المنشورات

طيب الخلق مع مجالس العالم:

قال الإمام الآجري -رحمه الله-: "وإن كان له مجلس قد عُرف بالعلم ألزم نفسَه حُسنَ المداراةِ لمَن جالسه، والرفق بمن ساءَلَه، واستعمالَ الأخلاق الجميلة، ويتجافى عن الأخلاق الدنيَّة، فأما أخلاقُه مع مجالسيه، فصبورٌ على من كان ذهنُه بطيئًا عن الفهم حتى يفهَم عنه، صبور على جفاء من جَهِل عليه حتى يردَّه بحلم، يؤدِّب جلساءه بأحسن ما يكون من الأدب، لا يَدَعُهم يخوضون فيما لا يعنيهم، ويأمرهم بالإنصات مع الاستماع إلى ما يَتطق به من العلم، فإن تَخَطَّى أحدهم إلى خُلقٍ لا يحسن بأهل العلم لم يَجبَهه في وجهه على جهة التبكيت له، ولكن يقول: لا يَحسُنُ بأهل العلم والأدب كذا وكذا، وينبغي لأهل العلم أن يتجافوا عن كذا وكذا، فيكون الفاعل لخُلُقٍ لا يَحسُن قد علم أنه المراد بهذا فيبادر برفقه به، وإن سأله منهم سائل عما لا يعنيه رده عنه، وأمره أن يسأل عمَّا يعنيه، فإذا علم أنهم فقراء إلى عِلم قد غفلوا عنه أبداه إليهم، وأعلمهم شِدَّةَ فَقرِهم إليه، لا يُعَنَّفُ السائل بالتوبيخ القبيح فيخجله، ولا يزجره فيضيع من قدره، ولكن يبسطه في المسألة ليجبُرَه فيها، قد علم بُغيته عمَّا يعنيه، ويحثه على طلب علم الواجبات من علم أداء فرائضه واجتناب محارمه، يُقبلُ على مَن يعلم أنه محتاج إلى علم ما يسأل عنه، ويترك من يعلم أنه يريد الجدل والمراء، يُقرِّبُ عليهم ما يخافون بُعدَه بالحكمة والموعظة الحسنة، يسكت عن الجاهل حِلمًا، وينشُر الحكمة نصحًا، فهذه أخلاقُه لأهل مجلسه وما شاكل هذه الأخلاق.
وأمَّا ما يستعمل مع ما يسأله عن العلم والفتيا، فإنَّ من صفته إذا سأله سائل عن مسألة، فإن كان عنده علمٌ أجاب، وجعل أصله أن الجواب من كتابٍ، أو سنةٍ، أو إجماع، فإذا أوردت عليه مسألةٌ قد اختلف فيها أهلُ العلم اجتهد فيها، فما كان أشبهَ بالكتاب والسنة والإجماع، ولم يخرج به من قول الصحابة وقول الفقهاء بعدهم، قال به إذا كان موافقًا لقول بعض الصحابة وقول بعض أئمة المسلمين قال به، وإن كان قد رآه مما يخالف به قول الصحابة وقول فقهاء المسلمين حتى يخرج عن قولهم، لم يَقُل به، واتَّهم رأيه، ووجبَ عليه أن يسأل من هو أعلم منه أو مثلُه، حتى ينكشف له الحقُّ، ويسأل مولاه أن يوفقه لإصابة الخير والحق، وإذا سُئل عن علم لا يعلمه لم يستح أن يقول: لا أعلم، وإذا سئل عن مسألةٍ فعلم أنها من مسائل الشَّغَبِ ومما يورث بين المسلمين الفتنة، استعفى منها، وردّ السائل إلى ما هو أَولى به على أرفق ما يكون، وإن أفتى بمسألة فعلم أنه أخطأ، لم يستنكف أن يرجع عنها.، وإن سُئل عن مسألةٍ اشتبه القولُ عليه فيها قال: سَلُوا غيري، ولم يتكلف ما لا يتقرر عليه، يحذر من المسائل المحدثات في البدع، لا يُصغي إلى أهلها بسَمعه، ولا يَرضى بمجالسة أهل البدع ولا يُماريهم.
أصلُه الكتاب والسنة وما كان عليه الصحابة ومن بعدهم من التابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين، يأمر بالاتباع وينهى عن الابتداع، ولا يُجادل العلماءَ، ولا يُماري السفهاء" (1).








مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید