المنشورات

الأدب مع الخادم والأجير

الخادم: واحد الخدم، ويقع على الذكر والأنثى لإِجرائه مُجرى الأسماء غير المأخوذة من الأفعال، كحائض وعاتق (1).
قلت: والجمع خُدامٌ وخدمٌ، وهب خادمٌ وخادمة.
عن بريدة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لِيَكْفِ أَحَدَكُم من الدنيا خادم ومَركَبٌ" (2).
عن أبي هاشم بن عتبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما يكفيك من جمع المال خادم ومركب في سبيل الله" (3).
ومن أعظم النعم التي يمنها الله سبحانه على الإنسان توفير الراحة له، وتسخير بعض الناس لخدمته؛ فأي نعمة بعد الإيمان والعافية خدمة الناس لك، وكان السلف ينزلون من تيسر له الخادم منزلة الملك والسلطان الذي حاز الدنيا بحذافيرها.
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: "كان الرجل من بني إسرائيل إذا كان له الزوجة والخادم والدار سمى ملكًا" (4).
وعن عبد الرحمن الحبُلُي قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وسأله رجل فقال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم. قال: ألك مسكن تسكُنُه؟ قال: نعم. قال: فأنت من الأغنياء. فقال: إن لي خادمًا. قال: فأنت من الملوك (1).
وعن الحسن البصري: أنه تلا هذه الآية {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا}، فقال: وهل المُلك إلا مركبٌ وخادمٌ ودار؟ (2).
والأريب هو الذي يشكر نعمة الله عليه، فإن نعم الله علينا كثيرة، ومن أجلها تيسير خدمتك بأيدي أجير أو خادم، أو خادمة، أو عامل، أو عاملة، والحديث هنا يقع على خدم البيوت وليس الخدمة العامة لسائر أبواب الإمارة والملك الذي هو بسبيله من الجندي والشرطي والكاتب.
والعاقل من قام بخدمة نفسه أولًا، فإن عجز فلا بأس من استخدام خادم عاقل متمكن خبير أمين موثوق به.
لكن العلامة ابن خلدون يقول في المقدمة (3): "إن المترف من الناس يترفع عن مباشرة حاجاته أو يعجز عنها لما ربي عليه من خلق التنعم والترف، فيتخذ خدمًا يقضون له تلك الحاجات مقابل أجر معين، وهذا أمر يعتبره غير محمود بحسب الرجولة الطبيعية للإنسان، وذلك لأن الثقة بكل واحد عجز، ولأنها تولد الكسل لدى المترفين، وكذلك لأن الخادم القائم بذلك لا يعدو أربع حالات:
1 - مضطلع (صاحب خبرة) موثوق به.
2 - مضطلع غير موثوق به.
3 - موثوق غير مضطلع.
4 - غير موثوق وغير مضطلع.

فالأول، وهو المضطلع الموثوق يترفع عن الخدمة لاضطلاعه بالأمور وثقته، غني عن الناس، يتدبر أمره في سبل المعاش الأخرى.

وأما الثاني فلا ينبغي لعاقل استعماله؛ لأنه يجحفُ بمخدومه (رب البيت) فلا حاجه لرب البيت به بأن يدخل الريبة إلى عمله ومنزله، وخاصة ممن يقدر عليها.

وأما الثالث فلا تشفع له أمانته أمام تضييعه لأعمال رب البيت.

وأما الرابع فأي شيء أنفع منه، وهذا إذا لم يقع الضرر" انتهى بتصرف.
قلت:
فإن قيل: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - خدم؟
الجواب: نعم، ولكن الصحابة هم الذين كانوا يفرضون أنفسهم لخدمته طلبًا للشرف والعلم والفائدة من هديه وسمته ودعائه - صلى الله عليه وسلم -.
عدد العلامة ابن قيم الجوزية -رحمه الله-: أسماء من خدمه - صلى الله عليه وسلم -، فمنهم أنس ابن مالك، وكان على حوائجه، وعبدُ الله بن مسعود صاحبُ نعله، وسواكه، وعُقبَةُ بن عامر الجهني صاحب بغلته، يقود به في الأسفار، وأسلع بن شريك، وكان صاحب راحلته، وبلال بن رباح المؤذن، وسعد، موليا أبي بكر الصديق، وأبو ذر الغفاري، وأيمن بن عبيد، وأمه أم أيمن موليا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان أيمن على مطهرته وحاجته" (1).
وأما مواليه - صلى الله عليه وسلم - فمنهم زيد بن حارثة بن شراحيل، حبُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أعتقه وزوجه مولاته أم أيمن، فولدت له أسامة.
ومنهم أسلم، وأبو رافع، وثوبان، وأبو كبشة سُليم، وشُقران واسمه صالح، ورباح نُوبي، ويسار نوبي أيضاً، وهو قتيل العُرنيين، ومِدْعم، وكركرة نوبي أيضاً، وكان على ثقله - صلى الله عليه وسلم -، وكان يمسك راحلته - صلى الله عليه وسلم - عند القتال يوم خيبر، وفي "صحيح البخاري" أنه الذي غل الشملة ذلك اليوم .. ، وفي "الموطأ" أن الذي غلها مِدْعم، وكلاهما قتل بخيبر" (2).
والخلاصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرشد عليًا وفاطمة -رضي الله عنهما- إلى الذكر لمَّا سألا النبي - صلى الله عليه وسلم - خادماً؛ لأن ذلك من واجبات المرأة تجاه زوجها.

فإن كان لا بد من استخدام الخادم فلا بد له من شروط:
1 - الديانة الإسلامية.
2 - الأمانة.
فالخدمة أمانة وولاية، وعمل يسند إلى الخادم في بيت المخدوم، فهو الذي يتعاهد ملك صاحب البيت من طعام وشراب ومتاع، وفي ذلك حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كُلكُمُ راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته" .. والخادمُ في مالِ سيدهِ راعٍ وهو مَسؤُول عن رعيته". رواه البخاري (2409).
واستحق موسى - عليه السلام - أن يعمل في بيت الرجل الصالح {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)} [القصص26: 28].
وليست الأمانة قاصرة على حفظ المال، بل تتعدى الأمانة إلى سر بيته وحفظ عورته، وربما يكون في البيت زوجة وبنات وأخوات، وفي البيت شباب وفي البيت خلوات، وفي قصة يوسف - عليه السلام - عبرة في موقف يوسف - عليه السلام - وأمانته من زوجة العزيز.

ومن أعظم الفتن تساهل بعض المخدومين في دين الخادم.
3 - الخبرة، والعاقل من يحسن اختيار صاحب الدراية المأمون؛ لأنه لا حاجه لرب البيت بأن يدخل الجاهل وصاحب الريبة إلى عمله ومنزله؛ لأنه سيشقى به.
وللخادم أحكام كثيرة تنظر في كتب الفقه، لا يتسع المجال لبسطها، وحسبنا الآداب هنا.
والعاقل من يتأدب بأدب الإسلام في معاملة الخدم، وقد شرع الإسلام حقوقًا للخدم يجب العناية بها






مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م 

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید