المنشورات

ذي المعالي فليعلون من تعالى ... هكذا هكذا وإلا فلا لا

وزنها كالتي قبلها.
ذي في موضع نصب, والأجود أن تكون منصوبةً بفعلٍ مضمرٍ يفسره قوله: فليعلون. وذهب قوم إلى أنك إذا قلت: فلانًا فاضرب؛ فالعامل في المفعول الفعل الذي بعد الفاء, والقول الأول أشبه. وقوله: هكذا هكذا أي ليعلو الناس مثل هذا العلو. وحسن ترديده "لا" لما ردد هكذا.
وقوله:
شرف ينطح النجوم بروقيـ ... ـه وعز يقلقل الأجبالا
استعار للشرف روقين, ولما استعارهما حسن أن يذكر النطح لأنه يكون بالروق, وقد سبقت الشعراء إلى هذا المعنى, وصفتهم المجد أنه قد بلغ السماء والنجوم ونحو ذلك. والقلقلة: الحركة العنيفة.
وقوله:
ولتمضن حيث لا يجد الرمـ ... ـح مدارًا ولا الحصان مجالا
لما قال: حالفته صدورها, يعني صدور الخيل, جاء بحكاية اليمين فقال: لتخوضن فجاء بالتاء وقال: ولتمضن يكون معطوفًا على قوله: لتخوضن, وإنما يجب أن يقول: وليمضين؛ فيظهر الياء, كما يقال: حلفت الجماعة لتدخلن الدار, ولتمضين في الحاجة, ولو قال في غير الشعر: لتخضن دونه الأهوال لحسن أن يقول: وليمضن فيحذف الياء.
وقوله:
وتوافيهم بما في القنا السمـ ... ـر كما وافت العطاش الصلالا
(154/أ) وتوافيهم بما في القنا السمـ ... ـر كما وافت العطاش الصلالا
(154/أ) الصلال جمع صلةٍ. يقال: أرض صلة إذا أصابها المطر ولم يصب ما حولها, ومن ذلك قول الراعي: [الوافر]
سيكفيك الإله ومسنمات ... كجندل لبن تطرد الصلالا
ويجوز أن تسمى الأمطار صلالًا أيضًا.
ومعنى البيت: توافي العدو بالخيل تسير في القنا السمر وهي عطاش إلى دماء الأعداء, فهي توافيهم كما يوافي الظمآن الأرض الممطورة, فيجد بها الماء الذي يزيل العطش.
وقوله:
وقسي رميت عنها فردت ... في قلوب الرماة عنك النصالا
القسي: جمع قوسٍ على القلب, وجمعها في غير المقلوب: قياس في الأكثر, وأقوس في الجمع القليل. قال الراجز: [الرجز]
ووتر الأساور القياسا
صغديه تنتزع الأنفاسا
وقال آخر في الجمع القليل: [البسيط]
طرن انقطاعة أوتار محظربة ... في أقوس نازعتها أيمن شملا
محظربة أي محكمة الأوتار. وأصل قسي: قسو, وإذا جمعوا ذوات الواو والياء على فعولٍ قالوا: دلو ودلي فأجازوا ضم الدال وكسرها, وكذلك ثدي وثدي, ولم يحكوا في قسي إلا كسر القاف.
وقوله:
أخذوا الطرق يقطعون بها الرسـ ... ـل فكان انقطاعها إرسالا
يقول: قطعوا الطرق كي تخفى أخبارهم؛ فأنكر الممدوح ذلك, وعلم أنهم في مكرٍ؛ فكان انقطاع الطرق كأنه إرسال إلى الممدوح بأخبارهم.
وقوله:
وهم البحر ذو الغوارب إلا ... أنه صار عند بحرك آلا
غوارب البحر: ما ارتفع منه إذا زخر. وعظم أمر الروم لما جعلهم كالبحر, ثم صغرهم وذكر أن بحرهم صار آلًا عند بحر سيف الدولة, والآل: أول السراب في أول النهار؛ لأنه يرفع الشخوص. قال الجعدي: [البسيط]
حتى لحقنا بهم تعدي فوارسنا ... كأننا رعن قف يرفع الآلا
أراد: يرفعه الآل فقلب.
وقوله:
والثبات الذي أجادوا قديمًا ... علم الثابتين ذا الإجفالا
يقول: أجادوا الثبات فيما سلف من الدهر؛ فأداهم ذلك إلى القتل؛ فكأنه علم الثابتين السالمين أن يجفلوا حذار أن يصيبهم كما أصاب من تقدم.
وقوله:
تحمل الريح بينهم شعر الها ... م وتذري عليهم الأوصالا
يقول: نزل هذا الجيش في موضع جيشٍ أولٍ أوقع به, وكان في الجيش الهالك أقارب هؤلاء القوم؛ فجعلوا يندبونهم, والريح تحمل بينهم شعر الهام وتذري الأوصال, وهي جمع وصلٍ أي عضوٍ, وإنما قيل للعضو: وصل لأنه يوصل بغيره.
وقوله:
أبصروا الطعن في القلوب دراكًا ... قبل أن يبصروا الرماح خيالا
يقول: اعتبر المتأخرون منهم بالمتقدمين؛ فكأنهم أبصروا الطعن دراكًا بقلوبهم, وبينهم وبين من يطلبهم مسافة بعيدة, ففروا قبل أن ينظروا إلى خيال الرماح.
وقوله:
بسط الرعب في اليمين يمينًا ... فتولوا وفي الشمال شمالا
المعنى: أنهم رعبوا وخافوا أن يصيبهم كما أصاب من قبلهم؛ فكأن الرعب بسط في اليمين من جيشهم؛ أي ميمنته؛ ميمنةً تقاتلهم, وفي الشمال شمالًا, أي في ميسرته ميسرةً.
وقوله:
أقسموا لا رأوك إلا بقلبٍ ... طال ما غرت العيون الرجالا
أي حلفوا أنهم لا يروك إلا بقلوبهم, وقد علموا أن الغلبة لك, فهم لا يثبتون للقاء, فينظرون إليك بعيونهم؛ لأن العين طال ما غرت الناظر, فيتوهم ما لاح له شيئًا غيره.
وقوله:
أي عينٍ تأملتك فلا قتـ ... ـك وطرفٍ رنا إليك فآلا
الرنو: إدامة النظر في سكونٍ, ومن أبيات المعاني: [الطويل]
إذا نظر الرائي إليها بطرفه ... غروب ثناياها أهل وأظلما
(154/ب) أهل يجوز أن يكون من قولهم: أهل إذا رفع صوته بالدعاء والتسبيح, ويحتمل أن يكون من: أهل الرجل إذا رأى الهلال, قال الشاعر: [الطويل]
إذا ما سلخت الشهر أهللت غيره ... كفى حزنًا سلخي الشهور وإهلالي
وقيل: أهل من قولهم: ما جاء بهلةٍ ولا بلةٍ؛ أي بشيء قليل, ويكون أهل في البيت أنه رأى ريقها. وأحسن هذه الوجوه أن يكون أهل من رؤية الهلال؛ لأن وجهها يشبهه, وأظلم أي نظر إلى ظلم الأسنان وهو حسنها وشدة بياضها, ألغز به عن الظلام لما قال: أهل.
وقوله:
ما لمن ينصب الحبائل في الأر ... ض ومرجاه أن يصيد الهلالا
يروى مرجاه بإضافة مرجى إلى الهاء, ومرجاة على أن الهاء للتأنيث, وكونه بالإضافة أحسن؛ لأن الهاء ترجع إلى من, وهذا أقوى في اللفظ من أن تكون من لا عائد إليها.
وقوله:
إن دون التي على الدرب والأحـ ... ـدب والنهر مخلطأ مزيالا
يقال: فلان مخلط مزيل, ومخلاط مزيال؛ إذا وصف بالشجاعة وجودة الرأي في الزيال.
ووصفوا الفرس فقالوا: مخلط مزيل: أي إنه طلب الخيل الفارة خالطها, وإذا طلبته الخيل وجدته مزيلًا؛ أي لا تلحقه, وهذا البيت يروى لأبي دوادٍ الإيادي: [الخفيف]
مخلط مزيل معن مفن ... أجولي ذو ميعةٍ إضريج
معن؛ أي يعرض الجري, ومفن؛ أي يفتن فيه. ويجوز أن يكون مفن من قولهم: فن الوحش إذا طردها؛ أي هذا الفرس يصطاد عليه الوحش. والأجولي الذي يجول, وهو الذي يميل في أحد شقيه من النشاط. والميعة: النشاط أيضًا, وإضريج [الذي] ينضرج في أحد جانبيه, وهو نحو الأجولي.
وقوله:
في خميس من الأسود بئيس ... يفترسن النفوس والأموالا
الخميس: الجيش العظيم, وقد تكلمت به العرب قديمًا, وأما قولهم للجيش: خميس في الإسلام؛ فقد وافق قولهم: خمس الإمام الغنيمة؛ إذا أخذ خمسها؛ لأن في الكتاب العزيز: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} , فكأن خميسًا في معنى مخموسٍ. وكانوا في الجاهلية يعطون صاحب الجيش المرباع؛ أي ربع الغنيمة, قال الشاعر: [الوافر]
لك المرباع منها والصفايا ... وحكمك والنشيطة والفضول
أراد بالصفايا: ما يصطفيه لنفسه؛ أي يختاره. وحكمك أي تحتكم عليه بما اخترت.
والنشيطة: ما يصيبه الجيش في طريقه مما لم يكن في ظنه أنه يصيبه. والفضول: جمع فضل, وهو ما فضل فلم ينقسم بين الجيش لتعذر القسمة؛ كالفرس الرائع والمرأة المسبية ونحو ذلك. ويحتمل أن يكون في الدهر الأول حكم للرؤساء أن يأخذوا خمس الغنيمة, ثم تغيرت تلك السيرة بالمرباع, وبقي اسم الخميس على حاله.
وقوله:
كل غادٍ لحاجةٍ يتمنى ... أن يكون الغضنفر الرئبالا
الغضنفر: من صفات الأسد وهو الغليظ الجلد, ووصف بعضهم اللبن الخاثر بالغضنفر, وهو من طريف الكلام. وقافية هذه القصيدة من المتواتر.










مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید