجل للآخر: سوف أزورك أمس قد جمع جمع تناقضًا من وجهين.
وحديث المسك وأخذه من الظباء مشهور. وبعض الفقهاء لا يرى أن يطيب به الميت لأن أصل الدم النجاسة, ولذلك مالوا إلى الكافور؛ لأنه يؤخذ من شجرٍ, وقد روي أن بعض من هلك في الإسلام قد طيب بالمسك ولكن الميل إلى الكافور.
والقافية من المتواتر, وهي اللام والياء, وعلى رأي الخليل: زالي من الغزال.
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
20 أبريل 2024
تعليقات (0)