المنشورات

أعلى الممالك ما يبنى على الأسل ... والطعن عند محبيهن كالقبل

الوزن من البسيط الأول.
والأسل: الرماح, والأسل أيضًا نبت تعمل منه الحصر, وواحد الأسل أسلة, قال الأفوه: [الكامل]
وكأنما أسلاتهم مطلية ... بالمهل من عرق الكلوم إذا جرى
وإنما أخذ الأسل من الأسل, ويقال: وجه مأسول إذا كان ناعمًا غير كثير اللحم, ومن ذلك قيل لخد الفرس: أسيل, وإنما هو في معنى مأسولٍ. وقال: والطعن عند محبيهن؛ لأنه جعل الطعن جمع طعنةٍ, والأشبه به أن يكون مصدر طعن, ولو أنه في غير الشعر لكان الوجه أن يقول: والطعن عند محبيه, ومثل ذلك: الضرب (140/أ) حمله على أن يكون مصدر ضرب أوجه من حمله على أن يكون جمع ضربة, مثل: تمرة وتمر.
وقوله:
وما تقر سيوف في ممالكها ... حتى تقلقل دهرًا قبل في القلل
تقلقل من القلقلة وهي الحركة العنيفة, ويقال: رجل قلقل وهو الكثير الحركة, والقلل جمع قلةٍ وهو أعلى الرأس, ويقال لقبيعة السيف: قلة, وسيف مقلل, قال أبو كبير الهذلي: [الكامل]
ولقد شهدت الحي بعد هدوهم ... تعلى جماجمهم بكل مقلل
وقوله:
على الفرات أعاصير وفي حلبٍ ... توحش لملقى النصر مقتبل
أعاصير: جمع إعصارٍ, وهو غبار تلفه ريح شديدة, وفي الكتاب العزيز: {إعصار فيه نار فاحترقت} , وينشد لحسان بن ثابتٍ: [البسيط]
كأنهم قصب جفت أسافله ... مجوف نفخت فيه الأعاصير
ويقال في المثل: «إن كنت ريحًا فقد لاقيت إعصارا» يقال للرجل الذي يلقاه أشد منه.
وقوله:
يلقى الملوك فلا يلقى سوى جزرٍ ... وما أعدوا فلا يلقى سوى نفل
الجزر أصله في الشاء, الواحدة جزرة, ثم شبهت القتلى بالجزر من الشاء, قال عنترة: [الكامل]
إن يفعلا فلقد تركت أباهما ... جزر السباع وكل نسر قشعم
وخصت الجزور بهذا الاسم فلم يقال لها جزرة كما أن الشاة لا يقال لها جزور.
وقوله:
صان الخليفة بالأبطال مهجته ... صيانة الذكر الهندي بالخلل
الخلل: ضرب من الثياب تبطن بها غمود السيوف وتغشى بها, قال الشاعر: [مجزوء الوافر]
لخولة موحشًا طلل ... يلوح كأنه خلل
يقول: الخليفة قد صان مهجته بالأبطال؛ فهم كالخلل للسيف, وهذا البيت مدح للخليفة وانتقاص بالأبطال, والأشبه أن تكون الهاء في مهجته عائدةً إلى سيف الدولة؛ لأنها إن عادت إلى الخليفة كان ذلك كالإزراء بالممدوح لأنه بعض الأبطال.
وقوله:
الفاعل الفعل لم يفعل لشدته ... والقائل القول لم يترك ولم يقل
يقول: أفعال سيف الدولة يتركها الناس لأنها مستصعبة, وقوله: القائل القول لم يترك ولم يقل؛ أي إنه ينطق بالحكمة التي لم يصل إليها سواه. وقوله: لم يترك؛ أي لم يترك القائلون طلبه, ولما لم يصلوا إليه كان كأنه لم يقل.
وقوله:
والباعث الجيش قد غالت عجاجته ... ضوء النهار فصار الظهار كالطفل
غالت: أي أهلكت, والعجاجة: الغبار؛ أي هذه العجاجة قد سترت الشمس, فالظهر كآخر النهار الذي قد دنا منه الليل.
وقوله:
الجو أضيق ما لاقاه ساطعها ... ومقلة الشمس فيه أحير المقل
الجو: ما بين السماء والأرض, وهذا إسراف في المبالغة, وقد خرج إلى الإحالة؛ لأنه جعل ما بين السماء والأرض أضيق ما لا قاه هذا الساطع, وما الشيء الذي يكون أوسع من الجو؛ فاستعار المقلة اللشمس لما كانوا يقولون: طلعت عينها ونحو ذلك.
وقوله:
قد عرض السيف دون النازلات به ... وظاهر الحزم بين النفس والغيل
ظاهر الحزم؛ أي جعل بعضه فوق بعضٍ [كما] (*) يظاهر الرجل بين درعين, قال علقمة: [الطويل]
مظاهر سربالي حديدٍ عليهما ... عقيلا حروبٍ مخذم ورسوب
والغيل: جمع غيلةٍ, وهي ما يغول الإنسان؛ أي يهلكه, والحزم: جودة الرأي وقوته, وهو من قولهم: حزم الرحل إذا أحكم شده.
وقوله:
ووكل الظن بالأسرار وانكشفت ... له ضمائر أهل السهل والجبل
أي وكل ظنه بأسرار الناس, فظنه كعلم غيره, فالأسرار ليست بالخافية عليه.
وقوله:
هو الشجاع يعد البخل من جبنٍ ... وهو الجواد يعد الجبن من بخل
(140/ب) وصفه بالشجاعة, وزعم أنه يرى البخل جبنًا من قلة المال؛ فهو يتركه لأنه شجاع يرى البخل جبنًا, ويعد الجبن من بخل؛ أي إنه إذا جبن فقد بخل بنفسه عن الحمام.
وقوله:
يعود من كل فتحٍ غير مفتخرٍ ... وقد أغذ إليه غير محتفل
أراد بالفتح ما يفتحه من البلاد, والفتح مصدر؛ فيجوز أن يقع على البلد, كما يقع اسم الشيء على ما قاربه, والإغذاذ من قولهم: أغذ السير إذا جد فيه وأسرع, قال الراجز: [الرجز]
لما رأيت السير في إغذاذ ... جئت مسلمًا على معاذ
تسليم طرماذٍ على طرماذ وقوله:
بذي الغباوة من إنشادها ضرر ... كما تضر رياح الورد بالجعل
يقال إن الجعل يألف المواضع الكريهة الرائحة, وتشق عليه الرائحة الطيبة, قال جرير: [البسيط]
يا مرفقي إن الجعل يألف المواضع الكريهة الرائحة, وتشق عليه الرائحة الطيبة, قال جرير: [البسيط]
يا مرفقي جعلٍ يدعى لشر أبٍ ... في الصيف يدخل بيتًا غير مكنوس
وقوله:
يا من يسير وحكم الناظرين له ... فيما يراه وحكم القلب في الجذل
يعني بالناظرين: ناظري الممدوح, أي له فيما يراه حكم ناظريه [كما له] (*) حكم القلب في الجذل أي الفرح, فإذا تمنى قلبه شيئًا وصل إليه. ومن روى: الناظرين في معنى المنجمين فله معنى, ولا يبنغي أن يعدل عن الوجه الأول, لأن قوله: حكم القلب في الجذل يشهد بأن الناظرين عينا الممدوح.
وقوله:
ينظرن من مقلٍ أدمى أحجتها ... قرع الفوارس بالعسالة الذبل
الأحجة: جمع حجاجٍ وحجاجٍ, وهو عظم الحاجب, قال الراجز: [الرجز]
تغدو إذا ما لحمها تفرجا ... إذا حجاجا مقلتيها هججا
يقال: هجت العين إذا غارت, وأراد إذا حجاجا مقلتيها غارت المقلتان اللتان فيهما الحجاج لا يهجج, فحمله على حذف المضاف. والعسالة: الرماح لأنها تعسل, أي تضطرب كما يضطرب متن الذئب والثعلب. قال ساعدة بن جؤية في صفة الرمح: [الكامل]
لدنٍ بهز الكف يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب
والقافية من المتراكب وهي أسل من قوله: والأسل, والقافية عند الخليل أولها.










مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید