المنشورات

نرى عظمًا بالصد والبين أعظم ... ونتهم الواشين والدمع منهم

الوزن من الطويل الثاني.
قوله:
ومن لبه مع غيره كيف حاله ... ومن سره في جفنه كيف يكتم
يقول: لبي مع غيري فيكف تكون حالي؛ أي إنها غير جميلةٍ. وقوله: ومن سره في جفنه كيف يكتم؛ أي: إن الأسرار إنما تكتم في القلوب لا في الأجفان. وقد جرت عادة الناس بأن يقولوا: عين فلان تبين عما في صدره, وتردد ذلك في الشعر, قال الشاعر: [الطويل]
تخبر من لاقيت أنك ناصح ... وعينك تبدي أن صدرك لي دو
ويضاف إلى هذا المعنى أن المحب يجري دمعه فيبين سره لرائيه.
وقوله:
ظلوم كمتنيها لصب كخصرها ... ضعيف القوى من فعلها يتظلم
المتنان: تثنية متن وهو أسفل الظهر. يقال: متنان ومتنتان. قال أبو دواد الإيادي: [الهزج]
ومتنان خظاتان ... كزحلوقٍ من الهضب
خظاتان أي كثيرتا اللحم, وقال امرؤ القيس: [المتقارب]
لها متنتان خظاتا, كما ... أكب على ساعديه النمر
يقول: هذه المرأة ثقيلة الأراداف؛ فمتناها يضربان خصرها. وشبه المرأة في ظلمها بظلم متنيها لصب كخصرها. ثم وصف نفسه بأنه ضعيف القوة يتظلم مما يفعل به. يقال: تظلم الرجل إذا اشتكى الظلم, وتظلم إذا ظلم, قال الجعدي: [الطويل]
وما يشعر الرمح الأصم كعوبه ... بفروة رأس الأبلخ المتظلم
يعني بالأبلخ: المتكبر, ومن روى: فروة رأسه أراد جلده؛ ومن روى: ثروى رهطه أراد كثرتهم. وهذه اللام التي في قوله: لصب إذا تقدمها فعل قبح مجيئها بعده في مثل قولك: ظلمت لفلانٍ. فإن تقدمت اللام على الفعل لم يقبح ذلك؛ تقول: لفلانٍ أعطيت درهمًا, وكذلك إن جئت باللام بعد فاعلٍ أو فعولٍ. فقولك: هو ظالم لعمرو وظلوم لزيد؛ أحسن من قولك: ظلم لعمروٍ؛ لأن الفعل عادته أن يتعدى بغير معد.
وقوله:
فلو كان قلبي دارها كان خليًا ... ولكن جيش الشوق فيه عرموم
يقول: لو كان قلبي دار هذه الموصوفة لكان خاليًا لأنها قد رحلت عنه, ولكنه؛ يعني أن قلبه مملوء بالشوق؛ ففيه منه جيش عرموم؛ أي عظيم.
وقوله:
أثاف بها ما بالفؤاد من الصلا ... ورسم كجسمي ناحل متهدم
أثافٍ: جمع أثفيةٍ, وهي من قولهم: أثف الرجل غيره إذا تبعه, وقيل للواحدة: أثفية؛ لأنها تتبع صاحبتها. والبصريون يحكون تخفيف الياء في الأثافي, والكوفيون يروون التشديد, وعلى الوجهين أنشدوا قول زهير: [الطويل]
أثافي سفعًافي معرس مرجل
والصلا: أثر الناس في الأثافي وغيرها, ولما شبه صلا الأثافي بصلا فؤاده زعم أن جسمه مثل الرسم الذي قد نحل وتهدم.
وقوله:
بلتت بها ردني والغيم مسعدي ... وعبرته صرف وفي عبرتي دم
الردنان: تثنية ردنٍ, وهو أصل الكم. قالت عمرة أخت ذي الكلب الهذلية: [البسيط]
المخرج الكاعب الحسناء مذعنةً ... في السبي ينفخ من أردانها الطيب
والعبرة: تردد الدمع, وقيل للثكل: عبر, وللثاكل: عابر. والصرف: الخالص, وأصل ذلك في الخمر إذا لم تمزج, وكذلك خمر مصروفة, قال المتنخل الهذلي: [السريع]
إن يمس نشوان بمصروفةٍ ... منها بنيءٍ أو على مرجل
وقوله: (206/ب)
بنفسي الخيال الزائري بعد هجعةٍ ... وقولته لي: بعدنا الغمض تطعم
سلام فلولا البخل والخوف عنده ... لقلت أبو حفصٍ علينا المسلم
يقال: خيال وخيالة, فأما قول زهير: [الوافر]
تطالعنا خيالات لسلمى ... كما يتطلع الدين الغريم
يجوز أن يكون جمع خيالٍ بالتذكير كما يقال: سجل وسجلات, وحمام وحمامات.
ويجوز أن يكون جمع خيالةٍ. وقال آخر: [الوافر]
ألا طرقت خيالة أم كرزٍ ... وأصحابي بعيهم من تباله
وقوله: بعدن المغض تطعم: الأحسن فيه أن يكون معناه معنى الاستفهام, كأن الخيال قال: أتطعم الغمض بعدنا؟ ! وقد يحتمل أن يكون معناه معنى الاستفهام, كأن الخيال قال: أتطعم الغمض بعدنا؟ ! وقد يحتمل أن يكون على معنى الخبر كما تقول للرجل إذا رأيته يفعل فعلًا لا ينبغي أن يفعله: جلست في موضع كذا؛ أي قد جلست في موضع لا ينبغي أن تجلس فيه. وقوله: سلام: من لفظ الخيال. يقول: لولا أن الخيال بخيل بما نريد وإن معه خوفًا من هجرانه لقلت: أبو حفص المسلم علينا من عظم فرحي بذلك.
وقوله:
محب الندى الصابي إلى بذل ماله ... صباءً كما يصبو المحب المتيم
يقول: أبو حفص يصبو إلى بذل ماله كما يصبو المحب المتيم إلى من يحب. يقال: صبا يصبو صبوًا وصبى بكسر الساد والقصر, وصباءً بفتحها والمد.
وقوله:
يجل عن التشبيه لا الكف لجة ... ولا هو ضرغام ولا الرأي مخذم
يقول: هذا الممدوح يجل عن التشبيه بالأشياء؛ لا كفه لجة؛ أي كفه أعظم جودًا.
والأسد وهو الضرغام يحتقر عنده, ولأنه أمضى من السيف المخذم؛ أي القاطع؛ فمن شبهه بهذه الأشياء فقد ظلمه.
وقولهك
ولا يبرم الأمر الذي هو حالل ... ولا يحلل الأمر الذي هو مبرم
يقال: أبرمت الأمر إذا أحكمته. وأصل ذلك من فتل الحبل. وبعض الناس يعيب عليه حالل, لأنه أظهر التضعيف, وتلك ضرورة, ولو وضع مكانها ناقضًا لسلم من الضرورة. ويجوز أن يكون الشاعر فعل ذلك لينكر عليه فيعلمهم أنه عالم بالضرورات. فأما قول ابن أم صاحب: [البسيط]
مهلًا أعاذل قد جربت من خلقي ... أني أجود لأقوامٍ وإن ضننوا
فإنه احتاج إلى إظهار التضعيف لأنه أراد أن يقابل الجود بالضن, وكذلك قول زهير: [الكامل]
لم يلقها إلا بشكة باسلٍ ... يخشى الحواث حازمٍ مستعدد
وقوله:
ولا يرمح الأذيال من جبريةٍ ... ولا يخدم الدنيا وإياه تخدم
أصل الرمح في الخيل, يقال: رمحه الفرس إذا ضربه برجله, ثم استعارواة ذلك في غير الخيل؛ فقالوا للمرأة التي تسحب أذيالها: هي ترمح ذيلها, وكذلك يقولون للرجل المتكبر إذا سحب ذيله.
وقوله:
ولا يشتهي يبقى وتفنى هباته ... ولا تسلم الأعداء منه ويسلم
قد كثر في شعر أبي الطيب حذف «أن» في مواضع إثباتها فيها أحسن كقوله: ولا يشتهي يبقى, أراد: أن يبقى, وقوله: وقبل يرى من جوده, أي: قبل أن يرى, وقوله: ويمنعها الحياء تميسا؛ أي: أن تميس, وغير ذلك. والمجيء بها أحسن وأقوى للفظ.
يقول: هذا الممدوح لا يشتهي أن يسلم ويسلم أعداؤه؛ ولكن يريد أن يسلم في نفسه ويهلك جميع أعدائه.
وقوله:
وأغرب من عنقاء في الطير شكله ... وأعوز من مسترفدٍ منه يحرم
قد مضى ذكر العنقاء في أول الكتاب. يقول: شكله مفقود كما فقدت عنقاء مغرب. وأعوز من مسترفدٍ حرمه لأنه لا يحرم أحدًا استرفده؛ أي أعطاه الرفد أي العطية.
وقوله:

سني العطايا لو رأى نوم عينه ... من اللؤم آلى أنها لا تهوم
أصل التهويم: النوم القليل؛ وكأنهم يريدون به أخذ النوم في هامة الإنسان لأنه يبدأ برأسه, ثم ينتشر في سائر الجسد.
وقوله:
ولو قال: هاتوا درهمًا لم أجد به ... على سائل أعيا على الناس درهم
يقال: هاتى الرجل يهاتي إذا قال لغيره: هات. وتقول للرجلين: هاتيا, وللجماعة: هاتوا, وللمرأة: هاتي, وللمرأتين: هاتيا, كما تقول للرجلين (207/أ) وللجميع: هاتين.
وقوله:
ولو ضر مرءًا قبله ما يسره ... لأثر فيه بأسه والتكرم
يقال: امرؤ فتضم الراء في الرفع, ورأيت امرءًا فتفتح, ومررت بامرئٍ فتكسر. فإذا جاءت الألف واللام ألزموا الراء سكونًا فقالوا: هذا المرء, ورأيت المرء, ومررت بالمرء. منهم من يشدد الراء فيقول: هذا المر, ورأيت المر, ومررت بالمر؛ وربما قالوا: رأيت مرءاً. وينشد لبعض اللصوص: [الطويل]
ولست أرى مرءاً تطول حياته ... فتبقي له الأيام خالًا ولا عما
وقوله:
يروي بكالفرصاد في كل غارةٍ ... يتامى من الأغماد بيضًا ويوتم
الفرصاد: التوت, قال الشاعر: [البسيط]
التارك القرن مصفرًا أنامله ... كأن أثوابه علت بفرصاد
وربما سموا الخمر فرصادًا على التشبيه. وقوله: بكالفرصاد أي بمثله, والكاف تدخل عليها حروف الخفض, قال الأخطل: [الطويل]
قليلو غرار النوم حتى يخلصوا ... على كالقطا الجوني أفزعه الزجر
والمعنى: أنه جعل الأغماد كالآباء للسيوف, وزعم أن الممدوح يموتها بطول السل ويوتم أولاد الأعداء.
وقوله:
إلى اليوم ما حط الفداء سروجه ... مذ الغزو سارٍ مسرج الخيل ملجم
يعني بالفداء ما كان يجري بين الروم والمسلمين من المفاداة بالأسرى. هذا المصدر ممدود لا يجوز قصره. فإذا جعل اسمًا فقد حكي: فدي لك وفدى لك. وفداء لك يا فلان بالكسر والتنوين, وهي كلمة شاذة. وذكر أبو جعفر أحمد بن عبيد أن فداءً إذا كانت موفوعة برافعه لم يجز فيها الكسر؛ يعني مثل قول النابغة: [البسيط]
مهلًا فداءٍ لك الأقوام كلهم ... وما أثمر من مالٍ ومن ولد
والبصريون ينشدون هذا البيت بالكسر. يقول: هذا الممدوح ما حط الفداء سروجه؛ بل هو على حاله في الغزو مسرج ملجم.
وقوله:
ومن عاتقٍ نصرانةٍ برزت له ... أسيلة خد عن قليلٍ سيلطم
يقال: خد أسيل بين الإسالة والأسل؛ وإنما يراد سهولته, ومن ذلك قيل للرماح: أسل.
والأسل أيضًا: نبت تعمل منه الحصر.
وقوله:
أجدك ما تنفك عانٍ تفكه ... عم بن سليمان ومالًا تقسم
أجدك بمعنى: أجد منك, وهو استفهام كالمعلوم عند المستفهم. ونصب أجدك على المصدر أو فعلٍ مضمرٍ, وينبغي أن يكون عانٍ مرفوعًا بالابتداء, ولولا وزن البيت لكان نصب عانٍ أوجه, ويكون التقدير: ما تنفك عانيًا. ويقوي نصبه أنه نصب مالًا. وقوله: عم بن سليمان؛ أراد: عمر فرخم على رأي أهل الكوفه, والبصريون لا يرون ترخيم الثلاثي الذي أوسطه متحرك.
وقوله:
مكافيك من أوليت دين رسوله ... يدًا لا تؤدي شكرها اليد والفم
مكافيك أصله الهمز؛ يقال: كافأت فلانًا على فعله, وفلان كفؤ لفلان أي هو نظير له. وتخفيف الهمزة جائز, وبعض النحويين يرده إلى السماع, وحمله على القياس أوجه؛ لأنك إذا وقفت على «كافأ» سكنت الهمزة وقبلها فتحة فجعلت ألفًا. وكذلك إذا وقف على المضارع قيل: يكافئ فسكن آخر الفعل وقبل الهمزة ضمة فجاز أن تجعل ياءً. وكذلك إذا قلت في اسم الفاعل: مكافئ سكنت آخر الكلمة فاتجه تخفيف الهمز.
وقوله:
وزارك بي دون الملوك تحرج ... إذا عن بحر لم يجر لي التيمم
أصل التيمم: القصد, يقال: تيممت الرجل وتأممته. ومنه اشتقاق التيمم في الصلاة, وهذا أمر حدث في الإسلام, وإنما يجوز التيمم إذا فقد الماء. فقال الشاعر: أنت أيها الممدوح بحر, وغير من الملوك مثل قاصده مثل من فقد الماء فتطهر بالتراب, وأنت بحر قد عن لي - أي عرض - فلا يجوز أن أقصد ملكًا غيرك. وقافيتها من المتدارك.









مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید