المنشورات

الحب ما منع الكلام الألسنا ... وألذ شكوى عاشقٍ ما أعلنا

الوزن من أول الكامل.
الألسن: جمع لسانٍ إذا كان مؤنثًا, فإذا كان مذكرًا فجمعه ألسنة. أثبت في المصراع الأول أن الحب هو الذي يمنع الألسن من الكلام. ومنعه إياها يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون يبلغ بالمحب إلى حال لا يستطيع معها الكلام.
والآخر: أن المحب يجب عليه كتمان ما هو فيه؛ لأن ذلك أجمل بمن يحب, وهذا الوجه أشبه من الأول؛ لأن بقية البيت دال عليه وهو قوله: وألذ شكوى عاشقٍ ما يعلنه, فهو ضد لما يجب عليه أن يفعله وهو الكتمان.
وقوله:
بنا ولو حليتنا لم تدر ما ... ألواننا مما امتقعن تلونا
أقل قولهم: حليت الرجل إذا وصفت ما هو عليه من خلقةٍ, وذلك مأخوذ من حلي المرأة وحلية السرج ونحوهما؛ وإنما يرادبه التحسين, ثم كثرت الكلمة حتى قالوا: حليت الرجل إذا وصفت خلقته وإن لم تكن حسنةً. ويجوز أن تكون الكلمة مولدةً ليست بالقديمة. ويقال: امتقع لون الرجل وانتفع واهتفع والتمع وانتشف إذا تغير. ويقال: تلون الشيء إذا اختلفت ألوانه. وقوله: تلوناً يجوز أن يقال: هو منصوب على التفسير, وعلى المصدر, وعلى أنه مفعول له, ومن أجله, وأن يكون قولهم: جاء الرجل مشياً ينتصب فيه المشي على الحال جاز أن يقول ذلك في تلون.
وقوله:
وتوقدت أنفاسنا حتى لقد ... أشفقت تحترق العواذل بيننا
أراد: أشفقت أن تحترق وحذف أن. وأن وما بعدها في موضع نصبٍ؛ فإن جعل الكلام تاماً عند قوله: أشفقت جاز أن ينصب قوله: أن تحترق على معنى المفعول من أجله, وإن جعل الكلام غير تام بقوله: أشفقت؛ فالمعنى معنى: من, كأنه قال: أشفقت من أن تحترق.
فلما حذف من وصل الفعل فعمل كما عمل بعد حذف الخافض في قوله: أمرتك الخير؛ أي أمرتك بالخير.
وقوله:
أفدي المودعة التي أتبعتها ... نظراً فرادى بين زفراتٍ ثنا
فرادى: أصله أن يكون جمع فريدٍ, وفي الكتاب العزيز: {ولقد جئتمونا فرادى}. وفعالى إنما يكثر في جمع فعلان, مثل: سكران وسكارى, وغيران وغيارى. ويجوز أن يكونوا حملوا فريداً على أنه يحتمل أن يقال فيه: فردان أي منفرد, وإنما جاز أن يقول: نظراً فرادى؛ لأن النظر قد يتسع حتى يشتمل على نظراتٍ كثيرةٍ, فلذلك حسن أن يوصف بالجمع. فإذ قلت: جاءني فلان فرادى لم يحسن أن تصف واحداً بجمعٍ. وسكن فاء زفراتٍ والوجه فتحها, وقد تردد مثل ذلك في ديوانه كثيراً.
وأراد الثناء فقصر, وذلك جائز في حشو البيت وفي قافيته, وقصر الممدود في القافية أسهل؛ لأنها في موضع حذفٍ يجوز فيه ما لا يجوز في غيره.
وقوله:
أنكرت طارقة الحوادث مرةً ... ثم اعترفت بها فصارت ديدنا
(227/ب) أكثر ما يستعمل الطروق بالليل, وقد حكي أنه يستعمل للنهار؛ إلا أن الليل أغلب عليه, وبذلك قالوا للنجم: طارق. وقال ابن أبي ربيعة: [الطويل]
وباتت قلوصي بالعراء ورحلها ... لطارق ليلٍ أو لمن جاء معور
ويدل على أن الطروق جائز أن يستعمل بالنهار أن اشتقاقه من الطريق؛ فيقال: طرق القوم أي جعلهم طريقًا له.
وقوله:
وقطعت في الدنيا الفلا وركائبي ... فيها ووقتي الضحى والموهنا
يقول: قطعت الفلا أي جاوزتها, وقطعت ركائبي أي جعلتها أنضاء لا تقدر على السير. والضحى مؤنثة, وقالوا في تصغيرها: ضحي فلم يدخلوا الهاء لأنهم خشوا أن يلتبس بتصغير ضخوةٍ. والموهن: الطائفة من الليل.
وقوله:
فوقفت منها حيث أوقفني الندى ... وبلغت من بدر عمار المنى
يقال: وقف الرجل. واختلفوا في: وقفت الدابة, فأجاز قوم أوقفتها بالهمز, ولم يجز آخرون وأجمعوا على قولهم: وقفت الدابة. وسمي السوار إذا كان من ذبلٍ: وقفًا؛ لأنه يقف في موضعه. وحذف التنوين من عمارٍ, وذلك جائز, وقد مر مثله.
وقوله:
لأبي الحسين جدى يضيق وعاؤه ... عنه ولو كان الوعاء الأزمنا
الجدى: العطاء, والوعاء: ما يوعى فيه الشيء, وهذيل يهمزون الواو فيقولون: الإعاء.
قال الهذلي: [الوافر]
فلا والله لا ينجو نجائي ... غداة لقيتهم بعض الرجال
هواء مثل بعلك مستميت ... على ما في إعائك كالخيال
كان أبو عمر الجرمي يزعم أن قلب الواو همزةً في أول الاسم يؤخذ بالسماع, وكان أبو عثمان المازني يجعله قياساً مستمراً.
وقوله:
وشجاعة أغناه عنها ذكرها ... ونهى الجبان حديثها أن يجبنا
يقول: قد صار الناس يهابون هذا الممدوح حتى قد غني عن الشجاعة لأنه لا يطمع في قتاله, وإذا سمع الجبان حديث شجاعته نهاه ذلك عن الجبن. وحكي: جبن الرجل وجبن, ولم يعرف جابن. وإن صح قولهم: جبن وجب أن يجيء اسم الفاعل على هذا النحو, كما قالوا: ضارب وداخل.
وقوله:
نيطت حمائله بعاتق محربٍ ... ما كر قط وهل يكر وما انثنى
الحمائل: ما يقع على عاتق الرجل من نجاد السيف, سميت بذلك لأن متقلد السيف يحملها. ويجوز أن تكون سميت حمائل لأنها تحمل السيف, أو لأن السيف يحملها. قال الشاعر: [الطويل]
غالم إذا أبصرت عاتق ثوبه ... رأيت عليه شاهدًا للحمائل
والمحرب: مفعل من الحرب. وقوله: ما كر قط: نفى عنه ذلك لأن الكر إنما يكون بعد الانصراف. يقول: إذا لقي الأعداء لم ينثن عنهم حتى يأتي عليهم بقتلٍ أو هزيمة.
وقوله:
فكأنه والطعن من قدامه ... متخوف من خلفه أن يطعنا
هذا المعنى قد سبق إليه الطائي في قوله: [البسيط]
كأن لدن القنى (الفتى) يقفوك منهزمًا ... إذا تيممت أطراف القنا اللدن
وقوله:
نفت التوهم عنه حدة ذهنه ... فقضى على غيب الأمور تيقنا
يقول: هذا الرجل لا يتوهم كتوهم الناس؛ لأن التوهم إنما يكون في قلة الفطنة؛ ولو اقتصر على النصف الأول لجاز أن يكون ذلك؛ إذ كان التوهم قد يقع في شيءٍ شوهد وعلمت حقيقته ثم حدث الشك فيه. وجاء أبو الطيب في النصف الثاني بما لا يقدر عليه الإنسان, وهو قوله: فقضى على غيب الأمور تيقنا
وقوله: (228/أ)
يتفزع الجبار من بغتاته ... فيظل في خلواته متكفنا
البغتات: جمع بغتةٍ. يقال: إذا فاجأه, والجبار: العظيم الشأن المتكبر.
يزعم أنه يتكفن لأنه لا يأمن الموت أن يأتيه من قبل الرجل المدوح. ومما هو ضدهذا الغرض قول مسلم بن الوليد: [البسيط]
تراه في الأمن في درعٍ مضاعفةٍ ... لا يأمن الدهر أن يؤتى على عجل
وقوله:
أمضى إرادته فسوف له قد ... واستقرب الأقصى فثم له هنا
سوف: تقع على الفعل المستقبل فتقول: سوف يفعل وسوف أفعل. ويقال: رجل مسوف إذا وعد الشيء ولم ينجز له كأنه يقال له: سوف يكون كذا. وقد: أكثر ما تدخل على الفعل الماضي فلذلك ذكرها مع سوف, وإذا دخلت قد على الفعل المضارع دلت على معنى رب, كما قال القطامي: (البسيط)
قد يدرك المتأنى بعد حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل
وقال قوم: ليست تدل في الفعل المستقبل على رب؛ لأن المتأني قد يدرك مآربه كثيرًا, وكذلك المستعجل يتعذر عليه ما يلتمس, ومنه قول البعيث: [الطويل]
قد ينعش الله الفتى بعد عثرةٍ ... وقد يجمع الله الشتيت من الشمل
أراد: الشمل. والله سبحانه يكثر نعشه للناس وجمعه للشمل الشتيت. وثم: كلمة تقع على ما بعد من المواضع, وهنا: تقع على ما قرب.
وقوله:
يجد الحديد على بضاضة جلده ... ثوبًا أخف من الحرير وألينا
يقول: هذا الممدوح إذا لبس الدرع فهو أخف عليه من الحرير وألين منه. والبضاضة: رقة الجلد ونعمته مع بياضٍ. وقال قوم: بل يقال للأسود: بض إذا كان ناعم الجسد. وقيل: إنما يقال رجل بض أي كأن الماء يبض من جسده لسمنه ونعمته, أخذ من: بض الحجر بالماء إذا خرج قليلًا قليلًا. قال أبو زبيد: [الكامل]
يا عثم أدركني فإن ركيتي ... صلدت فأعيت أن تبض بمائها
صلدت أي: صلبت.
وقوله:
وأمر من فقد الأحبة عنده ... فقد السيوف الفاقدات الأجفنا
في البيت تقديم وتأخير. وأمر: مرفوع لأن خبر ابتداءٍ, والتقدير: وفقد السيوف الفاقدات الأجفنا أمر عنده من فقد الأحبة؛ يصفه بإلف الحرب وأنه يؤثر السيوف على أحبابه من الإنس. وقد ادعى أبو الطيب هذا لنفسه في قوله: [البسيط]
لولا العلى لم تجب بي ما أجوب بها ... وجناء حرف ولا جرداء قيدود
وكان أطيب من سيفي مضاجعةً ... أشباه رونقه الغيد الأماليد
وقوله:
لا يستكن الرعب بين ضلوعه ... يومًا ولا الإحسان ألا يحسنا
يستكن: أي يستتر, وكل ما خفي فقد استكن. قال زهير: [الطويل]
وكان طوى كشحًا على مستكنةٍ ... فلا هو أبداها ولم يتقدم
فقيل: المستكنة الحاجة التي عزم عليها, وهذا الوجه هو الصحيح. وقيل: المستكنة قرحة تنبت في الجنب؛ فيجوز أن يكون شبه الحقد الذثي معه بالقرحة التي تؤدي إلى الهلاك. يقول: لا يدخل الرعب جسد هذا المذكور, وكذلك الإحسان لا يستكن في نيته لأنه يظهره فيغنيه عن الإخفاء.
وقوله:
مستنبط من علمه ما في غدٍ ... فكأن ما سيكون فيه دونا
استنبط الشيء إذا استخرجه. يقال: استنبط الماء إذا أخرجه من البئر بالحفر, وكذلك أنبطه, ويقال للماء المستخرج: نبط. يقول: يستنبط من علمه ما يكون في غدٍ فكأن ما لم يكن بعد قد دون فيه؛ أي في علمه. ودون: مشتق من الديوان الذي تثبت فيه الأشياء, وليس بعربي, وقد تكلموا به قديمًا. قال الراجز (228/ب): [الرجز]
إن لسلمى عندنا ديوانا ... أخز فلانًا وابنه فلانا
وقال آخر: [الوافر]
عداني أن أزورك أم عمرو ... دياوين تشقق بالمداد
وقوله:
تتقاصر الأفهام عن إدراكه ... مثل الذي الأفلاك فيه والدنا
الهاء في إدراكه راجعة إلى علم الممدوح. يقول: تتقاصر الأفهام عن إدراكه مثل تقاصرها عن علم ما الأفلاك فيه. والدنا: جمع دنيا, وكذلك تجمع الفعلى إذا كانت أنثى الأفعل. تقول: الأصغر والأكبر مثلما تقول في التأنيث: الصغرى والكبرى, وإذا جمعت قلت: الصغر, وكذلك: الكبرى والكبر.
وقوله:
من ليس من قتلاه من طلقائه ... من ليس ممن دان ممن حينا
النصف الأول مكتفٍ. والطلقاء: جمع طليق, وهو الأسير الذي يطلق من القد, أو يكون الإنسان قادرًا على عقوبته فلا يفعل به إلاخيرًا. وكان المسلمون يسمون الذين أقاموا بعد فتح مكة: الطلقاء؛ لأن النبي صلى الله عليه أطلقهم لما قفل.
وقوله:
لما قفلت من السواحل نحونا ... قفلت إليها وحشة من عندنا
يقال للجيش إذا رجع إلى أوطانه: قفل, وكذلك للغائب إذا آب إلى أهله. يقول: لما قفلت من السواحل كانت عندنا وحشة لك فرحلت إلى حيث كانت.
وقوله:
أرج الطريق فما مررت بموضعٍ ... إلا أقام به الشذى مستوطنا
أرج: أي طابت رائحته, أي إذا مررت بموضع صارت له ريا ذكية. والشذى: رائحة العود الذي يتبخر به. مستوطنًا: أي قد جعله وطنه.
وقوله:
سلكت تماثيل القباب الجن من ... شوقٍ بها فأدرن فيك الأعينا
التماثيل: جمع تمثالٍ, وهذا المثال للأسماء دون المصادر, يقال في واحد التماثيل: تمثال, قال امرؤ القيس: [الطويل]
ألا رب يومٍ قد لهوت وليلةٍ ... بآنسةٍ كأنها خط تمثال
وقال عبدة بن الطبيب: [البسيط]
فيه الدجاج وفيه الأسد مخدرةً ... من كل شيء يرى فيه تماثيل
وقال قوم: قد جاء مصدران على تفعالٍ, وهما: التلقاء والتبيان. يقول: سلكت الجن تماثيل القباب إليك, وإنما فعلت ذلك لأن عادتها جرت بأن لا تظهر للإنس.
وقوله:
طربت مراكبنا فخلنا أنها ... لولا حياء عاقها رقصت بنا
المراكب: جمع مركبٍ وهو الذي يوضع على ظهر الدابة لتركب, ويجوز أن تسمى الدابة مركبًا, وكون المركب في معنى السرج أبلغ في هذا الموضع؛ لأن الدابة حيوان فهي أقرب إلى الرقص من الذي يركب فيه.
وقوله:
عقدت سنابكها عليها عثيرًا ... لو تبتغي عنقًا عليه أمكنا
العثير: الغبار. يقول: هذه الخيل قد أثارت غبارًا انعقد؛ فلو ابتغت العنق عليه لأمكنها ذلك, وهذا نحو من قوله: [الوافر]
عجاج تعثر العقبان فيه ... كأن الجو وعث أو خبار
وقوله:
فعجبت حتى ما عجبت من الظبى ... ورأيت حتى ما رأيت من السنا
يقول: عجبت حتى لم يبق لي عجب إلا رأيته, ورأيت السنا حتى منعني نوره من الإبصار فلم أره.
وقوله:
فطن الفؤاد لما أتيت على النوى ... ولما تركت مخافةً أن تفطنا
يقول: إن أراك عسكرًا في عسكرٍ؛ أي كأنك وحدك جماعة كثيرة. ووصفه بالفطنة, وزعم أنه يفطن لما يفعله الشاعر, ولما لم يفعله مخافة أن يعلم به. يقول: إن كنت أتيت شيئًا وأنت غائب فأنت عالم به.
(229/أ) فكأنه يقول: لم أزل أثني عليك في غيبتك وحضورك وأنت عالم بذلك. وقوله: ولما تركت مخافةً أن تفطنا؛ كأنه أراد ذم قومٍ فترك ذمهم لأنه خشي أن يفطن بذلك الممدوح فيكرهه.
وقوله:
أشحى فراقك لي عليه عقوبةً ... ليس الذي قاسيت منه هينا
الهاء في عليه عائدة على ما ذكره مخافة أن يفطن الممدوح؛ أي فراقك أمسى كالعقوبة على ما تركته. والهاء في منه عائدة على الفراق.
والمقاساة: الممارسة للشيء بمشقة وصعوبة, وهي من قولهم: فلان قاسي القلب؛ إذا كان غليظًا لا رحمة له.
وقوله:
فاغفر فدى لك واحبني من بعدها ... لتخصني بعطيةٍ منها أنا
إذا رويت: فدى فالمعنى فدى لك أنا, وأنا فدى لك. ويروى: فاغفر ذنوبي - وهو أبين - واحبني من بعدها. إذا رويت: ذنوبي, فالهاء عائدة على الذنوب, وإذا رويت: فدى لك, فالهاء عائدة على الجناية والزلة, ويجوز أن تعود إلى العقوبة التي في البيت المتقدم. وقوله: لتخصني بعطيةٍ منها أنا؛ أي إذا غفرت ذنوبي فكأنك قد وهبت لي نفسي لأنك لم تقتلني.
وقوله:
وانه المشير عليك في بضلةٍ ... فالحر ممتحن بأولاد الزنا
الزنا: يمد ويقصر, وهو في الكتاب العزيز مقصور, وإذا مد جاز أن يكون من: زانى الرجل المرأة زناءً. قال الشاعر: [الطويل]
أبا حاضرٍ من يزن يعرف زناؤه ... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا
ويقال: مشورة ومشورة, فالمشورة, مثل: المثوبة في الوزن والمعونة وعينها معتلة, فإذا قيل: المشورة فهي اسم غير جارٍ على الفعل؛ فلذلك صحت الواو. والضلة: الفعلة من الضلال الذي هو ضد الهدى.
وقوله:
وإذا الفتى طرح الكلام معرضًا ... في مجلسٍ أخذ الكلام اللذعنا
يقال: إن اللذعن الكلام البين الذي ليس فيه مواراة, وهذه الكلمة في كتاب العين لم تأت في شعرٍ فصيح قديمٍ إلا أن تكون شاذة. وقالوا: أراد باللذعن؛ أي: الذي عنا فسكن ذال الذي وحذف الياء.
وقوله:
ومكائد السفهاء واقعة بهم ... وعداوة الشعراء بئس المقتنى
المكائد: جمع مكيدةٍ من قولهم: كاد الرجل غيره إذا أراد شرًا يخفيه, وتسمى الحرب: كيدًا. يقول: من أراد كيدًا يبرئ من الذنوب وقع فيما كاد. قال الراجز: [الرجز]
إني حفرت حفرةً أخفيها ... حفرة سوءٍ فوقعت فيها
وتهدد الذين كادوه, وزعم أن عداوة الشعراء بئس ما اقتناه الإنسان؛ وقد سبق غيره إلى مثل هذا المعنى وهو ابن الرومي, فقال: [الكامل]
لا تقبلن الشعر ثم تعقه ... وتنام والشعراء غير نيام
فجناية الجاني عليهم تنقضي ... وعقابهم باقٍ على الأيام
وقوله:
لعنت مقارنة اللئيم فإنها ... ضيف يجر من الندامة ضيفنا
الضيفن: ضيف الضيف, فإذا أخذ من الضيافة فوزنه فعلن والنون زائدة. قال الشاعر: [الطويل]
إذا جاء ضيف جاء للضيف ضيفن ... فأودى بما تقري الضيوف الضيافن
وقال قوم: الضيفن مشتق من الضفن وهو الأحمق الثقيل الكثير اللحم. وقال قوم: الضفن ضيف الضيفن, وإذا قيل: إن الضيفن مشتق من الضفن فوزنه فيعلن؛ فيقال للمرأة: ضفنة. قال جرير: [الكامل]
تلقى الضفنة من بنات مجاشعٍ ... ولها إذا انحل الإزار حران
يقول: مقارنة اللئيم ضيف يجر من الندم ضيفنًا.
وقوله:
أمسى الذي أمسى بربك كافرًا ... من غيرنا معنا بفضلك مؤمنا
(229/ب) المؤمن: المصدق. والمعنى أن أصحاب الشرائع المخالفة للإسلام, والذين يرون رأي الدهرية كلهم يجمعون معنا على التصديق بفضلك, وهم يخالفوننا في الدين, وبعضهم كفار. والكافر مشتق من: كفر الشيء إذا غطاه.
وقوله:
خلت البلاد من الغزالة ليها ... فأعاضهاك الله كي لا تحزنا
قد مر ذكر الغزالة, وأعاض في معنى عوض. والصواب عند النحويين إذا اجتمع الضميران: ضمير المخاطب وضمير الغائب فالواجب أن يقدم ضمير المخاطب, فكان الأجود أن يقول: عاضكها الله. وفي كتاب سيبويه هذا البيت: [الطويل]
وقد جعلت نفسي تهم بضغمةٍ ... كضمهماها يقصم العظم نابها
الضغمة: العضة, ومنها اشتقاق الضيغم, وهو الأسد. ويروى: كضغمكما, فإذا رويت بالكاف فقد جمع بين ضمير المخاطب وضمير الغائب, وإذا رويت: كضغمهماها فالضميران الغائبان والضمير المؤنث عائد على قوله: نفسي. والأحسن في مثل هذه المواضع أن يكون الضمير منفصلًا, وهو: إياه وإياها. وحدث من يوثق به أن أبا الطيب قال:
خلت البلاد من النبي محمدٍ
ثم غير البيت بقوله: الغزالة ليلها. والقافية من المتدارك.










مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید