المنشورات
النظرية الماركسية و سياقها التاريخي
ظهرت الماركسية في سياق تاريخي تميز بالصراع النضالي والجدلي بين البورجوازية مالكة وسائل الإنتاج، والطبقة العمالية صاحبة القوة الإنتاجية، وكان ذلك في القرن التاسع عشر الميلادي، عصر الثورة الصناعية والعمالية. وكان سبب هذا الصراع هو الظلم الذي كانت تعانيه الطبقة البروليتارية؛ من جراء عسف الطبقة البورجوازية وبطشها وتجبرها وتعنتها، إلى جانب ماكانت تمارسه من استغلال واستيلاب ومعاملة سيئة في حق هؤلاء العمال، وطردهم من أعمالهم ووظائفهم ومناصبهم.
ومن هنا، جاءت الماركسية للتعبير عن هموم الطبقة العمالية ومحنها وإحنها، وتجسيد آمالها وطموحاتها وتطلعاتها. ومن هنا، " يمكننا القول: إن الاشتراكية، نقصد العلمية منها (الشيوعية)، قد مثلت ايديولوجية الطبقة العاملة في نضالها ضد الظلم والاستغلال الطبقي الذي ميز النظام الرأسمالي، فقد رافقت ولادتها حركة الطبقة العاملة في أوروبا (ألمانيا، وفرنسا، وإنجلترا، وبلجيكا، ... )، وكانت تمثل التعبير السياسي والنظري عن تلك الحركة، والحاملة لأهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث شارك مؤسسا هذه الإيديولوجيا بقوة في نضالات الطبقة العاملة، سواء من خلال تأسيس الجمعية الأممية للعمال، أم من خلال عصبة الشيوعيين في ألمانيا.
لثد دخلت الاشتراكية العلمية منذ ولادتها في صراع ضد الليبرالية باعتبارها إيديولوجية النظام الرأسمالي، التي تسوغ مشروعيته، وتبرر تناقضاته واستغلاله البشع للعمال. وفي الوقت الذي اتخذت فيه الليبرالية طابعا محافظا، اتخذت الاشتراكية العلمية طابعا نقديا راديكاليا، استهدف بالدرجة الأولى الكشف عن مساوئ النظام الرأسمالي، والدعوة إلى تجاوزه عن طريق التغيير الجذري، بحيث تتحقق في الأخير العدالة الاجتماعية، وتسمو القيم الإنسانية. (1) "
ويمكن التمييز بين ماقبل الماركسية التي كانت عبارة عن تصورات ميتافيزيقية وتأملات مثالية ساذجة وحالمة، ومرحلة الماركسية العلمية مع كارل ماركس وأنجلز، وقد تميزت هذه النظرية بطابعها العلمي واليقيني، بل إنها قادرة على الاستشراف والتنبؤ. وبالتالي، فقد كانت الماركسية نظرية سوسيولوجية ثورية وراديكالية لاتؤمن بتفسير العالم أو المحافظة عليه، بل كانت تدعو إلى تغييره جذريا، في إطار منظور مادي تاريخي وجدلي، يؤمن بالعمل والممارسة والبراكسيس، مع السعي الجاد إلى القضاء على الليبرالية والفكر البورجوازي الفردي. وأكثر من هذا، فقد وضعت الماركسية تطورا تاريخيا للبشرية التي قطعت أطوارا عدة هي: المرحلة المعاشية، والمرحلة العبودية، والمرحلة الإقطاعية، والمرحلة البورجوازية، والمرحلة الاشتراكية. وبعد ذلك، تنتقل الإنسانية إلى المرحلة الشيوعية بعد القضاء على الملكية الخاصة، وإزالة الدولة، والقضاء على الطبقات الاجتماعية، وإشاعة الأموال والنساء.
ومن هنا، فالماركسية فلسفة عمالية بروليتارية راديكالية وثورية، همها الوحيد هو الصراع الجدلي المستمر، والقضاء على البورجوازية الليبرالية، وتجاوز ماهو نظري وديني وروحي إلى ماهو مادي واقتصادي ومجتمعي، والإيمان بالتغيير الجذري الجدلي.
مصادر و المراجع :
١- نظريات علم الاجتماع
المؤلف: د. جميل
حمداوي
الطبعة: الأولى
2015 م
حقوق الطبع
محفوظة للمؤلف
27 أبريل 2024
تعليقات (0)