المنشورات

معنى الآية {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)}:

قال العلامة ابن قيم الجَوزية -رحمه الله تعالى-: "والصحيح في الآية، أن المراد به: الصحف التي بأيدي الملائكة؛ لوجوه عديدة:
منها: أنه وصفه بأنه "مكنون" و"المكنون" المستور عن العيون. وهذا إنما هو في الصحف التي بأيدي الملائكة.
ومنها: أنه قال {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} [الواقعة: 79]، وهم الملائكة. ولو أراد المتوضئين لقال: لا يمسه إلا المتطهرون. كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]، فالملائكة مطهرون، والمؤمنون متطهرون.
ومنها: أن هذا إخبار. ولو كان نهيًا لقال: لا يمسَسه بالجَزم. والأصل في الخبر: أن يكون خبرًا صُورةَ ومعنى.
ومنها: أن هذا ردٌّ على من قال: إن الشيطان جاء بهذا القرآن. فأخبر تعالى: أنه في كتاب مكنون لا تناله الشياطين، ولا وصول لها إليه، كما قال تعالى في آية الشعراء: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211)} [الشعراء 210 - 211]، وإنما تناله الأرواح المطهرة. وهم الملائكة.
ومنها: أن هذا نظير الآية التي في سورة عبس {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)} [عبس12: 16].
قال مالك في موطِئه: أحسن ما سمعت في تفسير قوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} أنها مثل هذه الآية التي في سورة عبس (1).
ومنها: أن الآية مكيَّة من سورة مكية. تتضمن تقرير التوحيد والنبوة والمعاد، وإثبات الصانع، والرد على الكفار. وهذا المعنى أليق بالمقصود من فرع عملي، وهو حكم مس المحدث المصحف.
ومنها: أنه لو أريد به الكتاب الذي بأيدي الناس، لم يكن في الإقسام على ذلك بهذا القسم العظيم كثير فائدة؛ إذ من المعلوم: أن كل كلام فهو قابل لأن يكون في كتاب حقًا أو باطلًا، بخلاف ما إذا وقع القَسَم على أنه في كتاب مصون، مستور عن العيون عند الله، لا يصل إليه شيطان، ولا ينال منه، ولا يمسه إلا الأرواح الطاهرة الزكية. فهذا المعنى أليق وأجل وأخلق بالآية، وأولى بلا شك.
فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول: لكن تدل الآية بإشارتها على أنه لا يمسُّ المُصْحَف إلا طاهِر؛ لأنه إذا كانت تلك الصحف لا يمسها إلا المطهرون، لكرامتها على الله، فهذه الصحف أولَى أن لا يمسها إلا طاهر" (1).
قلت: ويكفي بهذا الكلام النفيس حجة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.










مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید