المنشورات

مدة ختم القرآن:

كثيرون هم الذين يختمون القرآن ولله الحمد، غير أن البعض يجتهد أحيانًا فيختم القرآن في رمضان وغيره مرارًا وتكرارًا، في مدة قصيرة اختلف فيها أهل العلم، فمن قائل بالكراهة لمن يقرأ في المصحف في أقل من ثلاث كأحمد وأبي عبيد، وإسحاق بن راهوية، ومن قائل بالجواز مطلقًا، وقد نُقِلَ عن بعض العلماء أنه كان يختم في أقل من ثلاث، ولعل حديث عبد اللهِ بنِ عَمْرٍو هو الحجة على الجميع، فلتتأمل هذا النص كما رواه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: "يَا رَسُولَ اللهِ فِي كَم أَقرَأُ القرآن؟ قَالَ: "فِي شَهرٍ". قَالَ: إِنِّي أَقوَى من ذَلِكَ، يُرَدِّدُ، وَتَنَاقَصَهُ حَتى قَالَ: "اقرَأهُ فِي سَبعٍ". قَالَ: إِني أَقوَى من ذَلِكَ، قَالَ: "لا يَفقَهُ مَن قَرَأَهُ فِي أَقَل من ثَلاثٍ" (1).

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-:
"إنما ورد النَّهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاثٍ على المداومة على ذلك. فأما في الأوقات المفضلة -كشهر رمضان، خصوصًا الليالي التي يطلب فيها ليلةَ القَدر، أو في الأماكن المفضلة، كمكَّة شرَّفها الله، لمن دخلها من غير أهلها- فيُستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن، اغتنامًا للزمان والمكان.
وهذا قولُ أحمدَ وإسحاقَ وغيرهما من الأئمة" (1).
وقال الإمام النووي -رحمه الله-:
"والاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص، فمن كان من أهل الفهم، وتدقيق الفكر، استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود، من التدبر، واستخراج المعاني، وكذا من كان له شغل بالعلم، أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين
العامة، يُستحبُّ له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه، ومن لم يكن كذلك، فالأولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل، ولا يقرؤه هذرمة، والله أعلم" (2).
سئل زيد بن ثابت - رضي الله عنه - كَيفَ تَرَى فِي قِرَاءَةِ القُرآنِ فِي سَبعٍ؟ فَقَالَ زَيدٌ: حَسَن، وَلأَن أَقرَأَهُ فِي نِصفٍ، أَو عَشرِ، أَحَب إِليَّ وَسَلنِي، لِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: فَإِنِّي أسأَلُكَ. قَالَ زَيد: لِكَي أَتَدَبرَهُ وَأَقِفَ عَلَيهِ (3).
قال العلامة ابن باز -رحمه الله-:
"وبعض السلف قال: يُستثنى من ذلك أوقات الفضائل، وأنه لا بأس أن يختم كل ليلة أو في كل يوم، كما ذكروا هذا عن الشافعي وعن غيره، ولكن ظاهر السُّنة: أنه لا فرق بين رمضان وغيره، وأنه ينبغي له أن لا يتعجل، وأن يطمئنَّ في قراءته، وأن يرتل كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- فقال: "اقرأه في سبع"، هذا آخر ما أمره به، وقال: "لا يفقه من قرأه في أقلّ من ثلاث"، ولم يقل: إلا في رمضان، فحَملُ بعض السلف هذا على غير رمضان محل نظر، والأقرب -والله أعلم- أن المشروع للمؤمن: أن يعتني بالقرآن ويجتهد في إحسان قراءته، وتدبر القرآن والعناية بالمعاني، ولا يعجل، والأفضل أن لا يختم في أقلّ من ثلاث، وهذا الذي ينبغي حسبما جاءت به السُّنة، ولو في رمضان" اهـ.
قلت: وقول العلامة عبد العزيز بن باز -رحمه الله- هو الراجح الموافق للسنة إدراكًا وتدبرًا، وفهمًا مع الإجابة.










مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید