المنشورات

الرؤيا

لغة: على وزن فُغلَى غير منصرف لألف التأنيث، وهى ما رأيته فى منامك قال الليث: لا تجمع الرؤيا، وقال غيره: تجمع الرؤيا على رؤى كما يقال عليا وعلىَّ كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: ورد فى القرآن {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إنى رأيت أحد عشركوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين. قال يابنى لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين} يوسف:4،5، كما جاء فى سورة يوسف أيضا رؤيا الفتيين، ورؤيا الملك فى أكل السبع البقرات السمان للسبع العجاف (2) ورؤيا إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ولده (3).
وقد ورد فى السنة الكثير من الحديث عن الرؤيا ونكتفى منها بحديث أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا، ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة. والرؤيا ثلاثة: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا ما يحدث المرء نفسه فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس ... ) رواه مسلم (4).
وقد وردت عدة روايات فى هذا الحديث جاءت بلفظ (من ست وأربعين جزءا من النبوة) وفى رواية من حديث ابن عمر رضى الله عنهما (من سبعين جزءا من النبوة) وجميع هذه الرؤايات أخرجها مسلم فى صحيحه (5) وقد نقل عن ابن عبد البر، أن الاختلاف فى مقدار الجزء إنما هو بحسب يقين الرائى، وإخلاصه، ودرجة تقواه، كما أن الأنبياء يتفاضلون (6).
وبالجملة فإن أهل العلم يتفقون على أن الرؤيا الصادقة من الله تعالى وأن التصديق بها حق، وتحتاج إلى التأويل الحسن، ولا ينبغى أن تعبر إلا من أهل العلم العارفين بالتأويل كما أن فيها من بديع صنع الله وجميل لطفه ما يزيد المؤمن فى إيمانه، ولم ينكرالرؤيا إلا أهل الإلحاد من قدامى ومحدثين، وشرذمة من المعتزلة حيث إنهم لينسبونها إلى ما يغلب على الإنسان من الطبائع الأربعة فإن غلبت السوداء عليه رأى السواد والأهوال، وان غلبت عليه الصفراء رأى النار والمصابيح والمعصفرات وإن غلب عليه البياض رأى المياه والأنهار، وإن غلب عليه الدم رأى الشراب والرياحين والمعازف (7) قال الكرمانى فى الرؤيا ثمانية أقسام، سبعة لا تعبر وواحد يعبر، حيث أضاف إلى الأربعة السابقة خامسا: وهو الرؤى المنعكسة عما يجول فى النفس فى حالة اليقظة. وسادسا وهو ما كان من رؤى الشيطان ويعرف بكونه يأمره بمنكر وينهاه عن المعروف. وسابعا وهو ما كان من قبيل الاحتلام.
أما الرؤيا التى تعبر فهى ما ينقله ملك الرؤيا من اللوح المحفوظ من أمور دنيا الرائى وأخراه (8) وعلى ذلك فما قاله الملحدون ومن معهم إنما هو نوع من الرؤيا وليس هو كل الرؤيا بل هو يدخل فى أضغاث الأحلام التى آشار إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان) رواه مسلم (9).
أما الأحكام الفقهية التى تلقى فى الرؤيا وكانت مخالفة للأحكام المستقرة فى الشريعة الإسلامية فإنه لا يعمل بها قال الإمام القرافى: من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقال له مثلا: إن امرأتك طالق ثلاثا وهو يجزم بأنه لم يطلقها.
فالذى يظهر أن إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اليقظة مقدم على الخبر فى النوم لتطرق الاحتمال للرائى بالغلط فى ضبط المثال ولو قال له: عن أمر حرام إنه حلال، أو عين حكما من الشريعة، قدمنا ما ثبته فى اليقفلة على مارؤى فى النوم لما ذكرنا، كما إذا تعارض خبران من أخبار اليقظة فإننا نقدم اللأرجح (10).
فإذا تعلقت بشىء من فضائل الأعمال وقد عبرها أحد العلماء بالتأويل فالظاهرأنه يعمل بمقتضاها إذا لم تتعارض مع حكم منصوص عليه، لحديث ابن عمر رضى الله عنهما أن رجالا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر فى المنام فى السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أرى رؤياكم قد تواطأت فى السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها فى السبع الأواخر) رواه البخارى (11).
وهذا فى غير رؤيا الأنبياء لأن رؤيا الأنبياء حق فقد عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقتضاها حينما رأى أنه يدخل المسجد الحرام، كما عمل إبراهيم عليه السلام بمقتضاها حينما رأى أنه يذبح ابنه كما هو معلوم ومفصل فى القرآن الكريم.
أ. د/أحمد على طه ريان










مصادر و المراجع :

١- موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة

المؤلف: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر

عدد الأجزاء: 1

أعده للشاملة/ عويسيان التميمي البصري

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید