المنشورات

الانتفاع بما عند غير مسليمين من علوم:

يتسامح الإسلام في أن يتلقى المسلم من غير المسلم ما ينفعه في علم الطب والكيمياء والفيزياء والصناعة والزراعة، والأعمال الإدارية.
وأدلة الانتفاع بعلم الكفار كثيرة، عن عائشة أُم المُؤمنين - رضي الله عنها - قَالَتْ: استَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكرٍ رَجُلًا من بَنِي الدَّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا (أي ماهرًا بالطريق)، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفارِ قُرَيشٍ، وَدَفَعَا إلَيهِ رَاحِلَتَيهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَورٍ بَعدَ ثَلاثِ لَيَالٍ (1).
وكذلك مزارعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لليهود من خيبر على أن يعملوا ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها.
قال ابن عمر: أَعْطَى النبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيبَرَ بِالشطرِ، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهدِ النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكرٍ وَصدرٍ من خِلافَةِ عُمَرَ، وَلَم يَذكُر أَن أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ جَدَّدَا الإجَارَةَ بَعدمَا قُبِضَ النبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (2).
قال الشوكاني: "الحديث فِيه دَليلٌ على جوازِ استِئجَارِ المُسلم للكَافر علَى هداية الطَّريقِ، إذا أَمن إليه، وقد ذكر البُخاريُّ هذا الحديث في كتاب الإجارة، وترجم عليه: بابُ استئجارِ المشركينَ عند الضرُورة وإِذا لم يُوجد أَهلُ الإسلام، فكأنهُ أَراد الجمع بين هذا وبين قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنا لا أَستعِينُ بمشركٍ" أَخرجه مسلم وأصحابُ السنن، قال ابنُ بطَّال: الفقهاءُ يُجيزُونَ استئجارَهُم -يعني: المُشركين- عند الضرُورة وغيرها؛ لما فِي ذلك من الذِّلةِ لهم، وإنما المُمتنعُ أَن يُؤجَّر المُسلمُ نَفسهُ من المُشرك لما فيه من الإذلالِ" اهـ (1).

أما تأجير المرء نفسه عند الكافر فيكون بشروط:
1 - أن يكون العمل حلالًا.
2 - ألا يعينه على ما يعود ضرره على المسلمين.
3 - عدم التعظيم لدينهم، أو مهانة المسلم وإذلاله.
عن عليٍّ - رضي الله عنه - قال: جُعْتُ يَومًا مَرَّةً جُوعًا شَدِيدًا، فَخَرَجتُ لِطَلَبِ العَمَلِ فِي عَوَالِي المَدِينَةِ، فَإِذَا أَنَا بِامرَأَةٍ قَد جَمَعَت مَدَرًا فَظَنَنتُهَا تُرِيدُ بَلَّهُ، فَقَاطعتُهَا كُل ذَنُوبِ عَلَى تَمْرَةٍ، فَمَدَدتُ ستةَ عَشَرَ ذَنُوبًا حتى مَجَلَت يَدَايَ، ثم أَتَيتُهَا، فَعَدت لِي سِتَّ عَشرَةَ تَمرَةً، فَأتَيتُ النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأخبَرتُهُ، فَأكَلَ مَعِي مِنهَا.

قال الشوكاني:
"حديثُ عَلِيّ جَوَّدَ الحافظُ إسنادهُ، وأَخرجهُ ابنُ ماجة بسندٍ صححهُ ابن السكن، وأَخرج البيهقِي وابن ماجه من حديث ابن عَبَّاسٍ بلفظ "إن عَليًا - رضي الله عنه - آجَرَ نَفسَهُ من يَهُودِي يَسقِي لَهُ كُل دَلوٍ بِتَمرَةٍ، وَعِندَهُم أَنَّ عَدَدَ التمرِ سَبعَةَ عَشَرَ" وفِي إسنَادهِ حَنَشٌ راويهِ عن عكرمةَ وهو ضعيف.
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - فِيهِ بَيَانُ مَا كَانَتْ الصحَابَةُ عَلَيهِ من الحَاجَةِ وشِدةِ الفَاقَةِ، وَالصبرِ عَلَى الجُوعِ، وَبَذلِ الأنفُسِ وإتعَابِهَا فِي تحصِيلِ القِوَامِ من العيشِ لِلتعَفُّفِ عَن السؤَالِ وَتَحَملِ المِنَنِ، وأَن تَأجِيرَ النفسِ لا يُعَد دَنَاءَةً، وإن كَانَ المستأجِرُ غَيرَ شَرِيفٍ أَو كَافِرًا، والأجِيرُ من أَشرَافِ الناسِ وَعُظَمَائِهِم".
والخلاصة: أنه يجوز الانتفاع بما عند الكافر من علوم غير أنه لا يجوز استعمال الكافر في شيء من ولايات المسلمين، أو السلطة حتى لا تتم هيمنتهم على المسلمين، كما روى البيهقي في السنن عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قلت: لعمر - رضي الله عنه -: إن لي كاتبًا نصرانيًا، قال: ما لكَ؟ قاتلك الله، أما سمعتَ الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: 51].
ألا اتَّخذت حنيفًا؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، لي كتابته وله دينه، قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أُعزُّهم إذ أذلَّهم الله، ولا أُدنيهم إذ أقصاهم الله (1).









مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م 

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید