المنشورات
التقوى
لغة: قلة الكلام، وقد استعملت التقوى -بمعنى عام- فى الصيانة والحذر والوقاية، واجتناب ما هو مكروه أو قبيح أو ضار.
واصطلاحا: هى التحرز من عقوبة الله تعالى وعذابه، بطاعته واتباع أوامره، واجتناب نواهيه.
وقد سأل عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أبيا عن التقوى، فقال: هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال: نعم. قال: فما عملت فيه؟ قال: تشمرت وحذرت، قال: فذاك التقوى (1).
وتنسب مثل هذه الإجابة إلى أبي هريرة عند الشوكاني (2).
وتقوم التقوى -فى جوهرها- على استحضار القلب لعظمة الله تعالى واستشعار هيبته وجلاله وكبريائه، والخشية لمقامه، والخوف من حسابه وعقابه.
وإذا كان هذا هو معنى التقوى فإن نطاقها لا ينحصرفى اجتناب الكبائرفحسب، بل إنه يمتد ليشمل كل ما فيه معنى المخالفة حتى لو كان من اللَّمم أو الصغائر، وقد فهمت التقوى هذا الفهم منذ عهد الصحابة الذين قال قائلهم: لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر من عصيت.
بل إنهم جعلوا من تمام معناها أن تتضمن الورع، عن بعض ما هو طيب أو حلال، حذرا من مقاربة الحرام، وفى ذلك يقول أبو الدرداء: "تمام التقوى: أن يتقى الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حراصا ".
وهذا المعنى له أصل صحيح فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عطية السعدي قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس" (أخرجه أحمد والبخاري فى تاريخه).
وليست التقوى -كما يفهم من معناها اللغوى وبعض استعمالاتها الشرعية- مقصورة على الحذر والاجتناب للمعاصى والرذائل، بل إنها تتضمن -كذلك- جانب الفضائل والطاعات العملية الإيجابية ويظهر هذا فى عديد من الآيات القرآنية، ولعل من أكثرها دلالة على هذا التكامل آية البر المشهورة، وهى قوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البرمن آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) البقرة:177.
وقد كانت الوصية بالتقوى أول وصايا الله تعالى لبنى آدم. قال تعالى: {يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوآتكم وريشا، ولباس التقوى ذلك خير} الأعراف:26.
وهى وصية الله للمسلمين وللأمم من قبلهم: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتابا من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} النساء:131.
وكان أهل التقوى هم أهل محبة الله: {بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين} آل عمران:76.
وهم أهل ولايته: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون} يونس:62،63.
وأهل الكرامة عنده فى الدنيا وفى الآخرة: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات:13.
وقد وصفت الجنة بأنها دار المتقين: {ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين} النحل:30، {تلك الجنة التى نورث من عبادنا من كان تقيا} مريم:63.
وقد جعل الله التقوى من أعظم أسباب البركة فى الأرزاق ومن أعظم أسباب تفريج الكربات وتكفير السيئات وزيادة الحسنات والخروج من المضائق والأزمات.
والحديث عن التقوى ومكانتها، وصفات أصحابها كثير فى القرآن والسنة وقد أمر الله بها فى أمر المؤمن كله: عبادات ومعاملات دينا ودنيا، قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} آل عمران:102.
وقال صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت ... ) رواه الدرامى (3).
أ. د/عبد الحميد مدكور
مصادر و المراجع :
١- موسوعة المفاهيم
الإسلامية العامة
المؤلف: المجلس
الأعلى للشئون الإسلامية - مصر
عدد الأجزاء: 1
أعده للشاملة/
عويسيان التميمي البصري
27 أبريل 2024
تعليقات (0)