المنشورات

قد علم البين منا البين أجفانا ... تدمى وألف في ذا القلب أحزانا

وزنها من ثاني البسيط.
أراد: أن تدمى فحذف. وقد فعل هذا في مواضع كثيرة. وإذا أضمرت أن فهي والفعل في موضع مفعولٍ ثان لقوله: علم منا البين. يقول: لما بان أحبابنا علم نأيهم أجفاننا أن تتباين فلا تلتقي للرقاد.
وقوله:
ولو بدت لأتاهتهم فحجبها ... صون عقولهم من لحظها صانا
يقول: لو بدت هذه المرأة لأتاهت من ينظر إليها. وأتاهته من قولهم: تاه الرجل إذا تحير. يقال: تاه يتيه ويتوه فتيهه غيره وتوهه. وزعم أن الصون حجبها عن عيونهم فصان عقولهم من أن تذهب.
وقوله:
بالواخدات وحاديها وبي قمر ... يظل من وخدها في الخدر حشيانا
يكثر في كلام الناس: بي فلان وبأبي فلان. والمراد: المفدي بي فلان أو نحو ذلك. وقوله: قمر: خبر ابتداءٍ محذوفٍ, ولا يمتنع أن يكون المضر فعلًا لأنه قال: يفدى بالواخدات وحاديها قمر؛ فيكون قمر مرفوعًا لأنه لم يسم فاعله. وحشياناً؛ أي قد أصابه الربو.
وقوله:
أما الثياب فتعرى من محاسنه ... إذا نضاها ويكسى الحسن عريانا
يقول: هذا القمر إذا كانت عليه ثياب حسنت بذلك, فإذا نضاها عنه - أي نزعها - ذهب حسنها الذي أفادته منه. وإذا تعرى فهو مكسو بالحسن؛ أي لم يضره فقد ثيابه كما ضرها أن فقدته. ومن قال: يكسى بضم الياء فهو مصيب في ذلك لأنه قياس مطرد, ومن فتح الياء حلمه على قولهم: كسي يكسى, وذلك يفتقر إلى سماعٍ, وقد قالوا: كاسٍ أي ذو كسوةٍ. قال الحطيئة: [البسيط]
دع المكارم لا تنهض لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
وقوله: كاسٍ يراد به ذو كسوة, كما يقولون: تامر أي ذو تمرٍ, ولابن أي ذو لبنٍ, وكأنهم يستعملون هذا البناء في اسم الفاعل ولا يكادون ينطقون منه بالفعل.
وقوله:
يضمه المسك ضم المستهام به ... حتى يصير على الأعكان أعكانا
(225/أ) ادعى أن المسك يضم هذا القمر ضم من هو به هائم, فهو لا يفارقه وإن غسله بالماء, ويجتمع لأنه يتطيب في كل يوم فيصير على الأعكان أعكاناً من كثرته.
وقوله:
تهدي البوارق أخلاف المياه لكم ... وللمحب من التذكار نيرانا
يقول: البوارق تفعل فعلًا متضاداً فتهدي إليكم اخلاف المياه؛ والأخلاف: جمع خلفٍ وهو طرف الضرع استعاره للسحاب؛ فهي مع أنها تهدي لكم المياه تهدي إلى المحب من تذكاركم نيرانًا.
وقوله:
إذا قدمت على الأهوال شيعني ... قلب إذا شئت أن يسلاكم خانا
يقول: أنا أقدم على الأهوال التي كأنها غائبة عني, فأسافر إليها كما يسافر الغائب إلى أهله. وشيعني؛ أي قواني فكان لي مشايعاً على ما أريد, ومن ذلك قولهم للشجاع: مشيع؛ أي كأنه قد قوي على الشجاعة بغيره, ومن ذلك قيل: شيعت النار؛ أي شددت وقودها. ويسلاكم في معنى يسلوكم. قال رؤبة: [الرجز]
لو أشرب السلوان ما سليت
وقوله:
لا أشرئب إلى ما لم يفت طمعاً ... ولا أبيت على ما فات حسرانا
يقال: اشرأب إلى الشيء إذا تشوف إليه وظهرت فيه إرادته. وسيبويه يذهب إلى أن هذه الهمزة أصلية وهي تزاد في هذا الموضع كثيراً؛ كقولهم: اطمأن, وازبأر إذا تهيأ للقتال, اسمأل الظل إذا قصر, واشمأز من الشيء إذا تقبض منه. وكثرتها في هذه الأماكن تشهد لها بالزيادة؛ لا سيما والعرب إذا اضطرت هزمت: أفعأل, فقالت: احمأر واسوأد. قال الشاعر: [الكامل]
حش الولائد بالوقود جنوبها ... حتى اسوأد من الصلا صفحاتها
والاشتقاق يدل على أن اشرأب مأخوذمن شرب ويكون أصله: اشراب في وزن احمار, ثم همز كراهة التقاء الساكنين؛ كأنه أراد الشراب لأنه ظمآن فاشرأب إليه, ثم استعمل ذلك في غير الظمأ. قال ذو الرمة: [الطويل]
ذكرتك أنمرت بنا أم شادن ... أمام المطايا تشرئب وتسنح
وقوله:
ولا أسر بما غيري الحميد به ... ولو حملت إلي الدهر ملآنا
في هذا البيت عجائب منها: أنه نفى السرور عن نفسه ولو حمل إليه الدهر وهو مملوء بالخير, والدهر لا يحمل ولا يمكن ملؤه.
وقوله:
لو استطعت ركبت الناس كلهم ... إلى سعيد بن عبد الله بعرانا
قد عاب الصاحب بن عبادٍ رحمه الله هذه اللفظة على أبي الطيب, وله محاسن معفية على هذه اللفظة وغيرها.
وبعران: جمع بعيرٍ, مثل: رغفانٍ ورغيفٍ. والبعير يقع على الذكر والأنثى, وشبهوه بقولهم: إنسان تقع على الرجل والمرأة؛ إلا أنهم قد قالوا: إنسانة ولم يقولوا: بعيرة للأنثى.
قال الشاعر: [الرجز]
إنسانة تسقيك من إنسانها ... خمرًا حلالًا مقلتاها عنبه
وحكى الأصمعي أنه سمع رجلًا يقول: صرعتني بعير لي؛ يعني ناقة, وينشد: [الكامل]
لا تشربي لبن البعير وعندنا ... حلب الزجاجة واكف المعصار
وقوله:
فالعيس أعقل من قومٍ رأيتهم ... عما تراه من الإحسان عميانا
لما ذكر الإبل في البيت الأول شفعه بتفضيل العيس على قوم يراهم عما يفعله هذا الممدوح عميانًا لا يهتدون إليه. وأفعل إذا كان وصفاً فبابه أن يجمع على فعلٍ, مثل: أحمر وحمرٍ, وأصفر وصفرٍ, وأعمى وعميٍ, وبذلك جاء التنزيل لقوله تعالى: {صم بكم عمي}. والذين قالوا عند الضرورة: ورق في جمع أورق, وحمر في جمع أحرم, لا يفعلون ذلك في معنى عميٍ؛ لأنهم يتركون المعتل على حاله لمكان العلة, والحرف الصحيح أحمل لها من العليل, وربما قالوا: أحمر وحمران, وأصفر وصفران فجمعوه على فعلانٍ. وقالوا: قوم فرعان يريدون جمع أفرع (225/ب) وهو الكثير الشعر, قال الشاعر: [الوافر]
أحب لحبها السودان حتى ... أحب لحبها سود الكلاب
وقوله:
ذاك الجواد وإن قل الجواد له ... ذاك الشجاع وإن لم يرض أقرانا
يقول: ذاك الجواد؛ يصفه بهذه الصفة وهو أشرف من ذلك وأجل لأنه يرتفع أن يوصف بما يوصف به غيره, وهو الشجاع وليس في العالم من يرضاه قرنًا له في الحرب.
وقوله:
ذاك المعد الذي تقنو يداه لنا ... فلو أصيب بشيء منه عزانا
المعد: الذي جعل الأشياء عدةً للعافين, فهو يقنو المال ليعطيه من يسأله, فلو أصيب بشيء منه لعزى العافين به؛ لأنه لم يذهب منه, وإنما ذهب من أيديهم. وقوله: عزانا؛ أي صلح أن يعزينا, إلا أنه لم ينطق بعزائهم؛ وهذا مثل قولك إذا رأيت الرجل قد وقع في شدة: هلك فلان, وهو لم يهلك بعد؛ وإنما يريد أنه قارب الهلكة.
وقوله:
خف الزمان على أطراف أنمله ... حتى توهمن للأزمان أزمانا
ادعى للمدوح أنه يجعل الزمان على أطراف أنامله ويكون خفيفًا عليهن حتى كأنهن أزمان للأزمان؛ وهذه مبالغة مسرفة لأن أقل جزءٍ من الزمن يشتمل على كل المدركات, وإذا احتوى عليه شيء فقد أتى بالمعجز من الأشياء.
وقوله:
وتسحب الحبر القينات رافلةً ... في جوده وتجر الخيل أرسانا
وصفه بالجودعلى كل الخلق وأن الحبر تجره القينات - أي الإماء - وإنما هو من عطاياه. وجعل الخيل تسحب أرسانها في ملكه؛ فيجوز أن يعني بذلك أنها تترك وشأنها فلا ترتبط فهي تسحب الأرسان لذلك. وهذا الوجه أبلغ من أن يصفها بطول الأرسان المانعة لها من التصرف.
وقوله:
جزت بني الحسن الحسنى فإنهم ... في قومهم مثلهم في الغر عدنانا
كان هذا الممدوح ينتسب إلى الحسن بن علي عليه السلام. يقول: جزتهم الحسنى فإنهم أشراف في قومهم. والهاء في مثلهم راجعة على القوم. يخبر أنهم أشراف قومهم, وأن قومهم أشراف بني عدنان. واشتقاق عدنان من عدن بالمكان إذا أقام به.
وقوله:
ما شيد الله من مجد لسالفهم ... إلا ونحن نراه فيهم الآنا
ما شيد الله؛ أي ما رفع. يقول: ما رفع الله من مجدٍ لسالف هؤلاء القوم فبلغنا بالسماع إلا ونحن نشاهده عيانًا فيهما لآن. والآن: كلمة شاذة لأنها تبنى على الفتح, وفيها الألف واللام, والنحويون يقولون: الآن حد الزمانين. وبيت أبي صخر ينشد بالفتح: [الطويل]
كأنهما م الآن لم يتغيرا ... وقد مر بالدارين من بعدنا عصر
وأحسن ما يقال في الآن: إنها ألف ولام دخلت على فعلٍ ماضٍ من قولك: آن الشيء يئين إذا حان. وكان المعنى معنى الذي, فحذفت لكثرة الاستعمال, وإذا قلت: الآن كان كذا وكذا, وقد جاء الاستغناء بالألف واللام عن الذي, وينشد للفرزدق: [البسيط]
ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... ولا البليغ ولا ذي الرأي والرشد
أراد: الذي ترضى. وكذلك قول الآخر: [الوافر]
بل القوم الرسول الله منهم ... هم أهل الحكومة من قصي
يريدون: الذي رسول الله منهم. وينشد هذا البيت: [الطويل]
ويستخرج اليربوع من نافقائه ... ومن جحره ذي الشيحة اليتقصع
أي الذي يتقصع - وكان محمد بن يزيد ينكر هذه الأشياء - أي يدخل في قاصعائه وهي جحرة اليربوع, وكذلك قوله: [الطويل]
أيبغضه وأبغض العجم ناطقًا ... إلى ربه صوت الحمار اليجدع
يريد الذي يجدع؛ أي يقال له: جدع الله أنفه.
وقوله:
كأن ألسنهم في النطق قد جعلت ... على رماحهم في الطعن خرصانا
الخرصان: جمع خرصٍ وخرصٍ وهو ها هنا السنان, وقيل: هو النصف الأعلى منه. ويقال للرمح: خرص (226/أ) وكأنهم يسمون بهذا الاسم كل عودٍ طويلٍ. ويقال لعيدان تكون مع مشتار العسل: أخراص. قال ساعدة بن جؤية: [الطويل]
قليل تلاد المال إلا مسائباً ... وأخراصه يرجو بها ويقيمها
والمسائق: زقاق العسل واحدها مسأب. وقال الراجز في أن الرمح يقال له: خرص: [الرجز]
يعض منها الظلف الدويا ... عض الثقاف الخرص الملويا
ويروى: الخطيا. والظلف: أسافل خشب الرحل. والدوي: جمع دايةٍ؛ يقال ذلك لفقار الظهر, وربما استعمل في الصدر وعظامه.
يقول الشاعر: كأن ألسنهم لحدتها ومضائها في المقال جعلت على رماحهم أسنةً. وهذه مبالغة في وصف الأسنة, وهو أشبه من تشبيههم اللسان بالسيف لأن السنان أقرب منه إلى شبه اللسان إذ كان يقاربه في الصغر. وقد قال الوليد بن عبيد: [الكامل]
ما كان قلبك في سواد جوانحي ... فأكون ثم ولا لساني في يدي
وهذا المعنى مثل قول الآخر: [البسيط]
عني إليك فقد كلفتني شططاً ... حمل السلاح وقول الدارعين: قف
أمن رجال المنايا خلتني رجلاً ... أمسي وأصبح مشتاقاً إلى التلف
تعدو المنايا على قومٍ فأكرهها ... فكيف أغدو إليها عاري الكتف
ظننت أن نفاد المال غيرني ... وأن قلبي في جنبي أبي دلف
وقوله:
كأنهم يردن الموت من ظمأٍ ... أو ينشقون من الخطي ريحانا
يقول: هؤلاء القوم كأنهم ظماء إلى الموت, فكأنه ماء, وينشقون الخطي كأنه ريحان. وكل نبتٍ طابت رائحته يقع عليه هذا الاسم؛ فيقال لورق الزرع الأخضر: ريحان لخضرته, وقد سموا رزق الله سبحانه ريحاناً, وكذلك فسروا قول النمر: [المتقارب]
سلام الإله وريحانه ... ورحمته وغيوث درر
وقد سمى بعض العرب الكمأة ريحاناً, قال الراجز: [الرجز]
يغنيك عن سوداء واعتجانها ... وكرك الطرف إلى تبانها
سوداء لو يوضع في ميزانها ... رطل حديدٍ مال من رجحانها
تلك من الدنيا ومن ريحانها
وقوله:
خلائق لو حواها الزنج لانقلبوا ... ظمي الشفاه جعاد الشعر غرانا
يقول: هؤلاء القوم لهم خلائق بيض لو حواها الزنج لتغيرت حالهم فصاروا ظمي الشفاه جمع: أظمى وظمياء, والظما في الشفة قلة لحمها, ويجوز أن يكون مع ذلك سمرة تستحسن؛ لأنهم يقولون للرمح: أسمر وأظمى إذا وصفوه بالسمرة وغلظ الشفة وكثرة لحمها. والزنج توصف بعظم الشفاه حتى تشبه شفاهم بمشافر الإبل. قال الفرزدق: [الطويل]
فلو كنت ضبياً عرفت قرابتي ... ولكن زنجياً غليظ المشافر
وقال أعرابي يخاطب أمةً له: [الرجز]
قد كنت حذرتك لقط العصفر ... بالليل حتى تصبحي وتبصري
فإذا فعلت ما فعلت فاصبري ... إني زعيم لك أن تزحري
بوافر الجبهة عبل المشفر
وإن كانت الجعودة من صفات الزنج فإن الشاعر أراد أنهم يجمعون بين الصفتين؛ فتكون فيهم الصفة الزنجية والصفة التي للعرب البيض الوجوه. والغران: جمع أغر, وإنما يريد أنهم بيض الوجوه وجميع الأجساد. قال امرؤ القيس: [الطويل]
ثياب بني عوفٍ طهارى نقية ... وأوجههم بيض المسافر غران
وقوله:
وأنفس يلمعيات تحبهم ... لها اضطراراً ولو أقصوك شنآنا
وصف الأنفس باليلمعيات, يقال: رجل يلمعي وألمعي إذا كان يظن الشيء فيصح ظنه, وقد مضى فيما تقدم. يقول: لهم أنفس نفيسة وأخلاق تلزمك أن تحبهم, ولو أقصوك لبغضهم إياك. (226/ب) ونصب شنآناً لأنه مفعول له ومن أجله, ويجوز أن يقال: هو منصوب على المصدر؛ لأن أقصوك يؤدي معنى شنؤك, ولا يمتنع أن يقال: هو نصب على التمييز. والشنئان ها هنا مصدر شنآن, وفعلان في المصادر قليل, وإنما حكوا فيه: لويت لياناً في معنى مطلت. قال ذو الرمة: [الطويل]
تطيلين لياناً وأنت ملية ... وأحسن يا ذات الوشاح التقاضيا
وذهب بعض الناس إلى أن أصله كسر اللام ففتح أوله لأجل الياء, والآية تقرأ على وجهين: {ولا يجرمنكم شنئآن قوم} و {شنئان قوم} , فالذين ينكرون فعلان في المصادر يقولون: شنآن في الآية وصف لرجل كأنه أراد رجل مبغض من قومٍ. ومما يدل على أن شنئان مصدر قولهم: الشنان في معنى الشنآن: ألقوا حركة الهمزة على النون وحذفوها, ومن ذلك قول الأحوص: [الطويل]
وما العيش إلا أن تلذ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشنان وفندا
وقوله:
الواضحين أبواتٍ وأجبنةً ... ووالدتٍ وألباباً وأذهانا
وصفهم بالوضوح, ثم ذكر أشياء مفسراتٍ لما وضح من هؤلاء القوم, فقال: أبواتٍ وهي جمع أبوةٍ, وأجبنةً يعني جمع جبين الإنسان. والشعراء يقولون: فلان وضاح الجبين إذا وصفوه ببياض الوجه. قال الشاعر: [الوافر]
صبحنا من بني أسدٍ حلولًا ... بكل أشم وضاح الجبين
وأجبنة: جمع لا يكاد يسمع؛ إلا أنه على القياس مستمر كقولك: رغيف ورغف وأرغفة, وقد حكي: أجبن في جمع جبين وهو شاذ. والأذهان: جمع ذهن وهو فطنة الإنسان وذكاؤه, وربما استعمل الذهن في معنى القوة.
وقوله:
يا صائد الجحفل المرهوب جانبه ... إن الليوث تصيد الناس أحدانا
وصف الممدوح بأنه يصيد الجحفل؛ وإنما توصف الأسد بأنها تصيد الأحدان. قال الشاعر في صفة لبؤةٍ: [الطويل]
تصيد أحدان الرجال وإن تصب ... جماعتهم تفرح بذاك وتزدد
وقوله:
وواهباً كل وقتٍ وقت نائله ... وإنما يهب الوهاب أحيانا
زعم أنه ليس لجوده وقت محدود؛ بل يجود في كل الأوقات. والإنسان إنما يجود حيناً بعد حينٍ. وجاء في الكتاب العزيز تفضيل الشجرة المباركة التي تؤتي أكلها كل حينٍ بإذن ربها, والشجر ليس كذلك؛ إنما يؤتي أكله في بعض الأحيان.
وقوله:
أنت الذي سبك الأموال مكرمةً ... ثم اتخذت لها السؤال خزانا
يقول: إن الممدوح سبك الأموال مكارم, وهذا على معنى الاستعارة, ولما فعل بالأموال كذلك جعل خزانها السؤال. يقال: خزن الرجل ماله إذا حفظه, وخزن له الخازن إذا حفظ عليه, ثم استعيرت هذه الكلمة في صيانة اللسان. وجاء في الحديث: «رحم الله امرءاً خزن من لسانه». وقال امرؤ القيس: [الطويل]
إذا المرء لم يخزن عليه لسانه ... فليس على شيءٍ سواه بخزان
وقيل للشيء الصغير من الآنية كالمكحلة وما جرى مجراها: مخزنة؛ فكسرت الميم لأنها تنتقل. وإذا كان الشيء كبيراً قيل لموضعه: المخزن والخزانة.
وقوله:
عليك منك إذا أخليت مرتقب ... لم تأت في السر ما لم تأت إعلانا
ومن الكلام القديم: «أفضل الناس من سره كعلانيته» , وقد وصف هذا الممدوح بهذه الصفة. ويقال: (227/أ) أخلى الرجل إذا صادف موضعاً خالياً من الناس. قال الشاعر: [الطويل]
أتيت مع الحداث ليلى فلم أبن ... وأخليت فاستعجمت عند خلائي
والقافية من المتواتر.












مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید