المنشورات

لهوى القلوب سريرة لا تعلم ... عرضًا نظرت وخلت أني أسلم

عرضًا: يحتمل نصبه وجهين: أحدهما: أن يكون المراد: نظرت نظرةً عرضًا, والآخر: أن يكون عرض مفعولًا؛ أي ظننت عرضًا من أعراض الدنيا.
وقوله:
يا أخت معتنق الفوارس في الوغا ... لأخوك ثم رق منك وأرحم
وصف أخا المرأة بالشجاعة, وذكر أنه على قتله الناس أرق من أخته قلبًا وأكثر منها رحمةً.
وقوله:
يرنو إليك مع العفاف وعنده ... أن المجوس تصيب فيما تحكم
هذا نحو من قول الآخر: [الخفيف]
بأبي من إذا رآها أبوها ... قال بالغيب: ليت أنا مجوس
أي: أبوها ليس مجوسيًا, وهي يتمنى أن يكون متمجسًا لأنهم يجيزون نكاح الأخوات والبنات. وذهب بعض الناس إلى أن هذين البيتين كالتعريض بابن كيغلغ, وليس الأمر كذلك.
وقوله:
راعتك راعية البياض بعارضي ... ولو انها الأولى لراع الأسحم
يقول: راعتك الشعرة البيضاء في عارضي, ولو أنها أول ما يظهر في العذار من الشعر, وكان الأمرد تخرج لحيته وهي بيضاء ثم تسود إذا طعن في السن لكان السواد يروعها كما يروعك البياض. وإنما السبب في كراهة الشيب أن إذا ظهر علم أن الإنسان قد أنفد سنين كثيرةً وأن شبابه قد ذهب. والأشبه بمعنى الشعر أن يقال: رائعة فتكون فاعلةً من الروع أي الفزع, والناس يروونها: راعية البياض, ويقولون: بدت راعية الشيب في رأسه؛ أي أول شعرة؛ يريدون أنها مخالفة لون الشعر فكأنها راعية بيضاء في معزٍ سودٍ. وفي نوادر ابن الأعرابي: [البسيط]
أهلًا براعيةٍ للحلم داعيةٍ ... تنعى الشباب وتنهانا عن الغزل
أما الشباب فقد وفاك عقبته ... وعقبة الشيب تستوفى مع الأجل
وقوله:
لو كان يمكنني سفرت عن الصبى ... فالشيب من قبل الأوان تلثم
يقول: عجل على الشيب, وعمري يوجب أن يكون شعري أسود؛ فلو كنت أقدر لسفرت عن الصبى؛ أي كشفت الشيب عنه لأنه ظلمني وجاءني في غير أوانه, فلو سفرت وكان ذلك في قدرتي لعلم أني حديث السن؛ لأن الشيب قبل الأوان كاللثام يستر الشباب. وقد ذكرت الشعراء ظهور المشيب من قبل أن يطول العمر, وهذا الشعر ينسب إلى ابن المعتز: [الطويل]
وقائلةٍ غط المشيب بخضبه ... فقلت لها: هيهات لم يأن ذا الوقت
سأتركه حتى يرى الناس ظلمه ... وأخضبه من بعد خمسين إن عشت
ويروى له أيضًا: [الخفيف]
شعرات في الرأس بيض ودعج ... حل رأسي جيشان روم وزنج
طار عن لمتى غراب شبابي ... وعلاها من بعده شاه مرج
أيها الشيب لم حللت برأسي ... إنما لي عشر وعشر وبنج
وقد ذكرت الشعراء أن الشباب كالغراب, وأنه يطير عن الرأس, قال المرقش: [الطويل]
هل يرجعن لي لمتي إن خضبتها ... إلى عهدها قبل المشيب خضابها
رأت لائحات الشيب فوق خطيطةٍ ... إذا مطرت لا يستكن صؤابها
فإن يمس قد بان الشباب فقد ترى ... به لمتي ما طار عنها غرابها
وقال آخر وقد ذكر لمته: [المتقارب]
وكان الغراب بها واقعًا ... فطيره الشيب عنها فطارا
فلا يبعد الله ذاك الغراب ... وإن كان لا هو إلا ادكارا
وقال شاعر سيف الدولة, وهو النامي المصيصي, واسمه أحمد بن محمد, وكنيته أبو العباس: [الطويل]
كأن برأسي عسكرين تحاربا ... فقد كثر استئمان جند إلى جند
وهذا مأخوذ من قول ابن المعتز:
حل برأسي جيشان روم وزنج
وقوله:
ولقد رأيت الحادثات فلا أرى ... يققًا يميت ولا سوادًا يعصم
اليقف: الأبيض. يقال: يقق ويقق. يقول: قد جربت الحادثات ورأيتها فما علمت أن الشيب يعجل الموت, ولا رأيت شيئًا يعصم من الهلاك. وهذا نهي للإنسان عن كراهة الشيب؛ إذ كان هو والشباب مثلين.
وقوله:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
يقول: ذو العقل يتفكر فيما هو فيه؛ ويعلم أنه إلى زوال؛ فلا يزال في هم يشقيه. وأخو الجهل يكون في شقاوةٍ وهو يحسب أنه في نعيم. ويقال: إن الزنج أقل الناس همومًا. وقد ردد أبو الطيب هذا المعنى في شعره كقوله: [الكامل]
تصفو الحياة لجاهلٍ أو غافلٍ ... عما مضى فيها وما يتوقع
وكذلك قوله: [الوافر]
أشد الغم عندي في سرورٍ ... تيقن عنه صاحبه انتقالا
وقوله:
والناس قد نبذواة الحفاظ فمطلق ... ينسى الذي يولي وعافٍ يندم
(209/ب) الناس منذ كانوا على الحال التي هم عليها اليوم فيهم الكريم والبخيل؛ إذا أطلق منهم مطلق جاز أن يشكر وجاز أن يكفر, وكذلك صاحب المنة ربما ندم على فعل جميلٍ. ويقال: إن معقر بن حمارٍ البارق مر على سنان بن أبي حارثة في يوم جبلة ومضى يلتمس ثوابه فلم يعطه ما يرضيه, فقال معقر: [الطويل]
متى ما تكن عند امرئٍ لك نعمة ... فلا تطلبنها الدهر بعد سنان
أتيناه للنعمى فكان ثوابه ... قلوص ووطبا حازرٍ مذقان
الحازر: اللبن الحامض.
وقوله:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم
هذا حث على القتل, وهو نحو من قوله: [الطويل]
وأن ترد الماء الذي شطره دم ... فتسقي إذا لم يسق من لم يزاحم
والدم: اسم ناقص قد ذهبت منه الياء, وقالوا في التثنية: دميان, وقالوا في الجمع: دماء, وأصله دماي, فلما وقعت الياء طرفًا وقبلها ألف قلبت همزة. وحكى أبو زيد: دمًا في وزن رحى فكان يذهب إلى أن الدم في قول القائل: [الطويل]
ولكن على أقدامنا يقطر الدما فاعل يقطر, وكان غيره ينشد: تقطر بالتاء, ويجعل الألف في آخر البيت للترنم, وهي في رأي أبي زيد أصلية.
وقوله:
يؤذي القليل من اللئام بطبعه ... من لا يقل كما يقل ويلؤم
يقول: يؤذي القليل من اللئام بطبعه اللئيم من ليس هو قليلًا كقلة المؤذي. ويلؤم: المضارع من لؤم يلؤم. وهو معطوف على قوله: يقل. ويقال: لئيم على الأصل, ووزنه فعيل, كما يقال: كرم فهو كريم. وقالوا: رجل ليم, كما قالوا: لئيم. قال عبيدالله بن قيس الرقيات: [الكامل]
وإذا حبوت الليم منك صنيعةً ... كتم الصنيعة لؤمه فلواكها
يريد: فلواك إياها, فاستعمل المضمر المتصل مكان المنفصل. يريد: لواكها من لي الدين أي مطله. والذين قالوا: الليم هم الذين قالوا: الروس في جمع راس؛ فيجوز أن يكون المحذوف الهمزة من اللئيم؛ لأنهم يجترئون على حذف ما همز. ويجوز أن يكونوا لما خففوا الهمزة أشبهت الساكن فحذفوها, وتركوا ياء فعيل. ويحتمل قولهم: روس أن يكونوا حذفوا الهمزة من رؤوس وأقروا الواو, ويجوز أن يكون المحذوف الواو, والهمزة باقية لأنهم قد جمعوا فعلًا على فعلٍ, كما قالوا: فرس ورد وخيل ورد, وسقف البيت وسقف.
وقال الشاعر في روس: [المديد]
إنما هند كشمسٍ تبدت ... يوم عيدٍ فوق روس الجبال
وقوله:
والظلم في خلق النفوس فإن تجد ... ذا عفةٍ فلعلةٍ لا يظلم
يقول: الظلم في الطباع المخلوقة, وكل من صدق نفسه علم أنه لا يظلم؛ إلا أن الظلم يتفاضل؛ فمنه ما يوبق, ومنه ما يجوز أن يغفر؛ وليس كل من ظلم دينارًا كمن ظلم بدرة. والظلم يجتنب لأشياء؛ فمن الناس من يترك الظلم مخافة الله عز وجل, ومنهم من يتجنب الظلم لأنه لا يقدر عليه, وكلاهما ترك الظلم لعلةٍ, ومنهم الذي يجتنب الظلم بالحياء ومخافة ذكر القبيح.
وقوله:
أقم المسالح فوق شفر سكينةٍ ... إن المني بحلقتيها خضرم
المسالح: جمع مسلحةٍ, وهي الموضع الذي يجعل السلطان به من يأخذ له المكوس, ولا بد أن يكون مع القوم سلاح؛ فهو مفعلة من السلاح. والمني: الأجود فيه التشديد, وكانت بنو يربوع بن حنظلة تعير, ويذكر أنهم يشربون المني. قال الراجز: [الرجز]
إن بني يربوع أرباب الشوي ... قوم يلتون السويق بالمني
من يشرب المني يحبل بصبي
ويقال: إن أصل ذلك أن رجلًا من ضبة يقال له: أبو سواج نزل في بني يربوع, وكانت معه امرأة, فاخلتف إليها صرد بن عمرو - وهو عم مالك بن نويرة - فاطلع الضبي على ذلك, وأمر عبدين أن يتراوحا أمةً بالجماع ويجعلا المني في قعب, فلما فعلا ذلك ملأ القعب لينًا ودس على صرد من يغره بذلك؛ فتمت عليه الحيلة فشربه؛ فنعت - أي رفعت - العرب عليه ذلك, فقال محرز بن المكعبر الضبي: [الطويل]
لقد كان في سقي المني أخاكم ... من العار ما ينهى صحيحًا وأعورا
فلو أن ما في بطنه بين نسوةٍ ... حبلن ولو كن القواعد عقرا
وقال الأخطل يخاطب جريرًا: [الوافر]
تعيب الخمر وهي شراب كسرى ... ويشرب قومك العجب العجيبا
مني العبد عبد أبي سواجٍ ... أحق من المدامة أن تعيبا
وقوله:
وارفق بنفسك إن خلقك ناقص ... واستر أباك فإن أصلك مظلم
(210/أ) ادعى أن حسب هذا المهجو مظلم, وقد سبق إلى هذا اللفظ لأن خفاف بن ندبة السلمي كانت أمه سوداء, وهو من غربان العرب, فقال: [المتقارب]
كلانا يسوده قومه ... على ذلك الحسب المظلم
وإنما أراد سواد اللون, وقد ادعى السؤدد مع إظلام الحسب. وإنما أراد الشاعر أن يهجو الرجل بكثرة مخازيه ويزعم أنها سود كالليل.
وقوله:
واحذر مناوأة الرجال فإنما ... تقوى على كمر العبيد وتقدم
المناوأة من قولهم: ناء بالشيء إذا نهض به وهي المعاداة؛ يريد أن كل واحد من العدوين ينهض لقتال صاحبه.
وقوله:
ومن البلية عذل من لا يرعوي ... عن جهله وخطاب من لا يفهم
الارعواء: الرجوع إلى الشيء. يقال: قد ارعوى فلان إلى الدين أي قد رجع إليه. وحكي عن أبي بكر الخياط النحوي, وكان - فيما قيل - يعرف مذهب البصريين والكوفيين, أنه قال: أقمت عشر سنين أسأل عن وزن ارعوى فلم أجد من يعرفه. وأصله عند النحويين: ارعو في وزن احمر, وأصل احمر. احمرر؛ فكأنهم [لما] لم يأت في كلامهم واوان مجتمعتان فروا إلى أن يجعلوا الواو الثانية في ارعو ألفًا فيقولون: ارعوى. ولو قيل: ابنوا من الغزو مثل افعل؛ لوجب أن يقال: اغزوى, والأصل: اغذو كما تقدم في ارعو.
وكذلك لو قيل: ابن من قضيت مثل افعل؛ لوجب أن تقول: اقضيا فتقلب الياء الآخرة ألفًا, ولا يجوز أن تحمله على قولك: قد حي فلان بالمكان أي حيي به. وقد عي بالمكان أي عيي به. قال عبيد بن الأبرص: [مجزوء الكامل]
عيوا بأمرهم كما ... عيت بييضتها الحمامه
جعلت لها عودينمن ... نشمٍ وآخر من ثمامه
وإنما جاء في هذا الباب هاتان اللفظتان وكلاهما على فعل بكسر العين, ولم يأت شيء على فعل فيشبه به اقضى وارعو. قال يزيد بن الحكم الكلابي: [الطويل]
جمعت وفحشًا غيبةً ونميمةً ... ثلاث خالٍ لست عنها بمرعو
وقد جاء في هذه القصيدة اسمان يجريان مجرى مرعوٍ, وهما: محجوٍ: في معنى متقبضٍ مجتمعٍ, ومدحوٍ: مأخوذ من الدحو, وهو البسط في قولهم: دحا الله الأرض؛ أي بسطها, قال: [الطويل]
ويدحو بك الداحي إلى كل سوأةٍ ... فيا شر مدحو ويا شر مدحو
أفحشًا وخبًا واختناءً عن الندى ... كأنك أجحى صخرةٍ فر مجحو
ويروى: محجو, والمعنى واحد. والاختناء: الاستحياء والانقماع, وأجحى صخرةٍ؛ أي ملتجئ إليها قريب منها. وفيها موضع ثالث: [الطويل]
جداك عن المولى ونصرك غائب ... وأنت له بالضر والغي مجدو
من الجدوى.
وقوله:
والذل يظهر في الذليل مودةً ... وأود منه - لمن يود - الأرقم
يقول: إذا أذللت الذليل أظهر لك مودةً لأنه يفزع منك. وضرب المودة مثلًا في المودة بالأرقم, والعرب تضرب بالحية المثل في الظلم؛ فيقولون: «هو أظلم من حيةٍ» , ويزعمون أن ظلمها أنها تجديء إلى حجر غيرها فتنحجر فيه. قال الراجز: [الرجز]
كأنما وجهك ظل من حجر ... وأنت كالأفعى التي لا تحتفر
تجيء جحر غيرها فتنجحر
فهذا الذي يذكرون في ظلم الحية. ولها مظالم كثيرة؛ لأنها تلدغ فتقتل من ليس بينها وبينه ذحل. قال المرار الفقعسي: [الطويل]
لعمرك إني لو أخاصم حيةً ... إلى فقعسٍ ما أنصفتني فقعس
وقوله:
ولمن أقمت على الهوان ببابه ... تدنو فيوجأ أخدعاك وتنهم
يقال: وجأه بالحديدة إذا ضربه بها, وكذلك وجأ الوتد بالحجر, ومنه الوجاء للتيس والكبش, وهو أن تشد بيضتاه حتى تندرا؛ وقيل: بل ترض بين حجرين. والأخدعان في العنق معروفان, ويقال: فلان شديد الأخدع إذا وصف بالقوة, ويقال: استقام أخدع فلانٍ ولان أخدعه إذا ذل بعد عز. قال الشاعر: [الكامل]
قد كنت أشوس في المقامة سادرًا ... فنظرت قصدي حين لان الأخدع
وقال الفرزذق: [الطويل]
وكنا إذا الجبار صعر خده ... ضربناه حتى تستقيم الأخادع
وتنهم: أي: تزجر, يقال: نهمت العنس إذا زجرتها. قال الراجز: [الرجز]
ألا أنمهماها إنها مناهيم ... وإنها مناجد متاهيم
وإنما ينهمها القوم الهيم
وقوله:
ولربما أطر القناة بفارسٍ ... وثنى فقومها بآخر منهم
يقال: أطر العود إذا حناه, وأطرت الرجل على ما كره إذا عطفته عليه. وفي الحديث: «حتى تأخذوا على يد الظالم وتأطروه على الحق أطراً». قال خفاف بن ندبة: [الطويل] (210/ب)
أقول له والرمح يأطر متنه ... تأمل خفافًا إنني أنا ذلكا
وقال آخر: [المنسرح]
ولوا وأرماحنا حقائبهم ... نكرهها فيهم وتنأطر
وقافيتها من المتدارك.









مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید