المنشورات

تيودور أدورنو

ويعد تيودور أدورنو من أهم رواد النظرية النقدية، ومن المؤسسين الفعليين لمدرسة فرانكفورت، وقد انصب اهتمامه على مجال الثقافة، وبخاصة الموسيقا، والتحليل النفسي، ونظرية علم الجمال، متأثرا في ذلك بوالتر بنيامين، ولم يعرف بالنظرية الجدلية، بقدر ماعرف بالجدل السلبي في نقده للنظريات الفلسفية والنظريات الاجتماعية، كأنه يعيدنا بهذه الأفكار السلبية إلى مذاهب الشك والنسبية. وإذا كان هوركايمر وماركوز لهما صياغة اجتماعية إيجابية على أساس التصور الهيغلي للعقل، فإن آراء أدورنو كانت بعيدة عن الماركسية، على الرغم من كونه يدعي أن فلسفته مادية جدلية. وقد انتقد أدورنو مرات عديدة أفكار ماركس، وخاصة علم التاريخ والمادية التاريخية، ولم يهتم بحال من الأحوال بتحليل ماركس الاقتصادي، وعلاقته بنظريته عن الطبقات، بل أخذ من جورج لوكاش المستوى السلبي من النقد الإيديولوجي في نقد الوعي الطبقي البورجوازي. وقد ساهم في بلورة النقد الثقافي، كما يبدو ذلك واضحا في بحثه الذي كتبه مع هوركايمر بعنوان (جدل التنوير) (1944 م)، حيث انتقد فيه العقل العلمي الوضعي الذي يقدم حقائق زائفة عن الوضع البشري، وانتقد العلم والتقنية، وكان يراهما سببا في استلاب الإنسان واستغلاله، وأنهما وهم إيديولوجي زائف ليس إلا. كما انتقد الثقافة الجماهيرية الساذجة التي تساعد على انتشار الإيدولوجيا الواهمة.
ومن جهة أخرى، رفض أدورنو نظرية لوكاش الواقعية التي تقوم على الانعكاس المباشر، حيث يتحول الأدب أو الفن، في منظوره، إلى مرآة تعكس بطريقة مباشرة مايقع في الواقع محاكاة وتمثلا ونقلا وتصورا. وقد اهتم أدورنو بالجمال اهتماما لافتا للانتباه، ويعد أدورنو كذلك من رواد نظرية الجمالية الجديدة، حيث ألف كتابا تحت عنوان (نظرية الجمال)، حيث يعطي مفهوما جديدا للفن والجمال مخالفا للتصور الماركسي الذي يرى الجمال تمثلا للعالم وانعكاسا له. بينما يرى أدورنو الجمال أو الفن وسيلة هروب غامضة. و" هكذا، يرفض أدورنو نظرة لوكاش إلى الواقعية، مؤكدا أن الأدب لايتصل اتصالا مباشرا بالواقع على نحو مايفعل العقل، فتباعد الفن عن الواقع هو الذي يكسبه قوته ودلالته الخاصة. ويتوقف أدورنو عند الطرائق التي يستخدم بها المسرحي صمويل بيكيت الشكل، والموسيقار شوبنبرج الثورة اللانغمية، ليصور خواء الثقافة الحديثة." (1)
ويعني هذا أن شعرية الأدب لاتكمن في مفهوم المحاكاة، بل في الانزياح والابتعاد عن مفهوم الانعكاس المباشر. كما يتخذ الفن عند أدورنو موقفا نقديا وسلبيا من العالم. وفي هذا السياق، يقول دافيد كارتر (David karter):"  انتقد أدورنو نظرية لوكاش القائلة: إن للفن علاقة مباشرة مع الواقع. وبالنسبة لأدورنو، إن الفن، بما في ذلك الأدب، معزول عن الواقع، وهذا هو مصدر قوته تماما. إن أشكال الفن الشعبي تؤكد فقط، على مطابقة قواعد المجتمع، وتخضع لتلك القواعد أيضا، ولكن الفن الحقيقي يتخذ موقفا نقديا، في منأى عن العالم الذي أنشأه: " الفن هو المعرفة السلبية للعالم الفعلي". ورأى أدورنو الاغتراب واضحا في كتابات بروست وبيكيت على أنها تثبت هذه المعرفة السلبية للعالم الحديث." (1)
ومن هنا، فالنظرية النقدية - حسب أدورنو - هي نقد للواقعية الماركسية الانعكاسية الساذجة التي تعقد الصلة المباشرة بين الأدب والمجتمع، في جل تناقضاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتاريخية.
وفي الأخير، " لم ير أدورنو إمكانية لتحرير الفرد من التسلط والهيمنة، لا في ظهور جماعات معارضة جديدة، ولا في التحرر الجنسي، وإنما ارتأى هذه الإمكانية بالأحرى في عمل الفنان الأصيل الذي يواجه الواقع المعطى بالتلميح إلى مايمكن أن يكون. وعلى هذا، فإن الفن الأصيل يمتلك قوة غلابة، لدرجة يضعه أدورنو في مواجهة العلم الذي يعكس الواقع الموجود فحسب، فيما يمثل الفن الأصيل شكلا أعلى من أشكال المعرفة، وسعيا متجها إلى المستقبل وراء الحق." (2)
إذاً، ما يميز أدورنو هو اهتمامه بالأدب والفن، على أساس أن الفن هو الذي يحرر الإنسان من الهيمنة والسيطرة والاستبداد.











مصادر و المراجع :

١- نظريات علم الاجتماع

المؤلف: د. جميل حمداوي

الطبعة: الأولى 2015 م

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید