المنشورات

التشريح

لغة: الفتح والشرح والبيان والعرض.

واصطلاحا: بيان علم، أو تفسير كتاب، واللفظ فى هذه الدلالة مثل "شَرْح ".

ويطلق اللفظ- الآن- مطلقا على العلم (الفن) الذى يعنى بدراسة بناء الجسم وتموضع أعضائه وأجهزته وأنسجته، وذلك عن طريق تقطيع الجسم إلى أجزاء.

ومع انتشار استخدام الميكروسكوب فى دراسة الأنسجة نشأ علم الأنسجة (الهستولوجيا) ويطلق عليه مسمى "علم التشريح الميكروسكوبى". وترتبط بهذا العلم مجموعة من العلوم الأخرى المهمة تُدرس فى إطاره وترتبط به على مستوى البحث العلمى والتعليم الطبى، ومن هذه العلوم علم الأجنة الذى يُعنى بدراسة عمليات تخليق أنسجة الجسم البشرى المختلفة وأعضائه فى أثناء الحياة الجنينية.

أما علم التشريح المقارن فيقارن بين بنيان الأجسام المختلفة فى أنواع حيوانية مختلفة أو بينها وبين الإنسان.

ولا تقتصر دراسة التشريح على ما بعد الوفاة، ذلك أن الأجهزة الحديثة (كالأشعة والموجات فوق الصوتية وتقنيات التصوير المختلفة) مكنت من دراسة أجزاء الجسم الحى بصورة دقيقة، وعلى سبيل المثال فإن دراسة القلب بالموجات فوق الصوتية غيّرت من فكرتنا عن تشريحه من حيث تموضع أجزائه وصلتها ببعض.

ويعزى إلى العالم "فيزاليوس" فى القرن السادس عشر وضعه التشريح فى صورته الحديثة التى تطورت باستمرار واطراد حتى أيامنا هذه. أما أقدم العلماء الذين سجلوا جهودا بارزة فى علم التشريح فهو "هيروفيلس" من علماء الإسكندرية فى عهد البطالمة فى أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، ثم "جالينوس " فى القرن الثانى قبل الميلاد وقد تعلم فى الإسكندرية ثم مارس الطب فى روما، وهو الذى أخذ عنه العرب معلوماتهم عن التشريح فى الحضارة العربية الإسلامية وكانوا يسمونه "الفاضل " ومن الطريف أن "ابن القفطى" لما وصف "جالينوس " جمع المعنيين الاصطلاحيين للتشريح فى الثناء عليه فقال: "جالينوس هو مفتاح الطب وباسطه وشارحه .. ولم يسبقه أحد إلى علم التشريح ". ولم يمارس أحد قبل علماء الإسكندرية التشريح، وكان "جالينوس" يمارس التشريح على القردة.

ومع أن المسلمين لم يُقبلوا فى بداية عهدهم على التشريح، إلا أنهم بعد أن عرفوا قيمته لم يتركوا فرصة له إلا وأفادوا منها علوم الطب، ويستشهد مؤلفو دائرة المعارف الإسلامية على هذا المعنى بما ورد فى رحلة "عبد اللطيف البغدادى" من أنه لما علم أن بالمقس (وهى إحدى البلاد المصرية) تلاًّ من البقايا الإنسانية، أخذ فى تفحص هذه الهياكل وكتابة مشاهداته.

ومما يذكر للعرب أنهم حافظوا على تراث "جالينوس " فى التشريح حتى إن المقالات الخمس الأخيرة من كتاب "جالينوس " فى التشريح (وهو من 15 مقالة) لا توجد لها أصول ولا نصوص إلا فى اللغة العربية فقط. ومن أبرز آثار علماء العرب في التشريح ثلاثة مصنفات: الأول لابن سينا فى كتابه "القانون " والثانى لعلى بن عباس (ت 384 هـ) فى كتابه "الكامل فى الصناعات الطبية" المعروف بالملوكى، والثالث للرازى (ت 320 هـ) فى كتابه "المنصورى فى الطب ".

وقد عرف العرب ما نسميه الآن التشريح الجهازى وتأليف كتب متخصصة فى تشريح كل عضو من الأعضاء، فلهم كتب فى الأوردة، وحركة العضل، والعظام، والنبض…. الخ. ومما يميز مؤلفات الأطباء المسلمين فى التشريح ذلك النسق العام فى التأليف الذى يبدأ بعلم العظام بوجه عام، ثم بدراسة مفصلة لعظام الرأس والأسنان والعمود الفقرى والصدر وعظام الأطراف العليا واليدين وعظام الأطراف السفلى والقدمين، ثم دراسة العضلات بنفس النظام، ثم دراسة المجموع العصبى والشريانى، ثم شرح الأعضاء الظاهرة والباطنة (كأعضاء البصر والشم والسمع واللسان والحنجرة والرئتين والأمعاء، والطحال، والكليتين، والمثانة وأعضاء التناسل).

ومن إنجاز العلماء المسلمين فى التشريح أنهم درسوا الوظيفة والتركيب معا، وأنهم استطاعوا تعريب كل ألفاظ التشريح ومصطلحاته حتى إن الموسوعة الإسلامية تذكر أنه لم توجد فى التشريح العربى ألفاظ فارسية أو يونانية ماعدا كلمة واحدة، ومع هذا فإن التشريح العربى فى رأى الموسوعة لم يزود الحضارة الأوروبية بمصطلحات ما، وإن كانت بعض ألفاظه قد استعملت لفترات متباينة المدى.

أ. د/ محمد الجوادى











مصادر و المراجع :

١- موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة

المؤلف: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر

عدد الأجزاء: 1

أعده للشاملة/ عويسيان التميمي البصري

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید