المنشورات

التعامل مع الحيوان والرفق به

والعقلاء هم الذين يحسنون التعامل مع الحيوان، ويرفقون به وفق الشريعة الإسلامية السمحة، فقد خلق الله سبحانه الإنسان وكرمه، وسخر له الحيوانات لمنافع شتى.
قال تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)} [النحل: 8].
وبين الله سبحانه فعل أهل الجاهلية الكفار من افترائهم عليه بتشريعات ما أنزل بها من سلطان، وذلك كوقفهم الإبل على أصنامهم، وتحريمها على أنفسهم، أو تحريم ما في بطون الأنعام على النساء دون الذكور؛ كما قال تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139)} [الأنعام: 139].
وكما قال سبحانه: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103)} [المائدة: 103].
وعن سعيد بن المسيب قال: البحيرةُ التي يُمنع دَرُّها للطواغيت فلا يحلُبها أحدٌ من الناس، والسائبةُ التي كانوا يُسيِّبونها، لآلهتهم فلا يُحَملُ عليها شيء، والوصيلةُ الناقةُ البِكر تُبَكر في أول نِتاج الإبل بأنثى، ثم تُثني بعدُ بأنثى، وكانوا يُسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهُما بالأخرى ليس بينها ذكر، والحام فحلُ الإبل يَضرب الضِرابَ المعدودَ، فإذا قضى ضِرابَهُ وَدَعوهُ للطواغيت وأعفوه من الحمل فلم يُحَمل عليه شيء، وسمَّوه الحامي" (1).
وقال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)} [الأنعام: 38].
عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الحُمُر فقال: "ما أنزل الله عليَّ فيها إلا الآية الفاذَّة الجامعة {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} (2).
وقد سمَّى الله تعالى بعض السور في القرآن الكريم بأسماء هذه الحيوانات والحشرات، لبيان مناسبتها في السور الكريمة وأهميتها، وما يستفاد منها، فسمَّى سورة البقرة، والأنعام، والنحل، والنمل، والعنكبوت، والفيل.
والإسلام هو أول من دعا إلى الرفق بالحيوان وحرم إيذاءه، ورفع الظلم عنه، غير أن دعاة الغرب وممن لا خلاق لهم من الشرق زعموا أنَّهم هم أرباب الرفق بالحيوان، ناسين أو متناسين تعذيبهم للحيوان كمصارعة الثيران والكباش والديكة، كما هو الحال في كثير من بلاد أوربا، لا سيما في "أسبانيا" من قتلهم الثيران بعد إرهاقهم في الحلبة، ثم القضاء عليهم بالرماح والدماء تسيل منهم شيئاً فشيئاً أمام الجماهير في لهوٍ قبيحٍ ومنظرٍ مؤلم، مع فرجة البطالين، وكذا الحال بالنسبة إلى مناقرة الديكة ومهارشتهم، كما هو الحال في "أندونيسيا والهند" أمام المتفرجين في مشاهد مؤثرة دون رحمة أو شفقة مع مراهنات محرمة (1).
قال الشيخ المطيعي: "وأما السبق بنطاح الكباش ونقار الديكة، فهو أسفه أنواع السبق، وهو باطل، لا يختلف أحد من أهل العلم في عدم جوازه" (2).
قلت: بل عدَّ الحنفية والمالكية أن من اشترى كبشاً على أنه نطاح أو ديكاً على أنه مقاتل، فالبيع فاسد، ويحرم.
وذهب المالكية إلى أن بيع الكبش المتخذ للنطاح، والديك المتخذ للهراش باطل.
قلت: كذا يفعل الأوربيون، وهذا من ظلمهم للحيوان، وليس هذا فحسب بل اعتداؤهم السافل علي الحيوان جنسياً، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَلعُون مَن وَقعَ عَلَى بَهِيمَةٍ" (3).
فالرأفة بالحيوان خلق جُبِلَ عليه نبينا عليه الصلاة والسلام، وحث عليه أمته، وقد وردت الوصية بالدواب في أحاديث كثيرة، منها:
عن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو غُفِرَ لكم ما تَأتونَ إلى البهائمِ لغُفِرَ لكم كثيرًا" (1).

ومن الأدب مع الحيوان معرفة حقوقه:-
والسؤال: هل للحيوان حقوق؟
الجواب نعم كما في الحديث عن عبد الله بن عمرو أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
قال: "مَا من إِنْسَانٍ قَتَلَ عُصفُورًا فَمَا فَوقَهَا بِغَيرِ حَقهَا، إِلا سَألَهُ اللهُ -عز وجل- عَنهَا"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: "يَذبَحُهَا فَيَأكلها، وَلا يَقطَعُ رَأسَهَا يَرمِي بِهَا" (2).










مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م 

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید