المنشورات

أكل طعامه إن كان من أهل الكتاب وحل نكاح نسائهم:

قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة: 5].
قال ابن عباس، وأبو أمامة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وعطاء: (طعامهم): يعني ذبائحهم.
قال الحافظ ابن كثير: "وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء، أن ذبائحهم حلال للمسلمين؛ لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عن قولهم، تعالى وتقدس" (1).
قال الإمام ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن ذبائح أهل الكتاب لنا حلال إذا ذكروا اسم الله عليها، إلا حرف حكي عن مالك في شحم شاة ذبحها يهودي، فإنه بلغني عنه أنه قال: لا يؤكل، وحكى عنه أنه قال: لا أحرمه، فإن ذبح الكتابي فذكر اسم الله أكلت ذبيحته، وإن لم يذكر اسم الله أو ذبح باسم المسيح، لم يحل أكل ذبيحته، وإذا غاب عنا أمره أكلنا ذبيحته، كما نأكل ما غاب عنا من ذبائح المسلمين" (2).
وقال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: اختلف الناس في {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5]: هل يشمل كل ما اعتبروه طعامًا وإن كان لا يحل لنا إن كان أُهل لغير الله به، أو ذُبح للصليب، أو خُنق، أو ما أشبه ذلك؟ فقال بعض العلماء: كل ما اعتقدوه طعامًا فهو حل لنا، ولا نسأل كيف ذبحوا، ولا على أي اسم ذكروا على الذبيحة، والقول الثاني: أنهم لا بد أن يذبحوا على الطريقة الإسلامية، وألا يذكروا عليها إلا اسم الله، وعلى هذا القول فإن شككنا هل سَمُّوا أم لا، فإننا لا نسأل؛ لأن الأصل أن ذبائحهم حلال، والقول الثاني هو الأصل" (1).

والخلاصة يشترط لحل ذبائحهم شروط:
الأول: عدم العلم أنه ذكر عليها اسم غير اسم الله تعالى، فإن ذبحها باسم المسيح أو العذراء لم تؤكل.

الثاني: أن تذبح بآله تقطع الودجين والمريء والحلقوم وتجري الدم.
الثالث: أن يكون المذبوح جائز شرعاً.
أمَّا نكاح نسائهم، فقد قال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة: 5].
وقد اتفق أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم على جواز نكاح نساء أهل الكتاب، إلا قولاً لابن عمر -رضي الله عنهما- وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء أهل الكتاب منهم حذيفة - رضي الله عنه -، الذي تزوج يهودية في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وتزوج طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - يهودية ونصرانية (2).
واستثنى بعض أهل العلم إذا كانوا حربًا للمسلمين، فإنه لا يحل نساؤهم. قال الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" (2/ 363): "أباح الله تعالى للمسلم أن يتزوج الكتابية، ولم يبح تزوج المسلمة من الكتابي لاعتداده بقوة تأثير الرجل على امرأته، فالمسلم يؤمن بأنبياء الكتابية وبصحة دينها قبل النسخ، فيوشك أن يكون ذلك جالباً إياها إلى الإسلام؛ لأنها أضعف منه جانباً، أما الكافر فهو لا يؤمن بدين المسلمة ولا برسولها فيوشك أن يجرها إلى دينه".
قال الإمام الشافعي: "وله أن يتزوج أربع كتابيات، وتنكح المسلمة على الكتابية، والكتابية على المسلمة، ويقسم المسلم للكتابية كما يقسم للمسلمة، إلا أنهما لا يتوارثان لاختلاف الدينين، واِذا ماتت فإِن شاءَ شهدها وغسَّلها ودخل قبرها، ولا يُصلِّي عليها، وأَكْرهُ لها أَنْ تغسِّلهُ لو كان هو الميِّتَ، فإِن غسَّلَتهُ أَجزأَ غُسلُها إيَّاهُ إن شاء اللهُ تعالى" (1).
ولكن مع هذا التعامل الحسن مع الكتابي، لا يعني أننا نقبل منه ما كان فيه تعظيم لدينه، فنشاركه في أعياده الدينية، أو نقبل هداياه في موسم عبادته؛ أو نهديه في أعياده من الطعام، أو البخور، أو نتشبه به؛ لأنَّ هذا من التعظيم لدينه، ويعد هذا إقراراً لما هو عليه من الباطل، فيجب ضبط المعاملة وفق قاعدة الولاء والبراء.












مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م 

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید