المنشورات

التعايش

لغة: عَايَشَه: عاش معهُ، عيَّشه: أعاشه، وتعَاَيشُوا: عاشوا على الآلفة والمَوَدَّة ومنه التعايش السِّلمِىِّ (1).

واصطلاحا: يقصد بالتعايش أن يعيش الرجل مع الخلق، فيسلم منهم وينصفهم من نفسه، فيلقى الله عَزَّ وجَلَّ، وقد أدى إليهم حقوقهم، وسلم بدينه بين ظهرانيهم.

وقد اعترف الإسلام بتمام حرية الإنسان فى الإيمان بالله، وفى تقدير الرسالة التى يؤمن بها، وضمن له من جهة ثانية حريته فى التعامل مع أقرانه، فحكم ببطلان كل عقد بين طرفين شاب الإكراه أحدهما، أو قام على الخديعة لواحد منهما أو كليهما كما نرى ذلك فى عقد الزواج الذى هو عقد شخصى بحت إلا أننا نرى ما وصل إليه الإسلام فى تقرير الحرية الشخصية للإنسان، فله أن يعايش الناس بأخلاقهم، ويضمر فى جنحه الإيمان بالله. فروى عن وهب بن منبه أنه قال له رجل: إنى هممت بالعزلة، فما ترى؟ قال: لا تفعل، بك إلى الناس حاجة، وبالناس إليك حاجة، ولكن كن صموتا نطوقا، أصم سميعا، أعمى بصيرا، فإنه لابد للناس منك، ولابد لك منهم.

وروى عن عبد الرحمن بن أبى عوف الجرشى قال: قال الله تبارك وتعالى: يا داود، ما لى أراك خاليا؟ قال: هجرت الناس فيك يا رب العالمين. قال: أفلا أدلك على ما تستبى به وجوه الناس، وتبلغ فيه رضاى؟ قال: نعم، يا رب. قال: خالق الناس بأخلاقهم، واحتجن الإيمان فيما بينى وبينك فهذا التعيش (2).

قال تعالى:} إن تجتبوا كبائر ما تنهون عنه نكفِّر عنكم سيئاتكم {(النساء31).

فلو أُمروا باعتزال الناس على ما يرى منهم، لكانت هذه مخاشنة مع الخلق، وأخذا بالخناق، فهذا باب لا يحتمله الخلق، وتضيق العشرة وتضيع الحقوق، وفيه تقاطع الأرحام، وتباين الإخوان وتفاسد الجيران، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعاشر أصحابه والأعراب وسائر الخلق من الوفود بأكثر من هذا، فإن رأى شيئا يكرهه، قال من بعده: قولوا لهذا لا يفعل كذا، أو يعارضه بمعاريض الكلام، فيقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا" (3).

وكان السلف الصالح - رضي الله عنهم - يشيعون الجنائز، وفيها النوائح والنوادب، فلا يتركون تشييعها لباطلهم، ويشهدون الولائم، وفيها اللهو، ويشهدون الأسواق بتجارتهم، وفيها اللغو فيعوذون بالله من شر ذلك، وقد جاء رجل إلى سفيان بن عيينة، فقال: إن لى أخا، وكان واليا بالرى فجانبته وجاورت البيت، فرد علىّ كتابه أنه عُزل عن الرَىّ، وولى اليمن، وهو مجتاز بى هاهنا، أفأنزله بيتى، وأتصرف له فى حوائجه؟ فقال: نعم، وتلا قوله تعالى:} لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين، ولم يخُرجوكم من دياركم أن تبُّروهم وتقسطوا إليهم .. {(الممتحنة 8) فهذا فى الكفار، فكيف فى المؤمنين إن الاستمرار فى التعايش والتنسيق بين الأديان والشعوب والأجناس جميعها. من أهم الأمور التى وصى بها الإسلام وانطلاقا من ذلك تمكن المسلمون من أن يحققوا التعايش مع أنفسهم ومع مخالفيهم فى الدين.

(هيئة التحرير)

ا - المعجم الوسيط، مادة (عيش) (ص 663)
2 - الفروق ومنع الترادف للحكيم الترمذى، تحقيق د محمد إبراهيم الجيوشى- طبعة النهار للطبع والنشر القاهرة 998 ام.
3 - شرح السنة للبغوى (13و 143).








مصادر و المراجع :

١- موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة

المؤلف: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر

عدد الأجزاء: 1

أعده للشاملة/ عويسيان التميمي البصري

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید