المنشورات

نظرية التفاعل الرمزي

ترتبط نظرية التفاعل الرمزي بمدرسة شيكاغو، وقد استلهمت تصوراتها التفاعلية من براغماتية جون ديوي التي بدأها كل من شارلز بيرث ووليم جيمس، وطورها بشكل رئيسي ميد (2). وقد انصب اهتمام هذه المدرسة على الطبيعة الرمزية للحياة الاجتماعية، بالتركيز على المعاني والدلالات الرمزية التي تحملها أفعال الفاعلين داخل سياق اجتماعي معين. وبتعبير آخر، تنتج المعاني الاجتماعية عن عمليات التفاعل والتبادل الموجودة بين الفاعلين داخل النسق الاجتماعي أو في علاقة ببنية المجتمع. ومن ثم، فدور الباحث هو أن يحلل أفعال الفاعلين المجتمعيين، برصد الدلالات والمعاني الرمزية التي تنتج عن تلك الأفعال المتبادلة، وتأويلها وفق تجارب الأفراد، ضمن نسق مجتمعي معين.
ومن هنا، فقد ارتبطت نظرية التفاعل الرمزي بجورج هربرت ميد، كما يبدو ذلك جليا في كتابه (الفكر والذات والمجتمع من وجهة نظر السلوك الاجتماعي) الذي نشره سنة 1934 م، ضمن منشورات جامعة شيكاغو، ولم يترجم إلى اللغة الفرنسية إلا في سنة 1963 م. لكن هذا المفهوم قد وظفه بلومر لأول مرة سنة 1937 م. " لقد فكر بلومر في سعيه للجمع بين المقاربة الفردية والمقاربة السوسيولوجية المجتمعية أن مفهوم الذات يمكن أن يؤدي هذا الدور، شريطة أن نعتبر الذات استبطانا للسيرورة الاجتماعية التي تتفاعل بواسطتها مجموعات من الأفراد مع بعضها بعضا. فيتعلم الفاعل كيفية تكوين ذاته وذوات الآخرين بفضل تفاعله مع الآخرين. ويمكن عندئذ اعتبار الفعل الفردي خلقا متبادلا لعدة ذوات تتفاعل فيما بينها. وهكذا، تكتسب الذوات معنى اجتماعيا، وتضحى ظواهر سوسيولوجية تشكل الحياة الاجتماعية. وسيتوجب على الدراسة السوسيولوجية - إذاً- تحليل السيرورات التي يوفق بها الفاعلون سلوكياتهم على أساس تفسيراتهم للعالم الذي يحيط بهم." (1)
ويحصر مفهوم التفاعل الرمزي عند أرنولد روس، في تفسيره لتصور ميد، في خمس فرضيات أساسية هي: (" نحن نعيش في محيط رمزي ومادي في آن واحد، ونحن الذين نضع معاني العالم ومعاني أفعالنا في هذا العالم بواسطة رموز.
(بفضل هذه الرموز ذات المعنى التي يميزها ميد عن العلامات الطبيعية يكون بمقدورنا أن نحل محل الآخر؛ لأننا نشارك الآخرين الرموز نفسها.
(نحن نتقاسم ثقافة مؤلفة من جملة من المعاني والقيم، وهي توجه معظم أفعالنا، وتتيح لنا على نحو واسع أن نتنبأ بتصرف الأفراد الآخرين.
(إن الرموز، وبالتالي، المعاني والقيم المرتبطة بها، ليست معزولة وتشكل جزءا من مجموعات معقدة يعرف الفرد إزاءها دوره، وهو التعريف الذي يدعوه ميد الأنا، والذي يتغير بحسب المجموعات التي يتعامل معها. في حين، إن أناه تمثل الإدراك الحسي الذي يكونه عن ذاته ككل. وقد وضح ميد هذا الفارق:" إن ضمير المتكلم أنا هو رد الجسم على مواقف الآخرين. في حين، إن الأنا هي جملة المواقف المنظمة التي أوليها للآخرين. وتشكل مواقف الآخرين الأنا المنظمة، ويكون عندئذ رد الفعل إزاء ذلك على أساس أنا".
(إن الفكر هو السيرورة التي من خلالها تدرس في بادئ الأمر الحلول الممكنة والمحتملة من زاوية الفوائد والأضرار التي يجنيها الفرد بالنسبة لقيمه قبل أن يختار هذه الحلول في نهاية الأمر. إنه نوع من الاستعاضة عن التصرف بوساطة تجارب وأخطاء. إن الفعل - إذاً- هو تفاعل مستمر بين أنا والأنا وسلسلة من المراحل التي تتبلور في نهاية الأمر في تصرف وحيد." (1)
وهكذا، يتبين لنا أن مدرسة شيكاغو السوسيولوجية هي التي اهتمت كثيرا بنظرية التفاعل الرمزي.









مصادر و المراجع :

١- نظريات علم الاجتماع

المؤلف: د. جميل حمداوي

الطبعة: الأولى 2015 م

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید