المنشورات
الزَّنْدَقة
اصطلاحا: الزندقة اسم مشترك يطلق على معان متعددة، مختلفة فيما بينها على الرغم مما قد يجمع بينها من تشابه؛ فقد أطلق على القول بأزلية العالم، وعدم الإيمان بالربوبية، والشك والضلال والإلحاد والكفر، والقول بإلهين أو أكثر للعالم، وعلى المذاهب الثنوية كالزرادشتية أو المجوسية والمزدكية والمانوية، وإبطان الكفر وإظهار الإسلام، إبطان عقائد هى كفر بالاتفاق، والنطق بعقائد أخرى بالإضافة إلى الإسلام، وعلى ابتداع ما ليس من الدين، وعلى مخالفة مذهب أهل السنة والجماعة، وعلى حياة المجون التى كان يحياها بعض الشعراء والكتاب.
والزندقة تساوى "الكفر" عند بعض العلماء؛ قال التفتازانى فى "مقاصد الطالبين فى أصول الدين": الكافر إن أظهر الإيمان خص باسم المنافق، وإن كفر بعد الإسلام فبالمرتد، وإن قال بتعدد الآلهة فبالمشرك، وإن تدين ببعض الأديان فبالكتابى، وإن أسند الحوادث إلى الزمان واعتقد بقدمه فبالدهرى، وإن نفى الصانع فبالمعطل، وإن أبطن عقائد هى كفر بالاتفاق فبالزنديق.
وقال فى شرحه: قد ظهر أن الكافر اسم لمن لا إيمان له؛ فإن أظهر الإيمان خص باسم المنافق، وإن طرأ كفره بعد الإسلام خص باسم المرتد لرجوعه عن الإسلام، وإن قال بإلهين أو أكثر خص باسم المشرك، لإثباته الشريك فى الألوهية، وإن كان متدينا ببعض الأديان والكتب المنسوخة خص باسم الكتابى، كاليهودى والنصرانى، وإن كان يقول بقدم الدهر وإسناد الحوادث إليه خص باسم الدهرى، وإن كان لا يثبت البارى تعالى خص باسم المعطل، وإن كان مع اعترافه بنبوة النبى - صلى الله عليه وسلم - وإظهاره شعائر الإسلام يبطن عقائد هى كفر بالاتفاق خص باسم الزنديق.
والمراد بإبطان بعض عقائد الكفر ليس هو الكتمان من الناس، بل المراد أن يعتقد بعض ما يخالف عقائد الإسلام مع ادعائه إياه.
فقد روى عن ابن عمر- رضى الله عنهما- أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سيكون فى هذه الأمة مسخ، ألا وذلك فى المكذبين بالقدر والزنديقية" (رواه أحمد).
ولقد أطلق اسم "الزندقة" على بعض الفرق والمذاهب والديانات التى ظهرت فى بلاد الفرس؛ فقد كانت بلاد الفرس بلاد الوثنية والدهرية والزندقة.
وفى هذه البلاد ظهرت المجوسية أو الزرادشتية، والمانوية والمزدكية، وهى ديانات ومذاهب شرك ووثنية.
فقد رأى "زرادشت" متنبئ المجوس الذى عاش فى القرن السابع قبل الميلاد ومات فى عام 583 ق. م تقريبا، أن العالم مكون من قديمين، وأن جبلته حصلت من امتزاج الضدين، وهذان الضدان هما النور والظلمة اللذان يعدان أصلين للخير وللشر، وهما قوتان متنازعتان، لأن كلتيهما تتمتعان بالقدرة على الخلق، فأصل الخير هو "النور" وقد خلق كل ما هو حسن وخير ونافع؛ أما أصل الشر فهو "الظلمة" وقد خلق كل ما هو سيئ ومشوه فى هذا العالم. وقد أتى "زرادشت" المجوس بكتاب يعرف باسم "الأبستا" أو "الأوستا" وهو كتاب الزرادشتية المقدس، ولهذا شرح يسمى"زند" ولهذا الشرح شرح يسمى"بازند".
أما "المانوية" فهى فرقة أخرى من الزنادقة، وهم أتباع مانى بن فاتك وقد ادَّعى دينا ممزوجا بين النصرانية والمجوسية، وقد آمنوا بما آمنت به "الزرادشتية" على بعض الخلاف بينهما، وفى أيام "مانى" هذا ظهر اسم "الزندقة" الذى إليه أضيف الزنادقة، وذلك أن الفرس حين أتاهم "زرادشت" بكتابهم "الأبستا" باللغة الأولى من الفارسية، وعمل له التفسير وهو"الزند" وعمل لهذا التفسير شرحا سماه "البازند" .. وكان "الزند" بيانا لتأويل المتقدم المنزل، وكان من أورد فى
شريعتهم شيئا بخلاف المنزل الذى هو "الأبستا" وعدل إلى التأويل الذى هو "الزند"، قالوا: هذا زندى، فأضافوه إلى التأويل، وأنه منحرف عن الظواهر من المنزل إلى تأويل هو بخلاف التنزيل، فلما أن جاءت العرب أخذت هذا المعنى من الفرس وقالوا: زنديق، وعربوه، والثنوية هم الزنادقة، ولحق بهؤلاء سائر من اعتقد القدم، وأبى حدوث العالم.
وقد كان لهذه الديانات والمذاهب أثرها فى الخلافات الكلامية عند المسلمين؛ كما كان لها أثرها فى إطلاق اسم الزندقة على بعض الفرق الكلامية؛ حيث أطلق على إحدى فرق الجهمية اسم "الزنادقة"، وهم الذين قالوا: ليس لأحد أن يثبت لنفسه ربًّا، لأن الإثبات لا يكون إلا بعد إدراك الحواس، وما يدرك فليس بإله، وما لا يدرك لا يثبت. كما أطلق أيضا على الإسماعيلية اسم الباطنية والقرامطة والمزدكية، والتعليمية الملحدة.
أ. د/ محفوظ عزام
مصادر و المراجع :
١- موسوعة المفاهيم
الإسلامية العامة
المؤلف: المجلس
الأعلى للشئون الإسلامية - مصر
عدد الأجزاء: 1
أعده للشاملة/
عويسيان التميمي البصري
28 أبريل 2024
تعليقات (0)