المنشورات

السلفيون

لغة: هم الذين يحتذون حذو السلف، الذين سلفوا، أى سبقوا ومضوا.
واصطلاحا: يدخل فى إطار السلفيين أغلب تيارات الفكر ومذاهبه ومدارسه بدرجات متفاوتة ومعان متمايزة، لأن لها ماضيا ومرجعية ونموذجا ترجع إليه وتنتسب له وتحتذيه وتستصحب ثوابته ومناهجه، وذلك إذا استثنينا تيار الحداثة بالمعنى الغربى، والتى يقيم أصحابه قطيعة معرفية مع الموروث.
وإذا كان السلف هو الماضى فكلنا سلفيون.
لكن السلفيين أنواع:
فمن السلفيين من يقلد السلف، وهؤلاء هم أهل الجمود والتقليد.
ومن السلفيين من يرجع إلى السلف، فيجتهد فى ميراثهم وتراثهم، مميزا فيه الثوابت عن المتغيرات والصالح للاستصحاب والاستلهام عن ما تجاوزته الوقائع المتغيرة، والعادات المتبدلة، والأعراف المختلفة، والمصالح المستجدة.
ومن السلفيين من يستلهم من فقه السلف ما يتطلبه فقه الواقع الجديد.
ومن السلفيين من يهاجر من واقعه المعيش إلى واقع السلف الذى تجاوزه الزمان، وإلى تجاربهم التى طوتها القرون.
ومن السلفيين من سلفه عصر الازدهار والإبداع فى تاريخنا الحضارى.
ومن السلفيين من سلفه عصر الركاكة والتراجع فى مسيرتنا الحضارية.
ومن السلفيين من سلفه تراثنا وحضارتنا وثقافتنا الوطنية والقومية والإسلامية.
ومن السلفيين من سلفه تراث الآخر الحضارى ومذاهبه وتياراته الفلسفية والاجتماعية، وبهذا المعنى يمكن إدخال الليبراليين الذين يحتذون حذو الليبرالية الغربية، والماركسيين اللذين يحتذون حذو الماركسية الغربية، وأمثالهم من المتغربين فى عداد السلفيين الذين أصبح الموروث والماضى الغربى سلفا لهم يحتذونه أحيانا مع قدر من التحوير، وأحيانا بجمود وتقليد.
ومن السلفيين من سلفه المذاهب والتيارات النصية الحرفية فى تراثنا.
ومن السلفيين من سلفه تيارات العقلانية فى تراثنا أو النزعات الصوفية فى موروثنا الحضارى.
ومن السلفيين من سلفه مذهب تراثى بعينه يتعصب له ولا يتعداه.
ومن السلفيين من مرجعيته تراث الأمة، على اختلاف مذاهبها، يحتضنها جميعا، ويعتز بها، ويتخير منها.
ولكن مع صدق وصلاحية إدخال أغلب تيارات الفكر تحت مصطلح السلفيين، إلا أن هذا المصطلح قد ادعاه واشتهر به وكاد يحتكره أولئك الذين غلبوا النص، وفى أحيان كثيرة ظاهر النص على الرأى والقياس وغيرهما من سبل وآليات النظر العقلى، فوقفوا عند الرواية أكثرمن وقوفهم عند الدراية، وحرموا الاشتغال بعلم الكلام فضلا عن الفلسفات الوافدة على حضارة الإسلام، وهؤلاء هم الذين يطلق عليهم أحيانا أهل الحديث، لاشتغالهم بصناعة المأثور وعلوم الرواية، ورفضهم علوم النظرالعقلى.
وإمام هذه المدرسة هو أبو عبد الله أحمد ابن حنبل (164 - 241هـ /780 - 855م) وفيها نجد أبرز الأئمة الذين اشتغلوا بصناعة الرواية وعلومها، من أمثال: ابن راهويه (238هـ/852م) وإمام علم الجرح والتعديل، وأصحاب الصحاح والجوامع والمسانيد: البخارى (256هـ/870م)، وأبو داود (275هـ/888م)، والدارمى (280هـ/893م)، والطبرانى (360هـ/971م)، والبيهقى (458هـ/1066م) إلخ ... ولقد تطورت هذه المدرسة فى مرحلة ابن تيمية (661 - 728هـ/1263 - 1328م) وابن قيم الجوزية (691 - 751هـ/1292 - 1350م) فضمت إلى المأثور بعضا من أدوات النظر العقلى، وإن ظلت الغلبة والأولوية عندها للنصوص والمأثورات.
وعن هذا المنهاج يعبر ابن القيم، فيقول: "إن النصوص محيطة بأحكام الحوادث، ولم يحلنا الله ولا رسوله على رأى ولا قياس، وإن الشريعة لم تخوجنا إلى قياس قط، وإن فيها غنية عن كل رأى وقياس وسياسة واستحسان، ولكن ذلك مشروط بفهم يؤتيه الله عبده فيها".
فلقد ظل النص وحده هو المرجع عند هؤلاء السلفيين، لكن التطور قد أصاب هذا المنهاج النصى -فى مرحلة ابن تيمية وابن القيم- فحدث إعمال الفهم والعقل فى النصوص، دون الاكتفاء بالوقوف عند ظواهر هذه النصوص.
ولقد كان غلو هؤلاء السلفيين فى الانحياز إلى النص وحده، ثمرة لعوامل كثيرة، منها: مخافة غلو مضاد انحاز أهله -وهم فلاسفة العقلانية اليونانية من المشائيين- إلى عقلانية غير مضبوطة بالنص الدينى، وأيضا النزعة الصوفية الباطنية الإشراقية، التى انحازت إلى الذوق والحدس، دونما ضابط من النص ولا من العقل.
ولأن هذه النزعات جميعها -النصية منها والعقلانية والباطنية- قد شابها قدر، كثير أو قليل، من الغلو، فلقد ظلت عاجزة عن استقطاب جمهور الأمة، وانحاز هذا الجمهور إلى النزعة الوسطية فى السلفية، تلك التى جمعت بين النقل والعقل ووازنت بينهما، وهى الأشعرية التى أسسها إمامها أبو الحسن الأشعرى: على بن إسماعيل (260 - 324هـ/874 - 936م) ففى هذه المدرسة من مدارس السلفيين اجتمع النقل والمأثور مع النظر العقلى والاشتغال بعلم الكلام -الذى حرم السلفيون النصيون الاشتغال به- مع علم أصول الفقه، الذى يمثل فلسفة العقلانية الإسلامية فى التشريع.
ثم تطورت هذه المدرسة -بعد مرحلة التأسيس- على يد كوكبة من أئمتها، فى مقدمتهم الباقلانى: أبو بكر محمد بن أبى الطيب (453هـ-1013م) وإمام الحرمين الجوينى: أبو المعالى عبد الملك بن عبد الله ابن يوسف (419 - 478هـ/1028 - 1085م) وحجة الإسلام أبو حامد الغزالى (450 - 505هـ/1058 - 1111م).
وعلى امتداد تاريخ الحضارة الإسلامية، ظلت هذه الصورة وهذه الموازنة ملحوظة فى مدارس ومذاهب السلفيين، فالنزعة النصية تمثلها فى عصرنا الحديث وواقعنا المعاصر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1115 - 1206هـ/1702 - 1792م) المسماة بالوهابية، بينما لا تزال الأشعرية، الممثلة للعقلانية، النصية، تستقطب جمهور المسلمين.
أ. د/محمد عمارة











مصادر و المراجع :

١- موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة

المؤلف: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر

عدد الأجزاء: 1

أعده للشاملة/ عويسيان التميمي البصري

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید