المنشورات

ليالي بعد الظاعنين شكول ... طوال وليل العاشقين طويل

وزنها من الطويل الثالث.
قوله: شكول أي ضروب مختلفة.
قوله:
وإن رحيلًا واحدًا حال بيننا ... وفي الموت من بعد الرحيل رحيل
إذا كان شم الروح أدنى إليكم ... فلا برحتني روضة وقبول
دل كلام أبي الفتح بن جني رحمه الله على أن المتنبي أراد: فلا برحت روضةً, فقدم الخبر كأنه دعا لنفسه بأن يكون بعض الرياض. وقال غيره: ليس الخبر مقدمًا؛ وإنما أراد: لازايلتني روضة وقبول. والقبول هي ريح الصبا, ومهبها من مطلع الشمس.
ولم يكشف معنى هذا البيت إلا رجل يعرف بالمخزومي له تصنيف في شعر أبي الطيب, وذلك (148/ب) أن الشاعر قال: إن رحيلًا واحدًا حال بيننا, وهو الرحيل في الدنيا, وبعده رحيل ثانٍ وهو الموت, فأن يكون بيننا رحيل واحد أقرب من أن يكون بيننا رحيلان, فدعا لنفسه بالحياة, لأنه ما دام يشم الروح فهو أقرب إليهم منه إذا صار تحت الأرض.
وقوله:
وما شرقي بالماء إلا تذكرا ... لماء به أهل الحبيب نزول
الرواية بنصب تذكر مصدر تذكرت تذكرا, وأشبه ما يقال فيه: إنه مفعول له أو مفعول من أجله, كأنه قال: وما شرقي بالماء إلا لتذكر أو لأجل تذكرٍ, ولو رفع تذكرًا لم يبعد.
وقوله:
يحرمه لمع الأسنة فوقه ... فليس لظمآن إليه وصول
قد ذكرت الشعراء حاجتها إلى الورد وامتناعهم منه للمخافة كقول القائل: [الطويل]
رأى برد ماءٍ ذيد عنه وروضةً ... برود الضحى فينانةً بالأصايل
وقال آخر: [الطويل]
وإني وتهيامي بزينب كالذي ... يحاول من أحواض صداء مشربا
يرى دون برد الماء هولاً وزادةً ... إذا شد صاحوا قبل أن يتحببا
التحبب: أول الري.
وقوله:
ألم ير هذا الليل عينيك رؤيتي ... فتظهر فيه رقة ونحول
الاستفهام في هذا البيت يجوز أن يكون عن شيء قد وقع, كما تقول للرجل: ألم أفعل معك جميلًا؛ أي قد فعلته, وهذا الذي يسمى التقرير, ولا يمتنع أن يكون عن شيء لم يقع بعد, وإذا دخل الاستفهام على حرف النفي قلبه في بعض المواضع إلي الإيجاب, وفي الكتاب العزيز: {أولم ننهك عن العالمين} , أي قد نهاك, واختلف في قوله: {أليس منكم رجل رشيد} , فذهب منهم قوم إلى أن معناه: أما فيكم رجل رشيد, وذهب قوم إلى أنه أراد: أليس منكم نبيكم وهو رشيد, وقول امرئ القيس يحتمل وجهين: [الطويل]
فقالت سباك الله إنك فاضحي ... ألست ترى السمار والناس أحوالي
يحتمل أن تريد: أأنت لا بصر لك فأنت لا ترى من حولي, وهي لا تعلم أيبصر أم لا يبصر, ويجوز أن تريد أنه قد رأى الناس فلم ينته, ويجوز أن يكون الاستفهام في بيت أبي الطيب على هذين الوجهين, ويكون الليل في أحدهما لم ير عيني المرأة, وفي الآخر قد رآهما؛ فوجب عليه أن يرق وينحل.
وقوله:
لقيت بدرب القلة الفجر لقيةً ... شفت كمدي والليل فيه قتيل
يريد أنه أصبح فزال عنه الليل, فكان كأنه قد شفى كمده منه بقتله, ويحسن ذلك أن الفجر يشبه بالسيف؛ فكأنه قتل الليل. وزعم قوم أن سيف الدولة أوقد نيرانًا عظيمةً بدرب القلة فكأنه أزال بها الليل, وقد يجوز مثل هذه الحكاية.
وقوله:
ويومًا كأن الحسن فيه علامة ... بعثت بها والشمس منك رسول
عطف يومًا على قوله: لقيت الفجر, وهذا معنى لطيف. أراد أن الحسن في هذا اليوم كأنه علامة بعثت بها هذا المذكورة إليه, وأن الغبار ثار وستر الشمس؛ فكأنها رسول من حبيبه مستخفٍ.
وقوله:
وما قبل سيف الدولة اتار عاشق ... ولا طلبت عند الظلام ذخول
هذا البيت يقوي حكاية من زعم أن سيف الدولة أوقد نيرانًا في درب القلة؛ إذ كان كأنه قد قتل الليل وجلاه بإيقاد النار. واتار: افتعل من قولهم: فعل كذا تارةً بعد تارةٍ؛ أي مرة بعد مرة, فكأنهم يقولون: اتار فلان إذا كانت الغلبة له تارة أي مرة. ويجوز أن يكون اتار من قولهم: اتار إذا أخذ ثأره, ويكون الأصل: اثأر فادغمت الثاء في التاء؛ إلا أنه إذا حمل على هذا الوجه كانت الهمزة قد جعلت فيه ألفًا كما قال بعضهم: (149/أ) سال في معنى سأل, وأكثر ما يقال في افتعل من الثأر: اتأر بالهمز. قال لبيد: [البسيط]
والنيب إن تعرمني رمةً خلقًا ... بعد الممات فإني كنت أتئر
يقول: إن بليت عظامي فاتفق أن تأكلها الإبل فإني كنت أتئر في حياتي, أي أنحرها؛ فكأني أخذت ثأري منها من قبل أن تسدي إلى شرًا.
وقوله:
شوائل تشوال العقارب بالقنا ... لها مرح من تحته وصهيل
يقال: شالت العقرب بذنبها تشول شولًا؛ فشبه القناة بشولة العقرب, وقد سبقه إلى هذا المعنى بشار بن برد فقال في صفة الخيل: [الكامل]
مثل العقارب شولت أذنابها
والهاء في تحته راجعة إلى القنا, ولا يمتنع أن ترد إلى الممدوح.
وقوله:
وخيل براها الركض في كل بلدةٍ ... إذا عرست فيها فليس تقيل
التعريس أكثر ما يستعمل في نزول الراكب آخر الليل, قال الشاعر: [الطويل]
فلو كانت ماءً كنت ماء غمامةٍ ... ولو كنت نومًا كنت تعريسة الفجر
وتقيل؛ أي تقيم في الهاجرة, وكان الواجب أن يقول: فليست تقيل فيؤنث, ويجعل الضمير راجعًا إلى الخيل, ولكنه جعل ليس في معنى ما؛ فلم يحتج إلى ضمير, وقد حكى سيبويه ذلك في أحد قوليه لما ذكر قول هشام بن عقبة أخي ذي الرمة: [البسيط]
وليس منها شفاء الداء مبذول
وقوله:
على طرقٍ فيها على الطرق رفعة ... وفي ذكرها عند الأنيس خمول
يريد أنها طرق في جبالٍ فهي مرتفعة؛ إلا أنها مع رفعتها خاملة عند الأنيس؛ أي إنهم لا يسلكونها.
وقوله:
فما شعروا حتى رأوها مغيرةً ... قباحًا وأما خلقها فجميل
يريد أنهم رأوها قباحًا لأنها جاءتهم بالقتل والأسر, وأما خلقها فمستحسن, وهذا المعنى ضد قوله في الأخرى: [الكامل]
ينسي الفريسة خوفه بجماله
وقوله:
سحائب يمطرن الحديد عليهم ... فكل مكانٍ بالسيوف غسيل
الأشبه بالسحائب أن يريد بها هاهنا الخيل, وشبهها بالسحائب لسرعة سيرها, وصير ضرب الفوارس إياهم بالسيوف كالأمطار, فقد غسلت كل مكان؛ أي قتلت من فيه وسبتهم؛ فكأنما قد غسلته من أهله. ويجوز أن يعني بالسحائب الغبار الثائر, ويكون في الكلام حذف؛ أي رأوا سحائب, وكل ذلك جائز.
وقوله:
وأمسى السبايا ينتحبن بعرقةٍ ... كأن جيوب الثاكلات ذيول
أي قد شققن جيوبهن فصرن كالذيول, ويجوز ضم جيم الجيوب وكسرها, وكذلك في ذال الذيول, وذلك مطرد في جميع ذوات الياء مثل: بيتٍ وشيخٍ وعيبٍ.
وقوله:
وعادت فظنوها بموزار قفلًا ... وليس لها إلا الدخول قفول
موزار لا شك أنها كلمة أعجمية, وقد وافقت من كلام العرب: فوعالًا من المزارة, يقال: رجل مزير إذا كان ذا حلمٍ ورزانةٍ, قال الشاعر: [الوافر]
ترى الرجل الضعيف فتزدريه ... وفي أثوابه أسد مزير
والقفول يستعمل للجيش إذا رجع من الغزو, وكذلك للمسافر إذا رجع من سفره. وأهل العلم باللغة يعيبون قول العامة للرفقة العازمة على السفر: قافلة؛ لأن القافلة عندهم هي العائدة إلى المحل والوطن.
ولكلام العامة وجه حسن؛ وذلك أنهم يسمونها قافلة على سبيل الفأل بالقفول, أي هي تقفل على السلامة, ولا يمتنع في الكلام أن يقال: هذه قافلة أي إنها تقفل بعد مدة, كما يقال فلان مدرك كذا, وهو لم يدركه بعد, وذلك مطرد في اسم الفاعل (149/ب) إذا أريد به الاستقبال, وكلام العرب يتسع ويتردد فيه المجاز, ونحون من قول العامة للرفقة قافلة قوله: وليس لها إلا الدخول قفول
قد جعل الدخول قفولًا كما قالوا: تحيته الضرب وعتابه السيف.
وقوله:
فخاضت نجيع القوم خوضًا كأنه ... بكل نجيعٍ لم تخضه كفيل
النجيع هو الخالص من الدم, وربما قالوا: هو دم الجوف, وتكثر عبارتهم بأن يقولوا: النجيع الدم فلا يخصون شيئًا, وقال الشاعر: [الوافر]
وتخضب لحية كذبت وخانت ... بأحمر من نجيع الجوف آن
والمراد أن هذاا لنجيع الذي قد خاضته كفيل لها بكل نجيعٍ لم تخضه؛ أي إنها تقتل الأعداء الباقين فتخوض دماءهم.
وقوله:
وأضعفن ما كلفنه منا قباقبٍ ... فأضحى كأن الماء فيه عليل
قباقب: اسم نهر جاوزته هذه الخيل بفرسانها, وأضعفن يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون من الضعف, ويكون المعنى أن هذه الخيل أضعفت هذا الماء وكدرته, فكأنه عليل؛ أي به علة.
والآخر: أن يكون من ضعف الشيء إذا قلت أضعفت له العطية إذا زدتها ضعفها؛ فيكون عليل هاهنا فعليلًا في معنى مفعولٍ من قولك: عللت الشرب إذا كررته؛ أي جاءت هذه الخيل فعبرت هذا الماء؛ فكأنها سيل من كثرتها وسرعتها؛ فصار النهر مثله. ويقوي ذلك قوله:
ورعن بنا قلوب الفرات كأنما ... تخر عليه بالرجال سيول
استعار للفرات قلبًا, وإنما يريد معظم مائه وخالصه.
وقوله:
تراه كأن الماء مر بجسمه ... وأقبل رأس وحده وتليل
يقول: إن الفرس يغيب شخصه في الماء فلا يبين منه إلا رأسه وعنقه, وهذه صفة قلما فعلتها الملوك ولا يسمع بمثلها في الأخبار؛ إلا أن الكميت قال يفتخر في بعض أشعاره: [الوافر]
وخضنا بالقرات إلى تميمٍ ... وقد ظنت بنا مضر الظنونا
بحورًا يغرق السبحاء فيها ... ترى الجرد بها سفينا
القرات اسم ماء أو موضع فيه ماء, وبعض الناس يصحف فيقول: الفرات. وقد روي أن بعض جيوش المسلمين عبرت إلى جموع فارس دجلة أو الفرات مثل هذا المعنى الذي ذكره الكميت؛ فلم يصب منهم فارس ولا فرس, فلما عبروا الماء قال قائل منهم: كان معي قعب فذهب, فقال له بعض أصحابه: هذا قعبك وجدته فخذه.
وقوله:
وفي بطن هنزيطٍ وسمنين للظبى ... وصم القنا ممن أبدن بديل
هنزيط اسم بعربي ولا يوافق العربية في الاشتقاق؛ لأن النون إن جعلت زائدة فاشتقاقه من الهزط, ولم يحكه أصحاب اللغة.
وأما سمنين فهي موافقة لفعلين من السمن أو السمن, والمراد أن السيوف والقنا كانت قد أبادت من لقيته, فلها منه بديل في هذين الموضعين؛ أي سوف تجد فيهما من تقتله.
وقوله:
بتن بحصن الران رزحى من الوجا ... وكل عزيزٍ للأمير ذليل
رزحى جمع رازح, وهو الذي لا يقدر على القيام من الهزال والضعف, وفعلى إنما هو جمع فعيل مثل: مريض ومرضى, وجريح وجرحى, فجرى رازخًا على هذا المثال, لأن فعيلًا وفاعلًا يشتركان؛ كقولك: عالم وعليم, وسالم وسليم, والرازح هو الذي أصابه الرزاح؛ فكأنه مفعول مثل جريحٍ في معنى مجروح.
وقوله:
ودون سميساط المطامير والملا ... وأودية مجهولة وهجول
(150/أ) المطامير جمع مطمورةٍ, وهو ما حفر تحت الأرض ليستتر فيه, أو يعتصم به من العدو, والملا الأرض الواسعة. قال الشاعر: [الطويل]
ألا غنياني وارفعا الصوت بالملا ... فإن الملا عندي يزيد المدى بعدا
والهجول جمع هجلٍ وهي أرض واسعة مطمئة وربما كان فيها غلظ, قال ابن ميادة: [الطويل]
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً ... بحرة ليلى حيث ربتني أهلي
وهل أسمعن الدهر أصوات هجمةٍ ... تطلع من هجلٍ خصيب إلى هجل
وقوله:
فودع قتلاهم وشيع فلهم ... بضربٍ حزون البيض فيه سهول
الفل المنهزمون, وشيع من قولهم: شيعت المسافر إذا تبعته للوداع؛ وإنما هذه الكلمة مأخوذة من قولهم: آتيك غدًا أو شيعه؛ أي اليوم الذي يأتي بعده. ويقال لشبل الأسد: شيعه لأنه يتبعه؛ ومن ذلك قولهم: شيعة الرجل أي الذين يتبعونه, قال ابن أبي ربيعة: [الكامل]
قال الخليط غدًا تصدعنا ... أو شيعه أفلا تودعنا
والجزيل: الكثير؛ وإنما يستعمل في العطاء؛ فجعل البأس هاهنا جزلًا. وحزون البيض؛ أي صليها الذي يجري مجرى الحزون من الأرض. والمعنى: أن السيوف تشق البيض فكأنها حزون تجعلها سهولًا.
وقوله:
على قلب قسطنطين منه تعجب ... وإن كان في ساقيه منه كبول
قسطنطين بن الدمستق, وكان سيف الدولة أسره في وقعة الأحيدب وأكرمه, وأقام عنده بحلب فاتفق أنه مات, فاغتم لذلك, فلما بلغ موته أباه دخلت الروم الحبوس التي فيها المسلمون فقتلوا منهم جماعةً, وكان سيف الدولة يعيب عليهم ذلك؛ لأنهم ظنوا أنه قد سقاه سقيةٍ, ولم يكن الأمر كذلك. والكبول جمع كبلٍ وهو القيد, ويقال للمقيد: مكبل.
وقوله:
لعلك يومًا يا دمستق عائد ... فكم هاربٍ مما إليه يؤول
نجوت بإحدى مهجتيك جريحةً ... وخلفت إحدى مهجتيك تسيل
كان الدمستق ضرب في وجهه في الغزاة التي أسر فيها ابنه, فجعل له الشاعر مهجتين: إحداهما نفسه وهي التي نجا بها جريحة, والمهجة خالص النفس وقيل: هي دم القلب, والأخرى ولده قسطنطين, وجعلها تسيل فكأن ذلك كالطيرة بموته.
وقوله:
بوحهك ما أنساكه من مرشةٍ ... نصيبك منها رنة وعويل
يقال: إنه استتر في قناة, وإن بعض غلمان سيف الدولة ضربه في وجهه ولم يعرفه.
والرنة الواحدة من الرنين, وهو رفع الصوت عند فزعٍ أو مصيبة, هذا أصل ذلك, ثم استعمل في كل صوت شديد؛ فقيل: أرن الحمار الوحشي إذا نهق في آثار الأتن. قال الراجز: [الرجز]
ترعى الخزامى هنةً وهنه
في روضةٍ معشبةٍ مغنه
فهي إذا راحت عشيهنه
شممت من بين البيوت البنه
وللجبال بينهن رنه
البنة: الرائحة الطيبة في هذا الموضع, وقد جعلوا صوت الحمام رنينًا, قال الشاعر: [الوافر]
إذا سعدانة الجبلين ناجت ... عزاهلها سمعت لها رنينا
السعدانة: الحمامة, والعزاهل: الفراخ.
والمرشة: الضربة التي يخرج منها رشاش الدم مثل رشاش المطر.
وقوله:
إذا لم تكن لليث إلا فريسةً ... غذاه ولم ينفعك أنك فيل
غذاه أي صار غذاءً له, والهاء عائدة إلى الليث, وأنك فيل فاعل غدا, وفي البيت تقديم وتأخير؛ كأنه قال: غذاه أنك فيل ولم ينفعك عظم خلقك.
وقوله:
إذا الطعن لم تدخلك فيه شجاعة ... هي الطعن لم يدخلك فيه عذول
يقول: إذا لم تكن فيك شجاعة تدخلك في الطعن, أي تحملك على أن تطاعن فتصيب وتصاب؛ لم يحملك فيه من يعذلك, (150/ب) فيقول: هلا تطاعن, ولم لا تفعل فعل غيرك من الشجعان, وهذا كما قال الآخر: [الطويل]
فقلت ذريني إنما تلك عادة ... لكل كريمٍ عادة يستعيدها
وقوله:
إذا كان بعض الناس سيفًا لدولةٍ ... ففي الناس بوقات لها وطبول
البوق عربي وهو من قولهم: باقتهم الداهية إذا عمتهم, وقيل إذا فجئتهم, قال الراجز: [الرجز]
داهية فيها شفاء العر
صملت قران بها في الحر
فبقته وقومه بشر
وقال مالك بن زغبة الباهلي: [الوافر]
تراها حول قبتنا قصيرًا ... ونبذلها إذا باقت بؤوق
وقيل لهذا الذي ينفخ فيه: بوق لأنهم كانوا لا يستعملونه إلا عند أمرٍ مهم. قال الشاعر: [الطويل]
سحيف رحى طحانةٍ صاح بوقها
والطبل معروف وقد تكلموا به قديمًا, وقالوا لمال الخراج: الطبلي لأنهم كانوا يجعلونه في شيء مثل الطبل, قال الشاعر: [الوافر]
نفتكم دونها أفناء فهرٍ ... كما تنفى عن الطبل الفلوس
والطبل ضرب من الثياب, ويقال: ما أدري أي الطبل هو أي: أي الناس هو, قال الراجز: [الرجز]
ثم انصرفت بانطلاقٍ رسل ... قد علموةا أنا خيار الطبل
وقال الشاعر في الطبل الذي يضرب به: [الطويل]
ورملٍ عزيف الجن في حجراته ... هدوا كتضراب المغنين بالطبل
وقوله:
فتيهًا وفخرًا تغلب ابنه وائلٍ ... فأنت لخير الفاخرين قبيل
يقولون في بعض القبائل: ابنة فلان وبنت فلان, ولا يقولونه في بعضها, والقياس يجيز ذلك في كل قبيلة, ولم تجر العادة أن يقولوا: كلاب بنت ربيعة ولا عقيل ابنة كعب, قال الفرزدق: [الكامل]
لولا فوارس تغلب ابنة وائلٍ ... أخذ العدو عليك كل مكان
وقوله:
شريك المنايا والنفوس غنيمة ... فكل مماتٍ لم يمته غلول
ادعى أن الممدح للمنايا شريك, فإن مات ميت ليس في موته شرك فكأنه غلول.
يقال: غل فلان من الغنيمة شيئًا إذا ستره عن أصحابه, وهو راجع إلى معنى الخيانة, يقال: أغل الجازر في الجلد إذا خبأ فيه شيئًا من اللحم, قال النمر بن تولب: [الطويل]
جزى الله عنا جمرة ابن نوفلٍ ... جزاء مغل في الأمانة كاذب
وقوله:
فإن تكن الدولات قسمًا فإنها ... لمن ورد الموت الزؤام تدول
الدولات جمع دولةٍ, وهي كالمملكة ينالها الرجل؛ يقال: دال الرجل يدول, ودالت الدولة, وإذا كان الاسم على فعلةٍ وثانيه ياء أو واو فجمع بالألف والتاء؛ فالوجه تسكين الواو والياء, وفي الكتاب العزيز: {على عورات النساء} , وقد قرئت بفتح الواو, ويقال إنها لغة هذلية وأنهم يقولون: بيضات في جمع بيضة, قال الشعر: [الطويل]
أبو بيضاتٍ رائح متأوب ... رفيق بمسح المنكبين أريب
وأكثر العرب على التسكين, قال سعد بن مالك بن ضبيعة: [مجزوء الكامل]
فالهم بيضات الخدو ... ر هناك لا النعم المراح
وكذلك ينبغي أن ينشد بيت ابن أحمر: [المتقارب]
فما بيضات ذي لبدٍ هجف ... سقين بزاجلٍ حتى روينا
الزاجل: ماء الظليم. ينشد بتسكين الياء, وفتحها لا يخل بالوزن؛ لأن لغة ابن أحمر التسكين. والزؤام: الموت الشديد, ولم يصرفوا منه الفعل.
وقوله:
لمن هون الدنيا على النفس ساعةً ... وللبيض في هام الكماة صليل
أعام اللام في أول البيت الآخر؛ لأن البيت الذي قبله فيه: لمن ورد الموت, وقد مضى مثل ذلك. وأصل الصليل في صوت الحديد وقد استعملوه في غيره, وقالوا للذي يرد الماء وهو عطشان: سمع صليله, قال الشاعر في صفة قطاةٍ (151/أ): [الطويل]
غدت من عليه بعدما تم ظمؤها ... تصل وعن قيضٍ بزيزاء مجهل
وقافية هذه القصيدة من المتواتر.










مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید