المنشورات

التسليم لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وطاعته فيما يأمر أو ينهى.

العاقل الموفق هو الذي يُسلم لأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ويطيعه في كل ما جاء به، وينتهي عما نهى، مع عدم التقدم بين يديه في أي حكم، فلا يقدم القوانين والتشريعات البشرية على شريعته، أو تفضيل حكم غير حكمه، أو مساواته به في كل شيء.
قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)} [الأحزاب: 36].
وقال -جل جلالهُ-: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)} [آل عمران: 32].
وقال -عز وجل- {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)} [النساء79: 80].
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} [النساء: 59].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)} [الأنفال: 24].
وقال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء: 65].
وقال -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)} [الحجرات: 1].
وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7].
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني قد تركتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدهُما: كتابَ الله، وسُنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض" (1).
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-:
"رأس الأدب معه كمال التسليم له، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول، والتصديق، دون معارضة خيال باطل يسميه معقولًا، أو يحمله شبهة أو شكاً، أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالات أذهانهم، فيوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما وَحَّد المرسِل -سبحانه وتعالى- بالعبادة والخضوع والذل، والإنابة والتوكل .. ، ولقد خاطبت يوماً بعض أكابر هؤلاء، فقلت له: سألتك بالله لو قُدر أن الرسول حي بين أظهرنا، قد واجهنا بكلامه وبخطابه: أكان فرضاً علينا أن نتبعه من غير أن نعرضه على رأي غيره وكلامه ومذهبه، أم لا نتبعه حتى نعرض ما سمعناه منه على آراء الناس وعقولهم؟ فقال: بل كان الفرض المبادرة إلى الامتثال من غير التفات إلى سواه. فقلت: فما الذي نسخ هذا الفرض عنا؟ وبأيِّ شيء نُسخ؟ فوضع إصبعه على فيه وبقي باهتًا متحيرًا وما نطق بكلمة" (1).
وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)} [آل عمران31: 32].
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "هذِه الآية حاكمة على كل نفس من ادَّعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي، والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله" (2).
قال الإمام الآجري -رحمه الله-:
"ينبغي لأهل العلم والعقل إذا سمعوا قائلاً يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء قد ثبت عند العلماء، فعارض إنسان جاهل، فقال: لا أقبل إلا ما كان في كتاب الله -عز وجل-، قيل له: أنت رجل سوء، وأنت ممن حذرناك النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحذر منك العلماء.
وقيل له: يا جاهل إن الله -عز وجل- أنزل فرائضه جملة، وأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يبين للناس ما أنزل إليه.
قال الله -عز وجل-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)} [النحل: 44].
فأقام الله -عز وجل- وعلا نبيه - صلى الله عليه وسلم - مقام البيان عنه، وأمر الخلق بطاعته، ونهاهم عن معصيته، وأمرهم بالانتهاء عما نهاهم عنه، وقال -عز وجل-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
ثم حذرهم أن يخالفوا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال -عز وجل-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
وقال تبارك وتعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء: 65].
ثم فرضَ على الخلق طاعته - صلى الله عليه وسلم- في نَيِّف وثلاثين موضعًا من كتابه -عز وجل-.
وقيل لهذا المعارض لسنن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: يا جاهل، قال الله -عز وجل- {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43].
أين تجد في كتاب الله -عز وجل- أن الفجر ركعتان، وأن الظهر أربع، وأن العصر أربع، وأن المغرب ثلاث، وأن العشاء أربع؟ وأين تجد أحكام الصلاة ومواقيتها، وما يصلحها وما يبطلها إلا من سنن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ومثلها الزكاة، أين تجد في كتاب الله -عز وجل- من مائتي درهم خمسة دراهم، ومن عشرين دينارًا نصف دينار، ومن أربعين شاة شاة، ومن خمس من الإبل شاة، ومن جميع أحكام الزكاة، أين تجدها في كتاب الله -عز وجل-؟
وكذلك جميع فرائض الله -عز وجل-، التي فرضها الله جل وعلا في كتابه، لا يُعلم الحكم فيها، إلا بسنن الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
هذا قول علماء المسلمين، من قال غير هذا خرج عن ملة الإسلام، ودخل في ملة الملحدين، نعوذ بالله تعالى من الضلالة بعد الهدى" (1).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-: "اعلم أن من أحب شيئًا آثره وآثرَ موافقتَهُ، وإلا لم يكن صادقًا في حبه، وكان مُدَّعيًا. فالصادق في حُب النبي - صلى الله عليه وسلم - من تَظهَرُ علامةُ ذلك عليه، وأولُهَا: الاقتداءُ به، واستعمالُ سُنتِهِ، واتباعُ أقوالِهِ وأفعالِهِ، واجتنابُ نواهيهِ، والتأدبُ بآدابهِ في عُسرهِ وُيسرهِ، ومنشطهِ ومكرهِهِ، وشاهدُ هذا قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31].
وإيثارُ ما شرعَهُ وحضَّ عليه على هَوَى نفسِهِ، وموافقةِ شهوتِهِ، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]. وإسخاطُ العِبَادِ في رضي اللهِ تعالى" (1).
وقد أحسن من قال:
تَعصي الإلهَ وأنتَ تزعمُ حُبهُ ... هذا لعمري في القياسِ شنيعُ
لو كانَ حُبك صادقًا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيعُ
قال القاضي عياض -رحمه الله-: "وَمُخَالفَهُ أمرِهِ وَتَبديلُ سنتهِ ضَلالٌ وَبِدعةٌ مُتَوعَّد مِنَ اللهِ عليه بالخِذلانِ والعَذَابِ" (2).
قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
وقال سبحانه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115].










مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید