المنشورات

أين أزعت أيهذا الهمام ... نحن نبت الربى وأنت الغمام

الوزن من أول الخفيف.
الهمام نعت للملك. وأي: مناداة, وهذا صفة لها. والهمام نعت لهذا. وإذا قالوا: يا أيهذا لم يكن لهم بد من أن يجيئوا باسم فيه ألف ولام يكون نعتًا كما قال ذو الرمة: [الطويل]
ألا أيهذا المنزل الدارس الذي ... كأنك لم يعهد بك الحي عاهد
وقوله: نحن نبت الربى: إنما جاء بالربى لإقامة الوزن, ولو أمكنه أن يقول: نحن النبت وأنت الغمام لكان ذلك أعم. ويجوز أن يقال: إنما خص الربى لأن النبت عليها أحسن منه في الوهد.
والربى: جمع ربوة, وفيها لغات: ربوة وربوة وربوة, وقد أبان الطائي عن هذا المعنى فقال: [الخفيف]
غير أن الربى إلى سبل الأنـ ... ـواء أدنى والحظ حظ الوهاد
ومعلوم أن حظ الوهد في المطر أكثر من حظ الربوة لأن ما يصيبها من القطر ينزل إلى الوهد, والوهود يتربص فيها الماء وليست الربى كذلك.
وقوله:
نحن من ضايق الزمان له فيـ ... ـك وخانته قربك الأيام
نصب قربك لأنه مفعول ثانٍ, ولا يجوز نصبه على الظرف لأنه يصير ذمًا للممدوح, وإقرارًا بأن الزمان خانهم في حال اقترابهم منه, فكأنما خان هاهنا مثلها في قول الأعشى: [المتقارب]
وما إن أرى الدهر في صرفه ... يغادر من شارخٍ أو يفن
أذال أذينة عن ملكه ... وأخرج من حصنه ذا يزن
وخان النعيم أبا مالكٍ ... وأي امرئٍ صالحٍ لم يخن
وقوله (183/ب):
في سبيل العلى قتالك والسلـ ... ـم وهذا المقام والإجذام
يقول: كل فعالك في سبيل المكارم العالية, فإن قاتلت أو سالمت فأنت في طلاب العلياء. والإجذام: سرعة السير, وهو مأخوذ من الجذم أي القطع السريع. ويقال: رجل مجذام إذا وصف بذلك. قال أبو دواد: [الخفيف]
غير ريبٍ بني كنانة مني ... إن أفارق فإنني مجذام
وقال الربيع بن زيادٍ العبسي: [المتقارب]
حرق قيس علي البلا ... د حتى إذا استعرت أجذما
أي قطع ما بيننا قطعًا سريعًا.
وقوله:
ليت أنا إذا ارتحلت لك الخـ ... ـيل وأنا إذا نزلت الخيام
تمنى أن يكون غير مفارقٍ له في المسير والمقام. وقد عاب بعض الناس هذا القول على أبي الطيب, وقالوا: الخيام تكون متعالية عمن فيها ولذلك قال: [الوافر]
لقد نسبوا الخيام إلى علاء ... أبيت قبوله كل الإباء
وما سلمت فوقك للثريا ... ولمسلمت فوقك للسماء
وحجة أبي الطيب في هذا واضحة لأن الخيمة غنما هي خادمة لمن يحل فيها وتصد عنه حر الشمس وغيره من المؤذيات.
وقوله:
كل عيش ما لم تطبه حمام ... كل شمس ما لم تكنها ظلام
يقيمون الهاء مقام خبر كان, وهو بإياها أشبه. وقد قال أبو الأسود الدؤلي: [الطويل]
دع الخمر يشربها الغواة فإنني ... رأيت أخاها مغنيًا لمكانها
فإلا يكنها أو تكنه فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها
وقالوا: تكونها في معنى تكون فيها. قال الشاعر: [الكامل]
لما رأى برقًا يضيء وميضه ... منازل من أسماء كانت تكونها
أي تكون فيها.
وقوله:
أزل الوحشة التي عندنا يا ... من به يأنس الخميس اللهام
اللهام: الجيش الذي كأنه يلتهم الأشياء أي يبتلعها, وكذلك قولهم: فرس لهم ولهموم, أي كأن جريه يبتلع الأرض. قال رؤبة: [الرجز]
كالحوت لا يشبعه ما يلهمه ... يصبح عطشان وفي البحر فمه
وقوله:
والذي يضرب الكتائب حتى ... تتلاقى الفهاق والأقدام
الفهاق: جمع فهقةٍ وهي خرزة العنق المتصلة بالظهر, وإنما قيل لها: فهقة لأنها تفهق موضعها أي تملؤه. قال الراجز: [الرجز]
لا ذنب للبائس إلا في الورق ... وتضرب الفهقة حتى تندلق
تندلق: أي تخرج من موضعها.
وقوله:
وكفاحًا تكع عنه الأعادي ... وارتياحًا تحار منه الأنام
يقال: كع الرجل يكع إذا عجز عن الشيء, وكسر الكاف في يكع أكثر, وقد حكي فتحها. وقال قوم: يقال: كع وكاع وكاء بمعنى واحد.
وقوله:
إما هيبة المؤمل سيف الدو ... لة الملك في القلوب حسام
فكثير من الشجاع التوقي ... وكثير من البليغ السلام
المعنى: أن هيبة هذا الملك عظيمة؛ فإذا توقى الشجاع صولته فذلك منه مستكثر, وإذا قال له البليغ: السلام عليك, أو نحو ذلك, فقد عظم ما فعل لأن هيبته توجب ألا ينطق أحد بين يديه. وذهب قوم إلى أن المراد أن الشجاع يكثر التوقي منه لأنه يشاهد من الهيبة ما يحمله على ذلك, والبليغ يسلم تسليمًا بعد تسليم فيكثر السلام لأنه لا يقدر على غيره, والمعنى الأول أشبه. وقافيتها من المتواتر.










مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید