المنشورات

لا افتخار إلا لمن لا يضام ... مدركٍ أو محاربٍ لا ينام

الوزن من الخفيف الأول.
قوله:
ليس عزمًا ما مرض المرء فيه ... ليس همًا ما عاق عنه الظلام
استعملوا العزم في الأمور بمعنى القطع فقالوا: عزمت الشيء وعزمت عليه, وقد عزم الأمر نفسه إذا وقع كأنه قطع, غير الوقوع. قال النابغة: [البسيط]
حياك ود فإنا لا يحل لنا ... لهو النساء وإن الدين قد عزما
أي: قد قطع عما أردت. وقال آخر: [الوافر]
عزمت على إقامة ذي صباحٍ ... لأمرٍ ما يسود من يسود
وفي الكتاب العزيز: {فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرًا لهم} (197/ب) يقول: ليس عزمًا أمر يمرض فيه العازم. والتمريض في الأمر: التقصير فيه, وهو مأخوذ من مرض الإنسان لأن المرض يضعفه. ويقال: ريح مريضة أي ضعيفة.
وقوله: ليس همًا ما عاق عنه الظلام؛ أي إن الظلام إذا عاق الهام عما يهم به فليس همه بهم, وإنما الهم ما يحمل الإنسان على ركوب الأهوال. والهم هاهنا: الهمة.
وقوله:
واحتمال الأذى ورؤية جانيـ ... ـه غذاء تضوى به الأجسام
يقال: ضوى الجسم ضوًى إذا صغر. وفي كلامهم القديم: «استغربوا لا تضووا». يقول: تزوجوا الغرائب من النساء لئلا تضوى أولادكم, أي تصغر جسومهم. قال ذو الرمة: [الطويل]
أخوها أباها والضوى لا يمسها ... وساق أبيها أمها عقرت عقرا
يصف النار. يريد أن أباها وأمها من شجرة واحدةٍ - يعني الزندين اللذين يقدح بهما - أي متقاربة الأبوين وليس يمسها ضوى؛ لذلك قال الراجز: [الرجز]
أنذر من كان صغير الهم ... في الناس تزويج بنات العم
ليس بناجٍ من ضوى وسقم ... يومًا وإن أطعمته لا ينمي
يقول: رؤية من يشق عليك النظر إليه غذاء يضوي الجسم, وشأن الأغذية أن تربي الأجسام.
وقوله:
ذل من يغبط الذليل بعيشٍ ... رب عيشٍ أخف منه الحمام
قوله: ذل من يغبط الذيل: يحتمل أن يكون إخبارًا أو دعاءً. وقوله: رب عيشٍ أخف منه الحمام: رب تدل على القلة, والعيش الذي أخف منه الحمام كثير جدًا؛ إلا أنه - على ثقله - لا يختار فراقه من هو فيه.
وقوله:
كل حلمٍ أتى بغير اقتدارٍ ... حجة لاجيء إليها اللئام
يقول: ليس حلم الإنسان مما يحمد عليه إلا أن يكون حلم عن مقدرة, وإلا فحلمه ذل, وإنما يحتج بذلك لئام الناس.
وقوله:
من يهن يسهل الهوان عليه ... ما لجرحٍ بميتٍ إيلام
يقول: من يهن فالهوان عليه سهل؛ مثال ذلك أن الرجل الهين يهون عليه أن يستخدم في عمل التراب وغيره. ثم ذكر أن الميت قد فارق الحياة وصار من أهون الأشياء, فهو لا يحس بالجرح ولا غيره من الحوادث.
وقوله:
واقفًا تحت أخمصي قدر نفسي ... واقفًا تحت أخمصي الأنام
وصف نفسه بالرفعة والعلو, وأنه مع ذلك واقف تحت أخمصي قدر نفسه وأن الأنام وقوف تحت أخمصيه.
وقوله:
أقرارًا ألذ فوق شرارٍ ... ومرامًا أبقي وظلمي يرام
يقول: كيف أقر وتحتي شرار يحرق, وكيف أبقي مرامًا وغيري يريد ظلمي؟ .
وقوله:
دون أن يشرف الحجاز ونجد ... والعراقان بالقنا والشام
الشام: أصله الهمز, وهو في هذه القافية لا يجوز همزه, قال الراجحز في همزه: [الرجز]
لا تقربن الشأم إن الشأما ... كان لدراء العراق وخما
وإنما همزة لأنه مأخوذ من اليد الشؤمى أي الشمال, وذلك أن الرجل إذا وقف بمكة ونحوها واستقبل مطلع الشمس كان الشام عن شماله واليمن عن يمينه. وقالوا في النسب: رجل شآمٍ؛ فحذفوا الياء وكسروا الميم في الرفع والخفض, وقالوا في النصب: رأيت شآميًا, ويجوز في النسب إليه: شأمي على وزن فعلي, وشامي بغير همز إلا أن الياء مشددة. فأما قول الناس: الشآم على مثال الشغام؛ فذلك ردئ جداً, وقد استعمله حبيب بن أوس والوليد بن عبيد, وقد جاء في بعض الشعر القديم. قال رجل من طيئ: [الطويل]
أتتنا قريش قضها بقضيضها ... وأهل الشآم والحجاز توجف
أي كل ما تقدر عليه.
وقوله:
شرق الجو بالغبار إذا سا ... ر علي بن أحمد القمقام
هذا الكلام متعلق بما قبله. يقول: أأبقي مرامًا وظلمي يرام دون أن يشرق الحجاز ونجد؟ ! أي إني يجب علي أن أجر الجيوش ومعهم القنا حتى يشرق به الحجاز ونجد وغيرها من البلاد مثل شرق الجو بالغبار إذا سار هذا الممدوح.
وقوله:
الأديب المهذب الأصيد الضر ... ب الذكي الجعد السري الهمام
(198/أ) يقال: رجل ضرب إذا كان خفيف اللحم. قال طرفة: [الطويل]
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه ... خشاش كرأس الحية المتوقد
والجعد: يجوز أن يعني جعودة الشعر؛ لأنه إن أراد به جعودة الجسم فهو ضد الضرب؛ لأن الجعل ضد السبط.
وقوله:
يتداوى من كثرة المال بالإقـ ... ـلال جودًا كأن مالًا سقام
يتداوى: يتفاعل من الدواء, والهمزة في الدواء مقلوبة عن ياء لأنهم يقولون: داويت المريض. والهمزة في الدواء أصلية لأن أصله دواء وجمعه أدواء. زعم أن الممدوح يتداوى بفرط جوده من كثرة المال بالإقلال حتى كأن المال سقم.
وقوله:
حسن في عيون أعدائه أقـ ... ـبح من ضيفه رأته السوام
حسن: متعلق بالبيت الأول, والمعنى يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون وصفه بالحسن وهو في عيون أعدائه أقبح من ضيفه في عيون سوامه - أي إبله - لأنه ينحرها له, والعرب تصف ذعر الإبل من النحر وتدعي أنها تكره نزوله. قال الشاعر وذكر ضيفًا: [الطويل]
حبيب إلى كلب الكريم مناخه ... بغيض إلى الكوماء والكلب أبصر
وقال أعشى باهلة, ووصف فزع الإبل ممن يعقرها: [البسيط]
وتفزع الإبل منه حين تبصره ... حتى تقطع في أعناقها الجرر
وهذا المعنى نحو من قوله في الأخرى: [الطويل]
فما شعروا حتى رأوها مغيرةً ... قباحًا وأما خلقها فجميل
والآخر من المعنيين: أن أعداءه يرونه حسن الصورة قبيح الفعل؛ فهم في هذا الوجه يرونه حسنًا قبيحًا, وفي الوجه الأول يرونه قبيحًا لا غير.
وقوله:
لو حمى سيدًا من الموت حامٍ ... لحماك الإجلال والإعظام
وعوارٍ لوامع دينها الحـ ... ـل ولكن زيها الإحرام
يقول: لو حمى سيدًا من الموت شيء لحمتك جلالتك وعزك. وعوارٍ لوامع هي سيوف تسل دينها الحل؛ أي إنها لا تقتل إلا من يجب قتله, ولكن زيها زي المحرم لأنها تقر في الغمود, فهي عارية.
وقوله:
كتبت في صحائف المجد بسم ... ثم قيس وبعد قيس السلام
جعل الباء هاهنا مع اسم بمنزلة الكلمة الواحدة الثلاثية نحو رجلٍ وجذعٍ, ولعل هذه الكلمة ما استعملت على هذه السجية إلا في البيت, لأنه جعل الباء مع اسم بمنزلة كلمةٍ واحدةٍ وأدخل عليها التنوين.
ولو أنها: بسم الله لحسن أن تحكى على ما هي عليه, فيقال: كتبت في صحائف المجد بسم الله, فأما قول القائل: [الخفيف]
أن لوًا وإنليتًا عناء
فليس من هذا الجنس لأنه أخرج «لو» من بابها وجعلها كلمةً معربةً, ولا من نحو قولهم: مررت ببرق نحره؛ لأن الجمل إذا سمي بها فهي محكية في النصب والرفع والخفض.
وقوله:
إنما مرة بن عوف بن سعدٍ ... جمرات لا تشتهيها النعام
قد شاع بين العامة أن النعام يلتهم الجمر, فحمل أبو الطيب كلامه على ذلك, وقال: مرة ابن عوف بن سعد جمرات لا تشتهيها النعام؛ أي هي جمرات عظيمة.
وفي العرب قبائل تعرف بالجمرات, وإنما سميت بذلك لشدة بأسها. روي عن أبي عبيدة أن جمرات العرب ثلاث: الحارث بن كعب, وبنو عبسٍ, وبنو نمير. وقال مرة أخرى:
ضبة بن أد, فقيل له: إنك قلت: نمير؛ فقال: ضبة بن أد أشبه من نميرٍ. وقال: طفئت جمرتان وبقيت جمرة. طفئت جمرة بني عبس لحالفتهم بني عامر يوم جبلة, وطفئت جمرة الحارث بن كعب لمحالفتهم بني نهدٍ. وقيل: طفئت جمرة بني نمير, قال: ومن أطفأها؟ قيل: بغا؛ فضحك.
وقوله:
ليلها صبحها من النار والإصـ ... ـباح ليل من الدخان تمام
ليلها صبحها من النار: يعني أنهم يوقدون النيران بالليل لقرى الضيفان؛ فالليل قد صار كأنه صبح لزوال الظلام. والعرب تفتخر بإيقاد النار, ويخصون بذلك المواضع العالية؛ لأن النار إذا كانت بالموضع المرتفع كان ذلك أشهر لها. قال الأنصاري: [الوافر]
وترفع باليفاع الليل ناري ... تشب إذا يحس لها خبوت
وقال حاتم: [الطويل]
ولكن بهذاك اليفاع فأوقدي ... بجزلٍ - إذا أوقدت - لا بضرام
وقوله: الإصباح ليل من الدخان تمام يحتمل وجهين:
أحدهما: أنهم يوقدون النار بالنهار؛ إلا أنه يخفى ضوؤها لأن قراهم لا ينقطع في ليل ونهار؛ فدخان النار يستر ضياء الشمس.
والآخر: أنهم يغيرون في النهار ويحاربون فيزول نور النهار لأجل الغبار. وقد جعل أبو الطيب الغبار دخانًا في قوله: [الطويل]
وما كان إلا النار في كل موضعٍ ... يثير غبارًا في مكان دخان
وقوله:
ونفوس إذا انبرت لقتالٍ ... نفدت قبل ينفد الإقدام
زعم أن نفوسهم لا تفرق من الموت, وأنها إذا انبرت لقتال أنفدتها الحرب واإقدامها لم ينفد.
وقوله:
وقلوب موطنات على الروع ... كأن اقتحامها استسلام
الاقتحام: الدخول على الشيء (198/ب) والتهجم عليه؛ يقال: قحم فلان نفسه في الهلكة. كأن اقتحامها استسلام: يجب أن يكون الاستسلام هاهنا الطلب للسلم, كما يقال: استخرج فلان المال أي طلب خروجه, واستنقذ فلانًا من الأمر إذا طلب استنقاذه. والعامة يقولون: استسلم فلان إذا سلم أمره إلى الله, ولم يجد حيلةً إلى الخلاص, وهذا المعنى لا يحتمله هذا البيت.
وقوله:
قائدو كل شطبةٍ وحصانٍ ... قد براها الإسراج والإلجام
الشطبة: الفرس السبطة العظام القليلة اللحم. قال عبد يغوث الحارث: [الطويل]
ولو شئت نجتني من الموت شطبة ... ترى خلفها الجرد العتاق متاليا
ويقال: غلام شطب إذا وصف بخفة اللحم. قال الراجز: [الرجز]
ترى مع القوم الغلام الشطبا ... إذا أحس وجعًا أو كربا
دنا فما يزداد إلا قربا
ومن هذا المعنى قيل لقطع السنام المستطيلة: شطائب.
وقوله:
يتعثرن بالرؤوس كما مر ... بتاءات نطقه التمتام
يقول: هذه الجياد يتعثرن برؤوس القتلى فمنعهن ذلك من العدو منعًا غير شديد, وإنما هو كتردد التمتام في التاء إذا حاول بها النطق. ونحو قولهم: تمتام قولهم للذي يتردد بالفاء: فأفاء. قال الشاعر: [الطويل]
يقولون فأفاء فلا تنكحنه ... ولست بفأفاءٍ ولا بجبان
وقوله:
طال غشيانك الكرائه حتى ... قال فيك الذي أقول الحسام
الكرائه: جمع كريهةٍ, وهو ما يكره من لقاء الحروب: فعيلة في معنى مفعولة. وادعى أن الحسام يقول للممدوح كما يقول له الشاعر.
وقوله:
وكفتك الصفائح الناس حتى ... قد كفتك الصفائح الأقلام
الصفائح: جمع صفيحة, وهي السيف العريض الصفح, وإذا عرض الحجر أو غيره من الحديد فهو صفيحة. قال الشاعر: [الكامل]
إن الذي بين الصفائح والصفا ... في أرض مرو على الطريق الرائح
وصفحة الوجه: عرضه, والمراد به الخد. يقول: كفتك السيوف أمور الناس وعظمت هيبتك فأغنتك أقلامك عن سيوفك. واختار الصفائح دون غيرها من أسماء السيوف, نحو: القواضب والبواتر والقواطع؛ لأنه أراد أن يجيء بضد الأقلام إذ كانت لا عرض لها وإنما هي دقاق.
وقوله:
وكفتك التجارب الفكر حتى ... قد كفاك التجارب الإلهام
يقول: كفاك التجارب أن تفكر لأنك قد عرفت الأشياء, فإذا ورد عليك مشكل لم تحتج أن تفكر فيه؛ لأنك تقيسه على سواه. ثم ارتقت بك الفطنة إلى أن صار الله سبحانه يلهمك فعل الخير, والتحرج من الخطوب.
والإلهام: مأخوذ من قولهم: لهم الإنسان الشيء إذا بلعه, والله جلت عظمته كأنه يلقي التوفيق بصدره.
وقوله:
فارس يشتري برازك للفخـ ... ـر بقتلٍ معجلٍ لا يلام
يقول: برازك فخر عظيم يفتخر به مبارزك, فالذي يشتريه بالقتل لا يلام فيما صنع؛ لأنه يبني له مجدًا باقيًا, والعرب تفتخر بأنهم يقتلون. قال زهير: [الطويل]
وإن يقتلوا فيشتفى بدمائهم ... وكانوا قديمًا من مناياهم القتل
وقوله:
نائل منك نظرةً ساقه الفقـ ... ـر عليه لفقره إنعام
يقول: إن الرجل إذا كان فقيرًا فجاء يطلب نائلك فنال نظرةً إليك, فذاك إنعام لفقره عليه.
وقوله:
قد لعمري أقصرت عنك وللوفـ ... ـد ازدحام وللعطايا ازدحام
خفت إن صرت في يمينك أن يأ ... خذني في هباتك الأقوام
هذا معنى لم يعلم أن أبا الطيب سبق إليه؛ لأنه احتج لتأخره عنه بطلاب الأعطية يزدحمون لديه؛ لأنه خشي أن يؤخذ في الهبات, وهذه مبالغة لم يأت بمثلها سواه.
وقوله:
ومن الرشد لم أزرك على القر ... ب على البعد يعرف الإلمام
هذا الكلام فيه تقديم وتأخير, وهو يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يريد: ولم أزرك من رشدي على القرب؛ أي (199/أ) إني أرشدت إلى تأخير الزياة؛ لأن الزائر على البعد يجب له من الحق ما لا يجب للزائر مع قرب الدار.
والإلمام: زيارة ليست بالدائمة, والمثل السائر: «زر غبا تزدد حبا». والإلمام بالشيء أن يفعل فعلًا غير المتصل. قال الراجز: [الرجز]
إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبدٍ لك لا ألما
وقوله:
ومن الخير بطء سيبك عني ... أسرع السحب في المسير الجهام
يقول: بطء سيبك عني خير؛ لأن السحاب إذا كثر ماؤه بطؤ مسيره, وإذا أراق ماءه وصف بسرعة السير. قال النابغة: [الوافر]
وأصبح في مداهن بارداتٍ ... بمنطلق الجنوب مع الجهام
وقوله:
قل فكم من جواهرٍ بنظامٍ ... ودها أنها بفيك كلام
ادعى أن الجواهر المنظومة تود أنها كلام في فم الممدوح. وهذا المذهب يستحسن في رأي الشعراء, وقد علم أنه لا يكون؛ لأن الجواهر غير وادةٍ شيئًا من الأشياء.
وقوله:
هابك الليل والنهار فلو تنـ ... ـهاهما لم تجز بك الأيام
يرحم الله أبا الطيب فقد اجتهد بقيل الباطل ورضي على ذلك بعطاءٍ زهيد؛ ولو أن هذا البيت في صفة الله - عز سلطانه - لجاز أن ينال به رضوان الله.
وقوله:
لم لا تحذر العواقب في غيـ ... ـر الدنايا أو ما عليك حرام
يقول: أنت لا تحذر العواقب إلا في أمر دني تهاب أن تفعله. وقوله: أو ما عليك حرام؛ فإذا رفع عليك حرام فحرام خبر هو المحذوفة, ولو كانت القافية مخفوضةً لجاز أن يخفض حرام وتجعل «ما» نكرةً, ويكون التقدير: في غير الدنايا أو شيءٍ عليك حرام. وإذا رفع حرام جاز أن تكون «ما» معرفةً ونكرةً.
وقوله:
إن بعضًا من القريض هذاء ... ليس شيئًا وبعضه أحكام
منه ما تجلب البراعة والفضـ ... ـل ومنه ما يجلب البرسام
القريض: الشعر, أخذ من قرض الشيء؛ أي: قطعه؛ كأن الإنسان يقرضه من فكره أو من كلامه. وقد ميز الأغلب الراجز الرجز من القريض: [الرجز]
أرجزًا تريد أم قريضا ... أم هكذا بينهما تعريضا
كليهما أجد مستفيضا
وقال قوم: إنما قيل للشعر قريض تشبيهًا بجرة البعير؛ لأنه يخرجها من جوفه, ومن أمثالهم: «حال الجريض دون القريض». ويقال: إن أول من قال ذلك عبيد بن الأبرص لأن بعض ملوك الحيرة - ويزعمون أنه عمرو بن هند - كان له يومان: يوم بؤسٍ ويوم أنعمٍ؛ فإذا كان يوم بؤسه فلقيه رجل قتله, وإذا كان يوم أنعمه فلقيه رجل أنعم عليه, فلقيه عبيد في يوم بؤسه فقال له أنشدني قولك: [مخلع البسيط]
أقفر من أهله ملحوب
فقال عبيد: «حال الجريض دون القريض»؛ يعني الغصص. وقيل: كان لبعض العرب ولد يحب قول الشعر وينهاه أبوه عنه, فمرض ولده وأشرف على الموت, فجاءه أبوه وقال له: إني كنت أنهاك عن الشعر وقد أذنت لك فيه؛ فقال الغلام: «حال الجريض دون القريض».
وقد وصف طرفة حال عمرو بن هند فيما كان يفعل فقال: [الوافر]
ليت لنا مكان المرء عمرو ... رغوثًا حول قبتنا تخور
من الزمرات أسبل قادماها ... وضرتها مركنة درور
قسمت الدهر والأيام فينا ... كذاك الحكم يقصد أو يجور
لنا يوم وللكروان يوم ... تطير البائسات ولا نطير
من كسر تاء البائسات نصبها على الترحم؛ كأنه قال: ارحم البائسات, ونحو ذلك. والبراعة تستعمل في الكلام, وفي الشجاعة, يقال: إن فلانًا بارع. قال الراجز: [الرجز]
أين دريد وهو ذو براعه ... تعدو به سلهبة سراعه
ويقال: برسام وبلسام وجرسام. وقال امرؤ القيس: [الكامل]
وكأن شاربها أصاب لسانه ... خبل مخالطه من البرسام
وقافيتها من المتواتر.













مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید