المنشورات

أجاب دمعي وما الداعي سوى طلل ... دعا فلباه قبل الركب والإبل

وزنها من البسيط الأول.
يقول: دعا دمعي الطلل, وهو ما شخص من آثار الديار؛ فأجابه قبل أن يجيبه الركب والإبل؛ يريد أن دمعه سبق قبل أن يقف به الركب.
وقوله:
ظللت بين أصيحابي أكفكفه ... وظل يسفح بين العذر والعذل
يقال: ظللت أفعل كذا إذا فعله بالنهار, وكفكف الرجل دمعه وغيره إذا حبسه, ويقال: سفح الدمع وسفحه غيره إذا أساله, قال كثير: [الطويل]
لعزة هاج القلب فالدمع سافح ... مغانٍ عفت منها مبين وماصح
ويقال: سفح الرجل الدم إذا سفكه, وكذلك سفح الماء من المزادة, وقيل: إنما سمي السفاح سفاحًا لأنه أراق ما كان معه من الماء, وقال لأصحابه: إن لم تردوا ماء الكلاب وإلا متم عطشًا؛ فسمي السفاح, وافتخر به الأخطل فقال: [الكامل]
فأخوهما السفاح ظمأ خيله ... حتى وردن جبا الكلاب نهالا
وأبو العباس السفاح من بني العباس: سمي بذلك لأن أصحابه سفحوا الدماء.
وقوله:
أشكو النوى ولهم من عبرتي عجب ... كذاك كانت وما أشكو سوى الكلل
(145/ب) يقول: أشكو النوى وأصحابي يعجبون من عبرتي, وليس ينبغي أن يعجبوا لذلك؛ لأنها كانت على ما شهدوه الآن. والذين أحب قريب ليس بيني وبينهم سوى الكلل: جمع كلةٍ وهي الستر, فكيف بي إذا اجتمعت الكلل مع البعد.
وقوله:
متى تزر قوم من تهوى زيارتها ... لا يتحفوك بغير البيض والأسل
يقول: متى تزر قوم هذه المرأة جعلوا ما يتحفونك به سلهم السيوف ليقتلوك, وإشراعهم الرماح إليك, وهذا كقول الآخر: [الخفيف]
ليس بيني وبين قيسٍ عتاب ... غير طعن الكلى وضرب الرقاب
وقوله:
ما بال كل فؤادٍ في عشيرتها ... به الذي بي وما بي غير منتقل
أجود ما يتأول في هذا المعنى أن يجعل الذي يجده من الشوق كأنه شخص, والشخص إذا حصل في مكان شغله ولم يشغل غيره, فإذا اعتقد ذلك صح إنكاره لثبات وجده؛ لأنه في أماكن كثيرةٍ, والشخص لا يشغل مكانين, وأما العرض فلا يشغل مكانًا؛ فإذا كان في قلبٍ واحدٍ جاز أن يكون في قلوب عالمٍ كثيرٍ.
وقوله:
مطاعة اللحظ في الألحاظ مالكة ... لمقلتيها عظيم الملك في المقل
جعل هذه المذكورة مطاعة اللحظ في الألحاظ؛ كأن مقلتيها ملكتان في المقل, وإنما يراد بذلك تفضيل مقلتيها على غيرها, كفضل الملك على السوقة, فأما المقلة فلا يصح كونها ملكةً في المقل إلا على مذهب الشعراء وادعاء الباطل.
وقوله:
وقد أراني الشباب الروح في بدني ... وقد أراني المشيب الروح في بدلي
معنى هذا البيت: أني كنت في حال شبيبتي على حالٍ فغيرها تقادم الدهر؛ لأني شبت, وكان شعري حالكًا, وقل ماء وجهي, وكان كثيرًا, وضعفت أعضائي بعد قوةٍ, فكأن جسمي قد بدل, وهذا معنى يتردد في الشعر كثيرًا, ومنه قول النمر بن تولبٍ: [الطويل]
لعمري لقد أنكرت نفسي ورابني ... مع الشيب أبدالي الذي أتبدل
فضول أراها في أديمي بعدما ... تكون كفاف اللحم أو هو أجمل
كأن محطا في يدي حارثيةٍ ... صناعٍ علت مني به الجلد من عل
وقال كثير: [الطويل]
وقد زعمت أني تغيرت بعدها ... ومن ذا الذي يا عز لا يتغير
وقال آخر: [الكامل]
الدهر أبلاني وما أبليته ... والدهر غيرني وما يتغير
والدهر قيدني بحبلٍ مبرمٍ ... ومشيت فيه فكل يومٍ يقصر
وقد ذهب قوم إلى أن معنى بيت أبي الطيب: أنه كان شابًا, فلما ذهب الشباب عنه رآه في غيره من الناس. والقول الأول أجود.
وقوله:
وقد طرقت فتاة الحي مرتديًا ... بصاحبٍ غير عزهاةٍ ولا غزل
يعني بالصاحب هاهنا: السيف. وذكر أنه مرتديه لأن العرب تسمي السيف رداءً, والعزهاة: الذي يحب حديث النساء, يقال: رجل عزهاة وعزهى على وزن فعلى, والغزل الذي يحب حديث النساء, يقول: صاحبي هذا لا يوصف بهذين الوصفين.
وقوله:
فبات بين تراقينا ندفعه ... وليس يعلم بالشكوى ولا القبل
هذا من نحو معنى بيتٍ يروى لامرئ القيس وغيره, وهو: [الطويل]
تجافى عن المأثور بيني وبينها ... وتدني علينا السابري المضلعا
وقوله:
ثم اغتدى وبه من ردعها أثر ... على ذؤابته والجفن والخلل
الردع من قولهم: ردعت المرأة نفسها بالزعفران إذا اطلت به, وكذلك ارتدع الرجل بالدم والطيب. والمعنى: أنه دنا من هذه المرأة حتى لصق الطيب الذي تطيبت به بسيفه؛ فصار بذلك له فضيلة عند الصاحب.
وقوله:
لا أكسب الذكر إلا من مضاربه ... أو من سنانٍ أصم الكعب معتدل
(146/أ) كان كالملغز في صفة السيف, ثم أبان مراده بقوله: لا أكسب الذكر إلا من مضاربه. وينبغي أن يضاف سنان إلى أصم فذلك أجود من التنوين؛ لأن في السنان نونين؛ فإذا لحقه التنوين صار في الكلمة ثلاث نونات, ومع هذا فإن السنان لو نون لكان معناه: ومن سنان أصم كعبه, والكعب ليس للسنان وإنما هو للرمح, فإن كان ذلك جائزًا على الاستعارة كان كونه للرمح أشبه وأليق.
وقوله:
والمدح لابن أبي الهيجاء تنجده ... بالجاهلية عين العي والخطل
تنجده أي تعينه, وتنجده في موضع نصب على الحال. والمعنى: والمدح لابن أبي الهيجاء إذا أنجدته بذكر الجاهلية والرؤساء الذين كانوا فيها عين العي أي حقيقته.
والخطل: اضطراب الكلام وكثرته, ومنه قيل: رمح خطل أي يهتز, والمعنى: أن المادح له لا يحتاج إلى غيره من قديمي الآباء ولا حديثهم.
وقوله:
ليت المدائح تستوفي مناقبه ... فما كليب وأهل الأعصر الأول
المناقب: جمع منقبةٍ, وأصل ذلك أن الملك كان إذا استولى على الأمور حفر الأنهار وفتح العيون؛ يعد ذلك من عظيم أفعاله ومما يحمد عليه, فقيل: قد فعل منقبةً؛ أي أظهر شيئًا نقب عنه, ثم كثر ذلك حتى سميت المكرمة منقبةً وإن لم يكن ثم حفر.
وقوله: فما كليب يريد: فأي شيءٍ, ودخلت ما على الإنس؛ لأن المراد السؤال عن صفة كليبٍ مع الاحتقار لشأنه, أي فأي وصفٍ ما يوصف به كليب؟ ! يريد أنه قليل محتقر.
وقوله:
وقد وجدت مكان القول ذا سعةٍ ... فإن وجدت لسانًا قائلًا فقل
قوله: وجدت يجوز أن يكون خطابًا لغيره, لأنه قال: والمدح لابن أبي الهيجاء تنجده, ويحتمل أن يكون خطابًا لنفسه؛ لأن ذلك كثير في الشعر؛ يكون الشاعر في الظاهر مخاطبًا لغيره, وإنمان يعني نفسه, ومن ذلك قول سحيمٍ: [الطويل]
تريك غداة البين كفًا ومعصمًا ... ووجهًا كدينار الأعزة صافيا
يريد أنها أرته كفها ومعصمها لا لغيره. قال آخر: [البسيط]
تامت فؤادك لم تقض الذي وعدت ... إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا
إنما أراد أنها تامت فؤاده لا فؤاد غيره.
وقوله:
إن الهمام الذي فخر الأنام به ... خير السيوف بكفي خيرة الدول
قوله: فقل يحتمل أن يكون موصولًا بالبيت الذي بعده, وأن يكون منقطعًا منه.
وإذا كان غير موصولٍ به؛ فالمراد: قد وجدت القول متسعًا؛ فإن وجدت لسانًا يسعدك فانطق بما تقدر عليه, ويكون أول البيت الثاني في موضع رفعٍ على الابتداء.
وإذا جعل قل متصلًا بما بعده؛ فأول البيت الثاني في موضع نصب.
وقوله: بكفي خيرة الدول, والخيرة كلمة كالشاذة؛ لأنهم قالوا: فلان خير من فلانٍ, وهم يريدون أخير منه, ثم حذفوا الهمزة لكثرة الاستعمال, وإذا قالوا: هذا أخير من فلان وجب أن يقولوا: هذه الخورى, كما أنهم إذا قالوا: هذا أطيب من هذا وجب أن يقولوا في الأنثى: الطوبى, ولما كثر استعمالهم خيرًا في معنى أخير أدخلوا الهاء عليه, وكذلك قالوا: هذا شر من هذا؛ فلما كثر طرح الهمزة أدخلوا الهاء على شر فقالوا: هذه اشرة الدور, وأنشد السيرافي: [الخفيف]
لعن الله شرة الدور كوثى ... وبلاها بالذل والإمعار
لست أعني كوث العراق ولكن ... شرة الدور دار عبد الدار
وقوله:
انظر إذا اجتمع السيفان في رهجٍ ... إلى اختلافهما في الخلق والعمل
يعني بالسيفين: سيف الدولة والسيف الذي يقاتل به, وهما مختلفان في الخلق والعمل؛ لأن بني آدم لا يشبهون السيوف في الخلق, والسيف في الحقيقة لا يعمل شيئًا, وإنما تعمل به الأشياء.
وقوله:
هذا المعد لريب الدهر منصلتًا ... أعد هذا لرأس الفارس البطل
(146/ب) يقول: سيف الدولة هو المعد لريب الدهر منصلتا؛ أي ماضيًا, وقيل: السيف المنصلت: المجرد, ويقال للماضي السريع: منصلت. وأعد هذا؛ يعني السيف الذي يضرب به؛ أي أعده سيف الدولة للقتال.
وقوله:
فالعرب منه مع الكدري طائرة ... والروم طائرة منه مع الحجل
الكدري: ضرب من القطا كدر الألوان, يقال قطا كدر وكدري, والحجل هذا الطائر المعروف, الذكر يعقوب والأنثى حجلة, قال الراجز: [الرجز]
قد علمت يا قفي التتفله ... ومرسن العجل وساق الحجله
وقال امرؤ القيس: [المنسرح]
قوم يحاجون بالبهام ونسـ ... ـوان صغار كأفرخ الحجل
وقالوا: الحجلى بكسر الحاء: صغار الحجل. قال الشاعر: [الكامل]
وارحم أصيبتي الذين كأنهم ... حجلى بأكناف الشربة وقع
ومن شأن الحجل أن تكون في الجبال.
وقوله:
وما الفرار إلى الأجبال من أسدٍ ... تمشي النعام به في معقل الوعل
النعام يكون في السهول, والأوعال تكون في الجبال, ومن أمثالهم: «لا يجتمع الأروي والنعام» , يريدون بالأروي جمع أرويةٍ وهي أنثى الوعل. يقول: إن النعام والأوعال لا يجتمعان لأن موضعيهما متضادان. والمراد أن الخيل أو الإبل التي يعملها هذا الممدوح تمشي في معاقل الأوعال.
وقوله:
جاز الدروب إلى ما خلف خرشنةٍ ... وزال عنها وذاك الروع لم يزل
فكلما حلمت عذراء عندهم ... فإنما حلمت بالسبي والجمل
الدروب: الأبواب, ويقال للموضع الضيق الذي يؤدي إلى غيره: درب, قال امرؤ القيس: [الطويل]
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
وخرشنة: اسم أعجمي وليس لها اشتقاق يشبه اشتقاق العربية, وقوله: فكلما حلمت عذراء؛ أي إذا أبصرت في النوم شيئًا فإنما تبصر أنها قد سبيت وحملت على جمل.
وقوله:
إن كنت ترضى بأن يعطوا الجزى بذلوا ... منها رضاك ومن للعور بالحول
الجزى: جمع جزيةٍ, وهو ما يأخذه السلطان من عدو الإسلام, وما يجبيه من أهل الذمة الذين بين المسلمين, وفي الكتاب العزيز: {حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون} , وهو مأخوذ من قولهم: جزيته بفعله؛ فكأن هذه الجزية جزاء للسلطان إذا كف عن غزوهم, أو رضي بأخذ القليل من الذين في بلاده.
ومن للعور بالحول؛ أي: من للأعور أن يكون أحول؛ لأن الحولاء من العيون قد تنظر.
فأما قولهم في المثل: «أشأم من الحولاء وأشأم من رغيف الحولاء» , فإنها امرأة كان بها حول خبزت خبزًا وحملته بين قوم؛ فأخذ بعضهم منه رغيفًا, فهاج بينهم شر عظيم قتل فيه جماعة من الناس.
وقوله:
ناديت مجدك في شعري وقد صدرا ... يا غير منتحل في غير منتحل
يقول: مجدك يا سيف الدولة غير منتحلٍ, وكذلك شعري؛ أي كلانا مهذب فيما هو فيه.
وقوله:
وعرفاهم بأني في مكارمه ... أقلب الطرف بين الخيل والخول
عرفاهم: يعني مجد سيف الدولة وشعره, والخيل اسم لا واحد له من لفظه, وهي مأخوذة من الخيلاء؛ لأنها كالتي تختال في مشيها, والخول: ما يملكه الرجل من الخيل والعبيد وغير ذلك. وكل ما خوله الله عبيده, فهو خول, من الذهب والفضة وجميع الأشياء؛ إلا أن الأصل في ذلك ما يحتاج إلى خائلٍ؛ أي داعٍ, وفي الحديث: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة»؛ أي ينتظر بنا الأوقات التي تصلح لذلك. وقولهم: للمرأة: خولة: زعم بعضهم أن الظبية يقال لها: خولة.
وقوله:
ما كان نومي إلا فوق معرفتي ... بأن رأيك لا يؤتى من الزلل
يقول ما نمت إلا (147/أ) وتحتي فراش وطيء من معرفتي بأن رأيك لا يقدح فيه كلام الواشين ولا أخاف من زلله في.
وقوله:
أقل أنل أقطع احمل على سل أعد ... زد هش بش تفضل أدن سر صل
أقل من إقالة العثرة, وأنل من النيل, وأقطع من إقطاع الضياع والأرضين, احمل من الحمل على الخيل, عل من التعلية, وسل من السلوان أي سل فؤادي مما كان فيه, أعد أي أعد علي أفضالك وعطاءك, زد من الزيادة, وهش من الهشاشة وهي البشر, وبش نحو منها, تفضل من الفضل, وأدن أي أدنني منك, وسر من السرور, وصل من الصلة. فلما أنشد هذا البيت رأى من حضر المجلس يعد حروفه فقال:
أقل أنل أن صن احمل عل سل أعد ... زد هش بش هب اغفر أدن سر صل
أن من الأون وهو الرفق, وصن من الصيانة, وهب من الهبة؛ وإنما أراد أبو الطيب أن يزيد في عدد ألفاظ البيت, وقد وضع بعد ذلك بيتًا لم يسبقه إلى مثله أحد من كثرة الألفاظ, وهي يجيء بعد هذه القصيدة.
وقوله:
أنت الجواد بلا من ولا كدرٍ ... ولا مطالٍ ولا وعدٍ ولا مذل
أصل المذل أن يقلق الرجل على فراشه فلا يستقر, قال الراعي: [الكامل]
ما بال دف بالفراش مذيلا ... أقذى بعينك أم أردت رحيلا
يقال: فلان مذل بشره أي لا يكتمه, ومذل بماله إذا كان سخيا, قال الأسود بن يعفر: [الكامل]
ولقد أروح على البجاد مرجلًا ... مذلًا بمالي لينًا أجيادي
والذي أراد أبو الطيب بالمذل أنه لا يقلق لما يلقاه من الشدائد كما يقلق غيره.
وقوله:
أنت الشجاع إذا ما لم يطأ فرس ... غير السنور والأشلاء والقلل
السنور يقال إنها الدروع, وقيل: كل سلاح يتقى به فهو سنور, قال الراجر: [الرجز]
كأنهم إذ خرجوا من عرعر ... مستلئمين لابسي السنور
نشء سحابٍ ناشئ كنهور
الكنهور سحاب متراكب, ويجب أن يكون السنور معربًا. وإذا قيل إن السنور السيئ الخلق لم يمتنع أن يكون السنور منه؛ لأنه شدة لا يفتقر إليه إلا في الحرب, وقيل للمهر: سنور من ذلك, والسنور من الفرس عظم بين كاهله وعنقه. قال الراجز: [الرجز]
كأن جذعًا خارجًا من صوره ... مقذيه إلى سنوره
والأشلاء: جمع شلو وهي البقية من اللحم, والقلل: جمع قلة وهي أعلى الرأس.
وقافية هذه القصيدة من المتراكب.

وقال - وقد جرى ذكر بيت يتضمن أكثر ما يمكن
من الحروف - بيتين وهما:
عش, ابق, اسم, سد, جد, قد, مر, انه, ر, ف, اسر, نل
غظ, ارم, صب, احم, اغز, سب, رع, زع, د, ل, اثن, بل
وهذا دعاء لو سكت كفيته ... لأني سألت الله فيك وقد فعل
البيت الأول والذي يليه من الطويل الثاني, ولم يعلم أن من قبل أبي الطيب جاء بمثل هذا البيت.
والطويل من الشعر إنما سمي طويلًا لأنه أطول الأوزان, وإذا صرع ضربه الأول كان ثمانيةً وأربعين حرفًا, وإذا لم يصرع, فهو سبعة وأربعون حرفًا.
الضرب الثاني من الطويل متساوي النصفين, وأجزاؤه ثمانية, وكذلك الأول؛ فإذا سلمت من الثاني أجزاؤه الستة التي ليس فيها العروض ولا الضرب؛ فعدده ستة وأربعون حرفًا, وهو الذي قبله في هذا النوع الذي قصد له أبو الطيب؛ سواء كان الأول مصرعًا أو غير مصرعٍ, وأكثر ما يمكن أن يجمع في كل واحد منهما ثلاث وعشرون كلمة, وذلك أن في الأول إذا كان مصرعًا ثانية أوتادٍ واثني عشر سببًا, وكل وتدٍ تجتمع فيه كلمتان, والسبب لا يمكن (147/ب) أن يكون إلا من كلمة واحدة. مثال ذلك: أنك إذا أردت أن تجيء بكلمتين في الوتد جئت بكلمة أصلها ثلاثة أحرف وتصير في الأمر إلى حرف واحد. مثال ذلك قولك: ولي يلي؛ فإذا أمرت حذفت الواو, والياء التي في آخر الفعل فبقيت اللام مفردة, وتضيف إليها فعلًا أصله ثلاثي يكون على أحد نوعين: إما أن يكون معتل الأوسط مثل قولهم: قام يقوم, وباع يبيع؛ فيصير في الأمر على حرفين كقولك: قم وبع, وإما أن يكون معتل الثاني مثل قولك: يعد كان أصله: يوعد؛ فحذفت الواو في قولك: عد فيمكنك أن تقول في كل وتدٍ في البيت: عد, أو: ل, أو: قد, في الأمر من الولاية والقود.
فإذا صرت إلى السبب جئت به من كلمتين؛ إما معتلة الأوسط: جد وسر, وإما معتلة الواو مثل: وعد ووجد؛ فتقول في الأمر: عد وجد. فالضرب الأول إذا صرع دخلت فيه كلمتان في العدة المتقدم ذكرها, وهي ثمان وعشرون, وإذا لم يصرع صارت عروضه مفاعلن فيها وتد أصلي يركب فيه كلمتان, وسببا الجزء قد صارا في وزن الوتد؛ فيركب منهما كلمتان, ويتساوى في البنية المصرع وغيره. والضرب الثاني عروضه مفاعلن وكذلك ضربه, ولم ينقص عدة ما يضمه من الكلم لأنه قد سقط منه حرفان؛ إذا كان السبب أن الذي حذف ثاني الأول منهما قد صار حكمهما في الجمع بين كلمتين.
عش أمر من العيش. ابق أمر بالبقاء. اسم من السمو أي ارتفع. سد دعاء بالسيادة. جد دعاء بالجود. قد دعاء: أمر بقود العساكر. مر دعاء بأن يأمر فينفذ أمره؛ لأنهم يقولون: مر غلامك فيحذفون, وأمر عبدك, وإثبات الهمزة هي اللغة التي جاء بها القرآن في قوله: {وأمر أهلك بالصلاة}. انه دعاء بأن يكون نهيه مقبولًا. والحرف المصور براءٍ هو دعاء بأن يري عدوه من قوله: وأري عدوًا, والوري داء يصيب في الجوف وقد مر. والفاء المقصورة دعاء من وفى يفي؛ كأنه أراد: ليف لك العمر, ويجوز أن يكون من الوفاء الذي هو ضد الغدر. واسر دعاء بالتوفيق في السرى من سرى الليل. ونل: إن فتحت النون فهو: نال الأمور ينالها, وإن ضمت النون فهو ناله بالخير ينوله مثل أناله. غظ أي غظ عدوك. ارم من الرمي. صب من قولهم: صاب السهم يصيب في معنى أصاب وهو حرف نادر, وإنما القياس صاب يصوب. واحم من الحماية. واغز من الغزو. واسب من سبيت العدو. ورع من الروع أي الفزع. وزع من وزع يزع, إذا كف, والدال المصورة دالة على أمر من: ودى القتلى يديهم, واللام بعدها من قولهم: ولي يلي إذا تولى الأمور, ويجوز أن يكون: ولى يلي إذا جاد بعطاءٍ بعد عطاءٍ كالمطر الذي يلي الأرض كما قال الشاعر: [الطويل]
لني ولية تمرع جنابي فإنني ... لما نلت من معروف كفك شاكر
واثن من ثنى يثني إذا كرر العطاء. بل: إذا كسرت الباء فهو من وبل المطر, وإذا فتحت الباء احتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون من بللت بالشيء إذا ظفرت به.
والآخر: أن يكون من بل من المرض يبل.
وإذا كسرت الباء ففي البيتين سناد على رأي الخليل, وغيره لا يجعل ذلك سنادًا.
وإذا فتحت الباء فلا سناد فيهما. وقافية هذين البيتين من المتدارك.









مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید