المنشورات

التفكر

لغة: يقال فكَّر فى الأمر تفكيرا، أعمل العقل فيه، ورتب بعض ما يعلم ليصل به إلى المجهول .. وفكر فى المشكلة أعمل الرّويَّة فيها ليصل إلى حلّها.

واصطلاحا: التفكير عند معظم الفلاسفة عمل عقلى عام يشمل التصور والتذكر والتخيل والحكم والتأمل، ويطلق على كل نشاط عقلى (1).

والفكر حركة النفس نحو المبادئ والرجوع عنها إلى المطالب، والنظر ملاحظة المعلومات الواقعة فى ضمن تلك الحركة. ويقال: فى الأمر فكر، أى نظر وروية، وما لى فيه فكر أى حاجة. والفكر والنظر مترادفان، والفكر هو أن ينتقل الإنسان من أمور حاضرة متصورة أو مصدق بها تصديقا علميا أو ظنيا أو وضعا أو تسليما، إلى أمور غير حاضرة فيه انتقالا لا يخلو من ترتيب كما يقول ابن سينا فى الإشارات والتنبيهات (2).

وإذا قيل: إن الفكر يطلق على حركة النفس فى المعقولات سواء كانت بطلب أو بغير طلب، أو كانت من المطالب إلى المبادئ أو من المبادئ إلى المطالب؛ فإن المراد بالمعقولات ما ليست محسوسة وإن كانت من الموهومات (3).

والتفكر أو التفكير هو نشاط إنسانى خالص له شكلان، فإما أننا نفكر لنصل إلى ما يمكن أن يكون الحقيقة، أو أننا نفكر لنبتَّ برأى فى مسألة ما. ويصف أرسطو (322 ق. م) هذين الشكلين بأنهما التأمل والتروّى، وينتهى التأمل الناجح إلى نتيجة، والتروى الناجح إلى قرار، ويصف التفكير المتأمل بأنه نظرى والمتروى بأنه عملى. والتفكير الإنسانى خليط من الشكلين ويتم باطنيا وقصديًّا (4).

ونظريات التفكير إما أفلاطونية أو أرسطية أو تصورية أو اسمية نفسية أو سلوكية. وهى عند أفلاطون: حوار داخلى بكلمات تشير إلى صور، وعند أرسطو: فعل عقلى حيث التفكير فى الشىء مشاركته فى ماهيته، ومن ثمَّ إثراء للعقل، وعند التصوريين: نشاط يبرز أفكار العقل الفطرية، وعند الصوريين: تتابع لأحداث ترتبط فيها الصور العقلية بالعادات، وعند النفسيين: حوار نفسى، وعند الترابطيين: كلام مترابط يدور فى الذهن يمكن أن يعلنه صاحبه كتفسير لسلوكه (5).

وإذا قلنا: إن الفكرة معنى من المعانى، فالمعانى هى الصور الذهنية من حيث إنه وضع بإزائها الألفاظ والصور الحاصلة فى العقل. فمن حيث إنها تقصد باللفظ، سميت معنى، ومن حيث إنها تحصل من اللفظ فى العقل سميت مفهوما، ومن حيث إنه مقول فى جواب ما هو: سُمّيت ماهية، ومن حيث ثبوته فى الخارج، سميت حقيقة، ومن حيث امتيازه عن الأغيار سميت هوية (6).

والفكرة عند أفلاطون (7) (347 ق. م) تفيد الماهية أو المثال أو الشىء بالذات المفارق للمادة. وهناك فكرة غريزية أو فطرية ليست مستفادة من الأشياء ولا مركبة بالإرادة، لكن النفس تستنبطها من ذاتها وتمتاز بالوضوح والبساطة ..

والفكرة إما حادثة أو مصطنعة .. أما الحادثة فتقوم فى الفكر بمناسبة حركات واردة على الحواس من الخارج كاللون والطعم والصوت والرائحة. أما المصطنعة فنحن نركبها من الأفكار الحادثة كصورة فرس له جناحان مثلا. وعند ديكارت (8) الذى قال: أنا أفكر فأنا إذن موجود، عنده أن هناك أفكارا فطرية تطلق على الشعور والتجربة الباطنة والصور الأولية للمعرفة، يستدل بها على معرفة الروح والروحيات والعلاقات، وهذا معناه أن لدينا معارف مغايرة للمعارف المتخيلة والتى يدل عليها بلفظ  idea  الأفلاطونية.

فإذا عدنا إلى كتابنا الكريم بالذات، فإننا نجد بيانا وافيا لمفهوم التفكر بمعنى إمعان النظر وبمعنى التدبر، وبمعنى التعقل، وبمعنى التأمل، وبمعنى التمييز وما إلى ذلك حسب المقام.

من ذلك قول الله سبحانه وهو يتحدث عن مخاطر وأخطار الاقتراب من المحرمات {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون} (البقرة 219). ومن ذلك قوله عن الصادقين من المؤمنين بأنهم {يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، ويتفكرون فى خلق السموات والأرض} (آل عمران 191). ومن ذلك {هل يستوى الأعمى والبصير أفلا تتفكرون} (الأنعام 50) ومن ذلك: {فاقصص القصص لعلهم يتفكرون} (الأعراف 176).
أ. د/ عبد القادر محمود











مصادر و المراجع :

١- موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة

المؤلف: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر

عدد الأجزاء: 1

أعده للشاملة/ عويسيان التميمي البصري

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید