المنشورات

التعامل مع الكفار ليس بدرجة واحدة:

والمطعم بن عدي من كفار قريش، حفظ له النبي - صلى الله عليه وسلم - الجميل الذي قام به بعد عودة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الطائف إلى مكة، ثم امتناع قريش من قبول دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة، فما كان من المطعم إلا أن قال: قد أجرت محمدًا، ثم بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ادخل، فدخل رسول الله، فقام المطعم بن عدي على راحلته فنادى: يا معشر قريش، إني قد أجرت محمدًا فلا يهجه أحد منكم، فهناك أحوال يكون فيها الصفح والمغفرة، وأحوال يكون فيها رد الإساءة بالإساءة، وتارة الشدة والغلظة، فالقضية ليست واحدة، وإنما لكل موقف تعامل خاص، وليس بصواب أن نأخذ آية واحدة من القرآن وننزلها على كل الأحوال؛ كقول الله تعالى: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73]، فيكون المؤمن مع الكافر دائمًا في غلظة، فلا يجيبه، ولا يزوره ولا يدعوه، وهذا ليس بسديد، وكذلك لا يقال للمؤمن: كن دائمًا متساهلًا متنازلًا، فلكل مقام مقال.
فالعلاقات الإنسانية متعددة، ولكل موقف صورة للتعامل، فلا بد من الأخلاق الحسنة مع مجموع البشر كل بحسبه، فإذا كان لنا جار، أو قريب غير مسلم، ننظر في أمره، فإن كان مسالمًا في علاقته، قَبِلنا هديته، وأهديناه وزرناه وساعدناه حتى ربما أعطيناه من مال الزكاة رجاء إسلامه، ولكن تمنع المسلمة من الزواج بغير المسلم مهما كانت الأسباب، فلا يجوز لها أن تتزوج غير المسلم.
وقبل الحديث عن الآداب مع الكافر لا بد أن نتحدث بإيجاز عن مفهوم الولاء والبراء، فالولاء هو المحبة والمودة والقرب، والبراء هو البغض والعداوة والبعد، والولاء والبراء من أعمال القلوب، لكن تظهر مقتضياتها على اللسان والجوارح.
والمؤمن لا يكون ولاؤه إلا لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين.
قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة: 55].
ولا يجوز له أن يتولى الكفار؛ قال تعالى:
{تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)} [المائدة80: 81].
فالولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم لإيمانهم، ونصرتهم، والنصح لهم، والدعاء لهم، والسلام عليهم، وزيارة مريضهم، وتشييع ميتهم، وإعانتهم، والرحمة بهم، وغير ذلك.
والبراءة من الكفار يكون ببغضهم -دينًا- ومفارقتهم، وعدم الركون إليهم، أو الإعجاب بهم، أو التشبه بهم، وتحقيق مخالفتهم شرعًا وجهادهم بالمال واللسان والسنان، ونحو ذلك من مقتضيات العداوة في الله (1).









مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م 

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید