المنشورات

العفو عن الزلات والهفوات ومُقَابلة الإساءة بالإحسان.

قال تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237].
وقال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 40]
وفي الأمثال: قَرِينُكَ سَهمُكَ يُخطِئ وَيُصِيبُ
يضرب في الإغضاء على ما يكون من القرناء.

* صورة مشرقة في العفو:
عن علي بن زيد قال: بلغ مصعبَ بن الزبير - رضي الله عنه - عن عريف الأنصار شيء؛ فهمَّ به، فدخل عليه أنس بن مالك - رضي الله عنه - فقال له: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "استوصوا بالأنصار خيرًا -أو قالَ: معروفًا-؛ اقبلُوا من مُحسِنهم، وتجاوزُوا عن مُسيئهم" (3).
قال الحريري:
سامح أخاكَ إذا خَلَط ... منهُ الإصابةَ بالغلط
وتجافَ عن تعنيفهِ ... إن زاغَ يومًا أو قَسَطْ
وَاقنَ الوفَاءَ ولو أَخلَّ ... بما اشترطتَ وما اشترط
واعلم بأنَّكَ إن طلبتَ ... مُهذَّبًا رُمتَ الشَّطط
من ذا الذي ما ساءَ قط ... ومن لهُ الحُسنى فَقَط
وقال غيره:
سامحْ صديقكَ إن زَلت به قَدمٌ ... فليس يَسلمُ إنسانٌ مِنَ الزّللِ

قال الماوردي رحمه الله-:
"فأمَّا العفو عن الهفوات: فلأنه لا مُبرأ من سَهو وزَلل، ولا سليم من نقص أو خَلَل، ومَن رام سليمًا من هفوة، والتمس بريئًا من نبوة، فقد تعدى على الدَّهر بشطَطه, وخادع نفسه بغلطه, وكان من وجود بغيته بعيدًا, وصار باقتراحه فردًا وحيدًا, وقد قالت الحكماء: لا صديق لمن أراد صديقًا لا عيب فيه" (1)
قال الشاعر:
ومن لم يغمضْ عينَهُ عن صديقه ... وعن بعضِ مافيه يَمُت وهو عاتبُ
ومن يَتَتَبَّع جاهدًا كلَّ عثرةٍ ... يجدها ولم يسلم له الدهرَ صاحبُ
وقال آخر:
إذا كنتَ في كل الأمور معاتبًا ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبُه
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء نبلًا أن تعد معايبُه
قال النابغة:
ولَستَ بِمُستَبقٍ أخًا لا تلُمُّهُ ... عَلَى شَعَثٍ أيُّ الرِّجالِ المُهَذَّبُ؟
تفاوت الهفوات
والهفوات إما أن تكون في حقك، أو في دينه بارتكاب معصية، فإن كان في حقك فاصبر وتجاوز واحتمل، وإن كان في دينه، فالهفوات إما كبائر أو صغائر، فالصغائر مغفورة والنفوس بها معذورة، أما الكبائر، فإما أن يتلبس بها خاطئًا، أو متعمدًا مصرًا لا يريد الانفكاك عنها، والأخ النابه ينصح ولا يفضح، ويتلطف ولا يهجر إلا إذا أصر على المعصية وخاف على نفسه أن يتأثر فيتعامل معه بالضوابط الشرعية.

قال ابن قدامة المقدسي -رحمه الله-:
"اعلم أن من يحب في الله يبغض في الله، فإنك إذا أحببت إنسانًا لكونه مطيعًا لله، فإذا عصى الله أبغضته في الله، لأن من أحب لسبب أبغض لوجود ضده، ومن اجتمعت فيه خصال محمودة ومكروهة، فإنك تحبه من وجه وتبغضه من وجه، فينبغي أن تحب المسلم لإسلامه، وتبغضه لمعصيته، فتكون معه على حالة متوسطة بين الانقباض والاسترسال، فأما ما يجري منه مجرى الهفوة التي يعلم أنه نادم عليها، فالأولى حينئذ الإغماض والستر، فإذا أصر على المعصية، فلا بد من إظهار أثر البغض بالإعراض عنه والتباعد، وتغليظ القول له على حسب غلظ المعصية وخفتها" (1).











مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید