المنشورات
مفهوم المقاربة الصراعية
تنبني المقاربة الصراعية على مفهوم الصراع والاختلاف حول السلطة والقوة. ومن ثم، فالمجتمع غير خاضع لمبدإ النظام والتوازن والانسجام كما يقول الوظيفيون (دوركايم، وبارسونز، وميرتون)، بل قائم على الصراع والاختلاف والتوتر. وفي هذا، يقول أنتوني غيدنز، في كتابه (علم الاجتماع)، " يميل علماء الاجتماع الذين يطبقون نظريات الصراع إلى التأكيد على أهمية البنى في المجتمع مثلما يفعل الوظيفيون كما أنهم يطرحون نموذجا نظريا شاملا لتفسير عمل المجتمع. غير أن أصحاب النظريات الصراعية يرفضون تأكيد الوظيفيين على الإجماع، ويبرزون بدلا من ذلك أهمية الخلاف والنزاع داخل المجتمع، ويركزون بذلك على قضايا السلطة والتفاوت والنضال. ويميل هؤلاء إلى أن المجتمع يتألف من مجموعات متميزة تسعى إلى تحقيق أهدافها الخاصة. ووجود هذه المصالح المنفصلة يعني أن احتمال قيام الصراع بين هذه الجماعات يظل قائما على الدوام، وأن بعضها قد ينتفع أكثر من غيره من استمرار الخلاف. ويميل الملتزمون بنظريات الصراع إلى دراسة مواطن التوتر بين المجموعات المسيطرة والمستضعفة في المجتمع،ويسعون إلى فهم الكيفية التي تنشأ بها علاقات السيطرة وتدوم. ويعزو كثير من منظري الصراع آراءهم إلى ماركس الذي أكد في مؤلفاته على الصراع الطبقي، إلا أن بعضهم ينوهون بالأثر الذي تركه فيبر على توجهاتهم. ومن أبرز ممثلي هذا الاتجاه عالم الاجتماع الألماني رالف دارندورف، ففي واحد من أبرز مؤلفاته (الطبقة والصراع الطبقي في المجتمع الصناعي (1959))، يرى دارندورف أن المفكرين الوظيفيين يقصرون دراستهم على جانب واحد من المجتمع - أي نواحي الحياة الاجتماعية التي يتجلى فيها الانسجام والتوافق. وما يعادل أهمية تلك الجوانب، أو يفرق أهمية، هو النواحي الأخرى التي يميزها الصراع والاختلاف. وينتج الصراع، كما يقول دارندورف، بشكل أساسي عن الاختلاف والتعارض بين مصالح الأفراد والجماعات على السواء. وقد اعتقد ماركس أن اختلاف المصالح وقف على الطبقات، غير أن دارندورف يعزوه بصورة أوسع إلى الاختلاف على السلطة والقوة. وفي جميع المجتمعات ينشأ الخلاف والنزاع بين من يملكون السلطة من جهة، ومن يتم إقصاؤهم عنها من جهة أخرى. أي: بين الحكام والمحكومين." (1)
وبناء على ما سبق، ترتكز المقاربة الصراعية على التوجه الماركسي الجديد، وعلى أساس أن المدرسة هي فضاء للصراعات الطبقية والاجتماعية واللغوية والرمزية، أو هي فضاء للصراع حول السلطة والقوة كما يقول دارندورف. وتتبنى هذه المقاربة التصورات النقدية في ضوء مقترب ماركسي جديد. وخير من يمثل هذه المقارية كل من بيير بورديو (Pierre Bourdieu)، وبودلو (Baudelot)، وإستابليت (Establet)، وبرنار لاهير (Bernard Lahire)، وكولانز (Collins)، وبازل برنشتاين (Basil Bernstein) ...
وتنطلق هذه المقاربة من أن العلاقات الاجتماعية هي التي تتحكم في التوجيه المدرسي، وهي التي تساهم في تحقيق النجاح أو تكون وراء الإخفاق الدراسي. ومن ثم، فالأصل الاجتماعي عنصر مهم في التحليل السوسيولوجي، لكنه لايعتبر العنصر الوحيد في فهم الظاهرة التربوية وتفسيرها اجتماعيا. ومن ثم، فالمدرسة، في منظور هذه النظرية، مثل آلة لإعادة إنتاج اللامساواة الطبقية والاجتماعية.
وقد طرحت السوسيولوجيا التربوية، في سنوات الستين من القرن الماضي، سؤال اللامساواة، وكان سؤالا جوهريا، وأسال كثيرا من الحبر إلى يومنا هذا. أما قبل ذلك، فكان سؤال التنشئة الاجتماعية وإدماج الفرد في حضن المجتع مع إميل دوركايم. ومن ثم، فسؤال اللامساواة المدرسية نتاج للامساواة الطبقية والاجتماعية. ومعنى هذا أن المدرسة تعبير عن الفوارق الفردية والطبقية والاجتماعية واللغوية والثقافية. فأبناء الأغنياء والطبقات المرموقة يحصلون على معدلات مرتفعة، ويستفيدون من التعليم الجامعي. في حين، يحصل أبناء الطبقات الدنيا على معدلات ضعيفة، ويعانون من فوارق التحصيل والذكاء. ثم، لايستطيعون متابعة دراساتهم الجامعية، فيكتفون بالتوجيه المهني أو التقني. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن المدرسة الرأسمالية الطبقية تعيد لنا إنتاج الورثة بامتيازاتهم الطبقية والاجتماعية. بينما يفتقر أبناء الطبقة العمالية إلى الرأسمال الثقافي الذي يمتلكه أبناء الطبقة البورجوازية. ومن ثم، تمارس المدرسة الرأسمالية عنفا رمزيا ضد أبناء الطبقات الكادحة أو المسحوقة اجتماعيا. ومن ثم، فوظيفة المدرسة - حسب بيير بوردو وكلود باسرون - هي تحقيق اللامساواة الطبقية والاجتماعية. ومن هنا، فالمدرسة ليست محايدة أو موضوعية أو عادلة أو كونية، بل تخدم مصالح الطبقة السائدة أو قيم الفئة المهينة على الحكم ليس إلا.
وترى هذه المقاربة أن المدرسة لا تنتقي من هو أكثر ذكاء وقدرة وإنتاجا وإبداعا، بل من هو أكثر مطابقة ومسايرة لتمثلات الفئة الحاكمة. أي: تختار من ينفذ تعليمات الطبقة المالكة للسلطة، ويعيد إنتاج قيمها.
مصادر و المراجع :
١- نظريات علم الاجتماع
المؤلف: د. جميل
حمداوي
الطبعة: الأولى
2015 م
حقوق الطبع
محفوظة للمؤلف
27 أبريل 2024
تعليقات (0)