المنشورات
السياسة
لغة: مصدرللفعل "ساس" أى رأس وقاد، والسياسة: القيام على الشىء بما يصلحه ... والوالى يسوس رعيته، كما فى اللسان (1). وسست الرعية سياسة، أى ملكت أمرهم، كما فى الصحاح (2). وفى الحديث الشريف: "كان بنو إسرائيل يسوسهم أنبياؤهم " أى يتولون أمورهم كما يفعل الأمراء، الولاة بالرعية.
والمعنى الاصطلاحى للسياسة حتى اليوم يتفق وتدبير أمور الرعية فى الداخل والخارج، وفى التوصيف الغربى (3) فإن السياسة هى مجموعة القرارات المترابطة المتفق عليها بقصد التوصل إلى نتائج وأهداف محددة على المستوى العام أو المستوى الشخصى.
وينظر إلى السياسة غالبا باعتبارها تمثل التعامل والتفاعل بين الأفراد والعوامل، التى تحدث نتيجة تحديد المواقع والمصالح، التى يمكن تحقيقها والقرارات المصاحبة لذلك، إلا أن اللفظ اتخذ فى الإسلام طابعا دينيا، إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن صاحب رسالة دينية فقط إنما كان رئيسا للجماعة الإسلامية الناشئة، التى وضع أساسها بمقتضى الصحيفة التى آخى فيها بين المهاجرين والأنصار، والتى يمكن أن يطلق عليها "دستور المدينة" إذ تضمنت تنظيما واضحا للعلاقات بين أعضاء المجتمع الإسلامى، بينهم ورياسة هذه الجماعة، وبينهم وبين من يخالفونهم فى الدين.
وتعتبر الصحيفة نقلة نوعية من المنظور السياسى، حيث تضمنت من المعانى-على خلفية عالميةالإسلام- عناصر بالغة الدلالة من حيث العلاقات الدولية، فقد تضمنت إطارا لدول متعاونة على كل ما عرف خيره تتحمل مسئوليتها فرادى وجماعات فى عمارة الأرض (4) وعدم الإفساد وأنه لا إكراه فى الدين، وبرّ من يخالفنا ما لم يعتد علينا فى ديارنا أو ديننا، وأن الخلق كلهم عيال الله، وأن الحوار والتفاوض فى السياسة أمران واردان.
وجاء ذلك فى إطار ما حفل به القرآن الكريم من معان سامية ينبغى أن تسود البشر لإصلاح أمورهم فى دنياهم وأخراهم، بما فى ذلك تأكيده على قيم العدل والمساواة والتعاون والسلام بين البشر -وهى قيم ينبغى أن تكون لها السيادة فى العلاقات السياسية الدولية- أتى بها الإسلام وسبق غيره بقرون عديدة.
وعالمية الإسلام تكسب التوجهات الإسلامية بعدها العالمى {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} الفرقان:1، وقد أمر الإسلام بالتعايش والتعارف {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا} الحجرات:13، وأمر بالعدل {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} المائدة:8.
ويعتبر الإسلام أن السلام هو السياسة الإسلامية الأصيلة التى تمارس داخل المجتمع الاسلامى فى علاقاته مع مخالفيه (5) وهو يفرق فى هذا الصدد بين الذين يسالمون المسلمين والذين يقاتلونهم، والاختلاف ليس سبيلا للحرب بل إنه كامن فى طبيعة الحياة، والسلام لا يعنى الاستسلام للمعتدين، وحتى فى حالة الحرب فلها سياستها وآدابها، والإسلام يدعو إلى التعايش والحوار كمنهاج لممارسة السياسة، وفى ظلها تنمو العلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها من أوجه العلاقات التى تتم فى إطار السياسة الدولية.
أما التنافس والتدافع فى المصالح والأمور السياسية فلا يعنى بالضرورة تصارعا وقتالا، إنما يعتبر ذلك من سنن الحياة التى تحقق التوازن والتداول فى إطار الفهم السليم لمقاصد الشريعة {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزير} الحج:40.
وقد عرف النظام الإسلامى أسلوب كتابة المعاهدات، وسبق اتفاقيات جنيف التى عقدت عام 1949م فى حماية ضحايا الحرب وأسراها، وحظر أعمال الثأر والانتقام ضد العدو.
ولقد كان إنشاء الدولة الإسلامية فى المدينة، وامتداد نفوذها بالتدريج فى معظم أجزاء شبه جزيرة العرب فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ثمرة مجهودات كبيرة حربية وتشريعية وسياسية، وكانت حصيلة النشاط السياسى والدبلوماسى مجموعة كبيرة من الرسائل والصكوك والمعاهدات التى تحدد العلاقات السياسية على أسانيدها من القرآن والسنة النبوية.
السفير/نبيل محمد بدر
مصادر و المراجع :
١- موسوعة المفاهيم
الإسلامية العامة
المؤلف: المجلس
الأعلى للشئون الإسلامية - مصر
عدد الأجزاء: 1
أعده للشاملة/
عويسيان التميمي البصري
28 أبريل 2024
تعليقات (0)