المنشورات

تهنئة غير المسلمين بأعيادهم الشركية:

الأعياد من أعظم مظاهر الدين عند جميع الأمم؛ قال تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67].
والأعياد عند الكفار نوعان: أعياد على وجه التعبد، وأعياد على وجه المناسبة، فالأعياد على وجه التعبد كعيد مولد المسيح للنصارى، أو النيروز، والمهرجان للمجوس، فهذا النوع محرم، ولا يجوز التهنئة فيه؛ لما في ذلك من الإقرار للباطل، والتهنئة تعني المشاركة في السرور، والرضا بمعتقد الآخر، وأما أعياد المناسبة كيوم الاستقلال، أو يوم الحب، أو يوم مولد الطفل، ويوم العمال ونحو ذلك فبدعة، لا ينبغي المشاركة فيها للمسلم.
وفي "كشف القناع" للبهوتي وهو من الحنابلة (3/ 131): "ويحرمُ تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم؛ لأنه تعظيمٌ لهم".
وما كان فيه للتعبد فلا يجوز التهنئة للكفار، وما كان فيه لغير التعبد، فبدعة، أما ما كان فيه لترقية، أو نجاح أو تملك منزل، أو زواج أو ولد أو قدوم مسافر، أو سلامة، فخلاف بين العلماء بين الإباحة والكراهية، والصواب عندي هو جواز التهنئة إن سلمت من الألفاظ التي تدل على الرضى بدينه؛ وثانياً أن هذا غير داخل في عبادته الشركية، والله أعلم.

وقال العلامة ابن قيم الجوزية -رحمه الله-:
"فصل في تهنئتهم بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك ... فالكلام في التعزية والعيادة، ولا فرق بينهما، ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضا بدينه، كما يقول أحدهم: متعك الله بدينك .. ، وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قَدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه" (1).

قال الشيخ العلامة محمد صالح العثيمين في -رحمه الله-:
"تهنئة الكفار بعيد (الكريسمس) (2) أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق .. ، وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم، لأن فيها إقرارًا لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضى به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بذلك؛ كما قال تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7].
وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
وتهنئتهم بذلك حرام، سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا.
وقد يتساءل المرء -لا سيما إذا كان يعمل مع النصارى في مكان واحد، ويهنئونه في الأعياد الإسلامية-: فلماذا لا يبادلهم بالتهنئة في أيام أعيادهم معاملة بالمثل؟ وهذا كثيرًا ما يتبادر إلى الذهن ويطرح من قبل الكثير من عامة المسلمين" .. وإذا هنؤونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك، ولأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى؛ ولأنها أعياد إما مبتدعة في دينهم، وإما مشروعة لكنها نُسخت بدين الإسلام الذي بعثَ الله به محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الخلق، وقال فيه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران: 85].
وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرامٌ؛ لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها .. " (1).












مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م 

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید